الجيش التركي واختبار العلمانيّة

12 مايو، 2016

المونيتور –

مدارس إمام-خطيب في تركيا هي مدارس مهنية تسعى إلى تثقيف الأئمة والدعاة العاملين بالدولة. توفر هذه المدارس مناهج المدارس الثانوية التقليدية لخريجي المدرسة الابتدائية بالإضافة إلى الدورات المهنية ذات الصلة بالدين الإسلامي. وتعمل حكومة حزب العدالة والتنمية جاهدة على زيادة عدد هذه المدارس. على مدى السنوات الثلاثة عشر الماضية، ارتفع عدد هذه المدارس من 450 مدرسة في عام 2003 إلى 940 مدرسة هذا العام، وارتفع عدد الطلاب من 70 ألف طالب إلى أكثر من 500 ألف طالب في نفس الفترة.

حظيت أنشطة مدارس إمام-خطيب بتغطية واسعة النطاق في الآونة الأخيرة. وقد وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو خريج مدارس إمام-خطيب جنبًا إلى جنب مع أولاده، هذه المدارس بأنها “أمل تركيا والأمة الإسلامية بأسرها.”

يمكن لخريجي مدارس إمام-خطيب الذهاب إلى أي جامعة أو يصبحوا ضابط شرطة، أطباء، محامين، ومهندسين أو بيروقراطيين. ولكن هناك وظيفة واحدة خارج حدود هؤلاء الطلاب: الجيش. تنص لوائح التدريب العسكري على أنّه لا يُسمح لخريجي مدارس إمام-خطيب بالانخراط في الأكاديميات العسكرية للتدريب كضباط وضباط صفّ.

في الواقع، فإنَّ الأكاديميات العسكرية التي تقوم بتدريب الضباط للانضمام للقوات المسلّحة التركية لا تقبل خريجي مدارس إمام-خطيب، أو خريجي المدارس الفنية أو الطبية. ومع ذلك، أطلقت وسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية حملة مكثّفة لدعم التحاق خريجي مدارس إمام-خطيب بالمدارس المهنية التي تدرب ضباط الصفّ.

وفقًا للخبراء الموالين لحزب العدالة والتنمية، فإنَّ الحظر الحالي غير قانوني ويعود إلى العصر العسكري، ويعتقد الكثير من الأتراك أنّه لا بُد من إنهاء هذه السياسة التمييزية.

وقد وقع الحادث الأخير لهذا التمييز قبل نحو شهر، عندما لم يُسمح لخريجي مدارس إمام-خطيب الذين اجتازوا اختبارات القبول الأوليّة في المدارس العسكرية من خوض اختبارات الصحة واللياقة البدنية.

وقال أحد الطلاب لصحيفة “يني أكيت” الموالية لحزب العدالة والتنمية إنّه لم يسُمح له بخوض الامتحانات المتقدمة.  وأضاف: “لأنني خريج مدارس إمام-خطيب لا أستطيع تحقيق حلمي في أن أصبح ضابط صفّ. لم يسمحوا لي أن أدخل الامتحانات المتقدمة على الرغم من أنني اجتزت الاختبارات التحريرية، وإذا لن يسمحوا لي بدخول الامتحانات النهائية، لماذا سمحوا لي أن أخوض الاختبارات التحريرية؟ يمكن لخريجي مدارس إمام-خطيب أن يصبحوا رؤساء للجمهورية وليس ضباط صفّ بالقوات المسلّحة التركية. نحن نريد وضع حدّ لهذا التمييز العلمانيّ.”

وقال أجاويد أوكسوز، رئيس مؤسسة خريجي مدارس إمام-خطيب في تركيا، لصحيفة المونيتور “: عدم السماح بانضمام خريجي مدارس إمام-خطيب للمدارس العسكرية هو إرث قبيح من حقبة ماضية. انضمام أبنائنا من مدارس إمام-خطيب إلى المدارس العسكرية سوف يعزز جيشنا. وبما أن طلاب المدارس الأخرى هم من أبناء هذه الأمة، كذلك طلاب مدارس إمام-خطيب؛ فآبائهم أعضاء محترمين في هذا البلد. كما أنَّ خريجي مدارس إمام-خطيب يمكن أن يكونوا قضاة ونواب ومحامين ورؤساء وزراء وحتى رؤساء، ينبغي أيضًا أن يكونوا قادرين على خدمة كضباط، وجنرالات.”

ولكن القيادات العليا في القوات المسلّحة التركية لا تزال تحافظ على معارضتها القوية لقبول خريجي مدارس إمام-خطيب. في عام 2012، عندما نشرت صحيفة “فاتان” مقالة تحت عنوان “ضباط مدارس إمام-خطيب قادمون”، أصدر قائد القوات المسلّحة التركية بيان استنكار في غضون دقائق. السبب في هذا الموقف المتعنت هو القلق من أن قبول خريجي مدارس إمام-خطيب في المدارس العسكرية سوف يعتبر ضربة كبيرة للاعتقاد السائد بأن الجيش هو المدافع الأول عن العلمانيّة في تركيا، فضلًا عن تمهيد الطريق لنشر الدين بين صفوف القوات المسلّحة التركية.

من ناحية أخرى، خففت القوات المسلّحة التركية موقفها الحازم بشأن الحجاب وقبلت النساء اللاتي يرتدينّ الحجاب لدخول المؤسسات العسكرية الآن.

والسؤال المطروح الآن هو: لماذا لا ترفع القوات المسلّحة التركية الحظر الذي تفرضه على التحاق خريجي مدارس إمام-خطيب بالجيش، على الأقل لضباط الصفّ؟ يبدو أن وسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية تتابع هذا الموقف الذي في النهاية يمكن أن يضع المزيد من الضغط السياسي على القوات المسلّحة التركية.

إلى متى يمكن أن تحافظ القوات المسلّحة التركية على مكانتها في الدفاع عن العلمانيّة؟ يكمن الجواب في تركيز تركيا على القضايا الأمنية الراهنة المتصلة بالأزمة السورية والاشتباكات المتزايدة مع حزب العمّال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية والمفاهيم العامة للعلاقات الوثيقة بين القوات المسلّحة التركية وأردوغان وبيروقراطية حزب العدالة والتنمية بشكل عام. هناك أشخاص يخشون من أنَّ السماح لخريجي مدارس إمام-خطيب بدخول المدارس العسكرية قد يجبر القوات المسلّحة التركية على الاختيار بين هذا التعاون الوثيق وبين العلمانيّة.

سؤال ما إذا كانت القيادة العليا للقوات المسلّحة التركية ما زالت مستمرة في التعامل مع مبادئ العلمانية باعتبارها قواعد حيوية أو ما إذا كان سيتم تخفيف القيود المفروضة على التحاق طلاب مدارس إمام-خطيب بالمدارس المهنية التي تدرب ضباط الصفّ من أجل الحفاظ على علاقات جيدة مع الحكومة قد يبدو وكأنه سؤال فنيّ. ولكن في تركيا فهو سؤال يتعلق بمستقبل البلاد. في ظلّ استمرار الحظر، بالنسبة للكثيرين هذا يعكس الحساسية المستمرة للقوات المسلّحة التركية تجاه قضايا العلمانية. فإنَّ إلغاء الحظر يعني تآكل هذه الحساسية.

ولذلك، سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف ستتجاوز قيادة القوات المسلّحة التركية هذه المسألة المعقدة.