هل هذه هي نهاية اليمين الديني في أمريكا؟

11 أيار (مايو - ماي)، 2016
7 minutes

نيويورك تايمز –

لأكثر من ثلاثة عقود، كان الإنجيليون المحافظون البيض هم القوة المهيمنة داخل الحزب الجمهوري، يشكّلون الانتخابات الرئاسية التمهيدية ويصوّتون لصالح المرشح النهائي. لكن هذا العام، تغيّرت هذه العلاقة مع ذهاب أصوات عدد لا يستهان به من الإنجيليين المحافظين البيض إلى دونالد ترامب.

بالنسبة للدائرة التي وضعت القيّم الدينية المحافظة، والنقاء الجنسي والسياسة التي يحركها الكتاب المقدس كحجر الزاوية في سياستها، فإنَّ ترامب – المُطلّق مرتين، ورجل الأعمال البذيء الذي أشاد بالخدمات الصحية لتنظيم الأسرة وبلا مبالاة أعطى الإذن لكاتلين جينر (متحولة جنسيًا)  للإقامة ف غرفة نسائية في برج ترامب – يبدو خيارًا غريبًا.

يواجه اليمين الديني تغييرات عديدة، ليس فقط لأنَّ أعضاءه دعموا ومكّنوا وأذعنوا لترامب. نجاح ترامب يعني أنّه يجب على الزعماء الدينيين والسياسيين معرفة كيف ورّطت حركة دينية نفسها في السياسة الحزبية وانتهى بها الحال وهي مهمّشة من قبل الحزب الذي يتبناها بالأساس.

التحالف الإنجيلي الجمهوري، في حين أنّه تحالف هائل ودائم، إلّا أنّه عانى من توترات متزايدة، منها الاختبارات الأيديولوجية الفاصلة وغير المرنة حول قضايا معينة، مثل الإجهاض وحقوق المثليين، في حين تمّ تجاهل الخلافات الداخلية حول قضايا سياسية مثل الهجرة، فضلًا عن المخاوف اللاهوتية الأساسية.

لأكثر من 30 عامًا، كان المتدينون المحافظون كتلة انتخابية مخلصة بشكل حاسم للجمهوريين. وقد أدى ذلك إلى اتفاق دائم للمرشحين الجمهوريين: التعهد بالولاء “للدولة المسيحية،” والوعد بحظر الإجهاض وزواج المثليين، وفي المقابل سيشّل الإنجيليون جزءًا أساسيًا يمكن الاعتماد عليه من قاعدة التصويت الخاصة بالحزب الجمهوري.

وقد سامح الإنجيليون المرشحين المفضّلين السابقين عن خطاياهم. انحرف رونالد ريغان عن معايير الحركة، لكنه كان بارعًا في استخدام اللغة الدينية، مثل “مدينة مشرقة على تلة“. وكان لجورج دبليو بوش ماضٍ فاسد مليء بالأخطاء، ولكن تمّ الخلاص منه، في عيون الإنجيليين، من خلال الخلاص الديني. في عام 2004، صوّت 78٪ من الإنجيليين البيض لجورج دبليو بوش، وشكّلوا 36 بالمئة من الأصوات لصالح بوش.

ثمّ جاء ترامب، المرشح الذي يفخر بنفسه لأنه غير متوقع. افتقار ترامب للألفة مع الكتاب المقدس كان هدفًا متكررًا للسخرية. لقد أعلن بنفسه أنّه ضد الإجهاض في عام 2011، عندما ترشح لأول مرة في انتخابات الرئاسة. وبالرغم من تغيير موقف ميت رومني من مسألة الإجهاض التي عالجها مرارًا وتكرارًا، مما جعل الشعب الأمريكي يطلق عليه اسم المخادع، يتجاوز ترامب أي وصف مماثل حتى الآن.

راهن ترامب على اثنين من الديناميكيات التي تغيّر علاقة الإنجيليين بالجمهوريين. أولًا، أدرك كيف حدّد قرار المحكمة العليا عام 2015 بإضفاء الشرعية على زواج المثليين نهاية واحدة من القضايا الرئيسية في اليمين الديني. ورفض التعليق على الصياغة الجديدة من اليمين الديني في مجال حقوق المثليين، والتي تهدف لتأطير تلك المسألة باعتبارها قضية حرية دينية للمسيحيين المحافظين.

وقد أعلن ترامب في كثير من الأحيان أنّه عندما يصبح رئيسًا للولايات المتحدة سيكون من المقبول “قول” عيد ميلاد سعيد “مرة أخرى!” كما لو أن ما تسمى الحرب على أعياد الميلاد هي إجمالي قضايا الحرية الدينية للحركة الإنجيلية.

ثانيًا، استغلل ترامب انقسام الحركة الإنجيلية بشأن مسألة الهجرة. ومن خلال القيام بذلك، فهو يتبع المسؤولين الجمهوريين الذين تجاهلوا حُجة القادة الإنجيليين بأنَّ الترحيب بالمهاجرين غير واجب في الكتاب المقدس.

ربما سامح الإنجيليون المؤيدون للهجرة مرشحًا توافق مع متطلباتهم في القضايا الاجتماعية وفي الوقت نفسه تراجع عن دعمه لإصلاح قوانين الهجرة. لكن لغة ترامب العنصرية الكارهة للنساء دفعت هؤلاء الإنجيليين بعيدًا عنه.

عن قصد أو عن غير قصد، قد يكون ترامب المرشح المثالي لثقافة فرعية إنجيلية أصبحت محبة على نحو متزايد للازدهار، والصحة والثروة والإنجيل. وفي محاولة لبناء فصيل دينيّ فردانيّ يتفق مع بعض القضايا الأساسية (مثل الإجهاض)، تملق الحزب الجمهوري هذه الثقافة الفرعية، على الرغم من أن العديد من الإنجيليين يعتبرون أن لاهوت الازدهار هو هرطقة. ولذلك، يعمل ترامب كمبشّر إنجيلي كثير الظهور على شاشات التلفاز أكثر من كونه إنجيليًا.

وبالرغم من أن تيد كروز استخدم نفس قواعد اللعبة التي يمارسها اليميني الديني التقليدي للفوز في ولاية أيوا، إلّا أنَّ نجاحات ترامب اللاحقة في هزيمة كروز بين الإنجيليين – بما في ذلك عبر قطاعات واسعة في “الحزام الإنجيلي“، وهي مناطق تقع جنوب ووسط غرب الولايات المتحدة ، أثبتت أن العديد من الناخبين الجمهوريين، وحتى الكثير من الجمهوريين الإنجيليين، كانوا أكثر انخراطًا في الحروب الثقافية المتعلقة بالهجرة من انشغالهم بقضايا الإجهاض، وزواج المثليين. لقد أدرك ترامب أنّه بإمكانه توحيد أنصار الأصلانية/الأهلانية والمحاربين الثقافيين عن طريق استغلال خطبه اللاذعة ضد الصوابيّة السياسية كمصطلح شامل لإذكاء مشاعر الاستياء المحافظة.

يحظى ترامب بالتأييد الإنجيلي من بعض الأسماء البارزة، ولا سيما من جيري فالويل الابن، ولكن لديه معارضين أقوياء داخل اليمين الديني أيضًا. ولذلك، من المرجح أن يبقى العديد من الإنجيليين الجمهوريين في منازلهم ويمتنعون عن التصويت، أو يصوّتوا لصالح الحزب الديمقراطي أو لطرف ثالث.

وهذا لا يعني أن الاتحاد بين الإنجيليين والحزب الجمهوري في أمريكا قد انتهى إلى الأبد. ولكن على الأقل في عام 2016، العديد من الشخصيات المؤثرة داخل اليمين الديني ليست مهتمة بالدخول في اتفاق انتحاري مع الحزب الجمهوري.