‘إدوارد لوكاس و آن أبلبوم يكتب: مخاطر التضليل الإعلامي الروسي’

12 أيار (مايو - ماي)، 2016
5 minutes

 إدوارد لوكاس و آن أبلبوم

قبل خمس عشرة سنة بدت فكرة تحوّل التضليل الإعلامي الأجنبي إلى مشكلة بالنسبة إلى الدول الأوروبية سخيفة، فقد ضاهى نجاح الإعلام الحر نجاح السوق الحرة، وتمتعت الصحف والمحطات التلفزيونية الغربية بتمويل كبير وجمهور واسع، لكن النموذج التجاري الذي دعم سابقاً وسائل الإعلام في القارة، وخصوصاً في الغرب، ما عاد ناجحاً، فتفتقر الصحافة الغربية راهناً إلى الموارد، وقد صعّب انتشار المعلومات على الناس الحكم على دقة ما يشاهدونه ويقرؤونه. في الوقت عينه، بدأت أنظمة الحكم المستبدة، وفي طليعتها روسيا وتليها الصين، الاستثمار بقوة في إنتاج البدائل، فبما أن وسائل الإعلام الوطنية ضعيفة عموماً، سهل على قنوات مثل RT (روسيا اليوم سابقاً) وSputnik، بناء مصداقيتها في الأسواق الأوروبية الصغيرة، ولكن حتى في الدول الكبيرة، بدأ استغلال روسيا وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن مجموعة واسعة من الوسائط على شبكة الإنترنت (مثل مواقع “الأخبار” الإلكترونية، وبوابات المعلومات، والمتصيدين)، يترك بصمة واضحة. لا تسعى روسيا إلى الترويج لنفسها، بل إلى تقويض مؤسسات الغرب، معتمدةً غالباً على رسائل تزرع الشقاق، فتنشر RT قصصاً مخيفة عن المهاجرين، وتصوّر أيضاً الغرب كمجتمع متعصب عرقياً يكره الغرباء، أما المواقع الإلكترونية التي تحظى بالدعم الروسي، فتروّج لنظريات المؤمرات (كانت اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر من تخطيط الولايات المتحدة، وفيروس زيكا من ابتكار وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية)، وتسخر من الصحافة الاستقصائية الغربية الممتازة التي تكشف الروابط بين السياسة، والتجارة، والجريمة المنظمة، والاستخبارات في روسيا.
لا شك أن هذه الرسائل، التي تلتقطها الأحزاب السياسية اليسارية واليمينية المتطرفة في مختلف أرجاء أوروبا، تتلاءم مع أهداف سياسة الكرملين الخارجية، ويُعتبر الاتحاد الأوروبي من أبرز ما تستهدفه روسيا، ولا عجب في ذلك، فقد أدى الاتحاد الأوروبي دوراً مهماً في إنهاء اعتماد القارة على الغاز الروسي، مفككاً نموذج تصدير الغاز الروسي الفاسد والانتهازي في أوروبا الشرقية، أما حلف شمال الأطلسي، الذي أدرك متأخراً حقيقة الخطر الروسي الذي يهدد أعضاءه، فيُصوَّر دوماً كمعتدٍ. لكن بعض الدول بدأت تدرك هذا الواقع، وخصوصاً تلك المستهدَفة بقوة، فقد سبقت غزوَ أوكرانيا، واحتلالها، وتقسيمها عام 2014 موجةٌ دعائية فاعلة وواسعة نشرت التشويش في المناطق الناطقة بالروسية ومنعت الأوكرانيين والغربيين على حد سواء من رؤية ما كان يحدث حقاً، كرد فعل بدأت منظمات أوكرانية، مثل StopFake، بفضح الدعاية الروسية والاستهزاء بها، كذلك أُطلق مشروع كبير هدفه تعليم الناس كيفية استخدام وسائل الإعلام بذكاء. وتشهد أوكرانيا أيضاً مناظرة حول الدور الذي تستطيع شبكات البث العامة تأديته في إعادة بناء مصادر المعلومات العالية المصداقية.
علاوة على ذلك شهدنا محاولات أوسع لمعالجة هذه المشكلة. على سبيل المثال قام الصندوق الأوروبي للديمقراطية (نظير أصغر حجماً بكثير للصندوق الوطني للديمقراطية) بتحليل شامل لوسائل الإعلام الناطقة بالروسية، ومداها، وتأثيرها. على نحو مماثل تجمع هيئة العمل الخارجي الأوروبية، التي تُعنى بالسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، نشرات إخبارية مضلِّلة، متتبعةً نشاطات الكرملين في اختلاق القصص والأخبار، كذلك أسست دول حلف شمال الأطلسي مركزاً صغيراً مقره في لاتفيا هدفه أيضاً الرد على التضليل الروسي.
لكن الولايات المتحدة أخفقت حتى اليوم في الاستثمار بجدية في فهم هذه المشكلة والتصدي لها، فلا تملك واشنطن نظيراً عصرياً لوكالة المعلومات الأميركية، وهي منظمة سعت للتصدي للدعاية والتضليل السوفياتيين خلال الحرب الباردة. صحيح أن مبالغ أكبر خُصصت لشبكات البث الأجنبية المدعومة من الولايات المتحدة، مثل إذاعة أوروبا الحرة، إلا أنها غير كافية لتقديم رد كامل وشامل.
بما أن السوق الإعلامية الأميركية واسعة جداً، فلا نملك فهماً كبيراً لطريقة عمل حملات التضليل فيها، فمن الواضح أننا نفتقر إلى قاعدة بيانات تحليلية عامة تتناول ما تقوله روسيا، متى، وأين، فلا تحتفظ أي مؤسسة ولا حتى المجتمع الاستخباراتي الغربي، بأي نسخ ووثائق في هذا الشأن، كذلك لا نعلم أي عناصر من الرسالة الروسية فاعلة، مَن يصدقها، ولماذا، ولكن من الضروري أن يتبدّل هذا الوضع قريباً لأن دولاً أخرى، وخصوصاً الصين، بدأت تعتمد التقنيات ذاتها. قبل 15 سنة بدا الإعلام الحر أمراً مسلماً به، ولكن بعد 15 سنة من اليوم، قد نجد أنفسنا في موقف مماثل لما واجهته أوكرانيا قبل سنتين، فنتحول إلى هدف لحملات تضليل لسنا مستعدين لها.

المصدر: الجريدة

إدوارد لوكاس و آن أبلبوم يكتب: مخاطر التضليل الإعلامي الروسي على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –

أخبار سوريا ميكرو سيريا