الوجه المتغيّر للمشاركة السياسية للمرأة في الشرق الأوسط


واشنطن بوست –

الحواجز التي تحول دون المشاركة السياسية للمرأة في الشرق الأوسط شغلت تفكير الباحثين والمحللين لفترة طويلة. عطّلت الانتفاضات العربية في أوائل عام 2011 كل أبعاد السياسة والمجتمعات العربية، مما أدى إلى إعادة تقييم منهجي للعديد من نظريات العلوم السياسية والافتراضات القديمة، ومكانة المرأة في السياسة والمجال العام لم يكن استثناءً.

وقد سمحت التجارب المتباينة للثورات العربية وما أعقبها لعلماء السياسة بإلقاء نظرة جديدة على كثير من هذه الأسئلة الهامّة. وقد حفّزت المصادر الجديدة للبيانات والمجموعة متنوعة من الحالات مجتمع الباحثين للتركيز على المشاركة السياسية العامة للمرأة. جلبت ورشة عمل تابعة لمشروع العلوم السياسية في الشرق الأوسط مجموعة متعددة التخصصات من أكثر من عشرة باحثين لإجراء فحص دقيق لهذه المسألة.

كانت مشاركة النساء واضحة للغاية في الانتفاضات العربية عام 2011، من المتظاهرات في الخطوط الأمامية بميدان التحرير إلى توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، وجه الثورة في اليمن. مشاركة المرأة في تلك الاحتجاجات، كما لاحظت شيرين حافظ، أصبحت نقطة خلاف رئيسية، مع اشتباك سرديات التحرر مع تجارب التحرش الجنسي الجماعي والممارسة الجندريّة لعنف الدولة في شكل “كشوف العذرية“.

لقد شكّلت التحوّلات التي تلت الانتفاضات العربية تحديات هائلة للنساء. النجاحات الانتخابية الأوليّة للأحزاب الإسلامية في مصر وتونس دفعت الكثير من الناشطات النسويّات والمنابر الإعلامية الليبرالية والغربية للتعبير عن قلقهم من أنَّ الحكومات الجديدة سوف تقلّل من حقوق المرأة وتحدّ من الحريات السياسية. هذه المخاوف، كما توثقها إلين ماكلارني، تصاعدت مع المفاوضات المثيرة للجدل حول صياغة دساتير جديدة.

خاف العديد من المدافعين أن القوانين الأخرى التي تحمي حقوق المرأة، ولا سيما داخل الأسرة، قد تتغيّر أيضًا. الأنظمة الاستبدادية تدعم مبادرات معينة تعمل – على الأقل ظاهريًا – على تحسين حقوق المرأة. في مصر، كما تلاحظ ميرفت حاتم، شكّلت السيدة الأولى السابقة سوزان مبارك المجلس القومي للمرأة في عام 2000 الذي ساعد في تمرير العديد من القوانين وزيادة حقوق المرأة والفتيات في العقد التالي. تونس في عهد الرئيس زين العابدين بن علي كانت بمثابة منارة لتمكين المرأة على النمط الغربي في المنطقة، حيث ركز النظام الاهتمام الدولي على التشريعات المتعلقة بحقوق المرأة، بعيدًا عن قمعها الممنهج، الذي، كما توثّق هند أحمد زكي، شمل الاعتداء الجنسي على الناشطات على نطاق واسع.

لذا شعرت ناشطات حقوق المرأة بالقلق من أن التمكين الديمقراطي للإسلاميين المحافظين سيأتي على حساب تقدّمهنّ الذي تحقق بشق الأنفس. وشعر العديد بالقلق من أن الدستور الجديد الذي تشكّل تحت قيادة الرئيس السابق محمد مرسي في عام 2012 سينهي بعض هذه التطورات. لم يتأكدوا، كما تصف إلين ماكلارني، من أنَّ العديد من الأقسام المتنازع عليها التي تصف دور المرأة في الأسرة والمجتمع كانت نتاج الدساتير “العلمانية” في الحقبة الناصرية، وأنَّ لها جذور في إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

لم يكن هذا التسييس لحقوق المرأة شيئًا جديدًا، بطبيعة الحال. ترى شيرين حافظ أنَّ الأنظمة الاستبدادية والحكومات الإسلامية المنتخبة ديمقراطيًا كلاهما يتلاعب بلغة حقوق المرأة ويستغل أجساد النساء لتبرير وتعزيز أهدافهم السياسية.

لكن فاعلية المرأة، مثل غالبية الأشكال الأخرى من الحشد السياسي في أعقاب انتفاضات عام 2011، لا يمكن احتوائها وتخصيصها بسهولة كما كانت من قبل. رفعت الناشطة السياسية سميرة إبراهيم دعوى قضائية ضد المؤسسة العسكرية للاعتداء الجنسي في “كشوف العذرية”، وعلى الرغم من تجاهل القيادة العسكرية المصرية ووصفها بأنها “ليست مثل ابنتك أو بناتنا،” إلّا أنها نجحت في نهاية المطاف في إلغاء هذه الممارسة.

وعلى الرغم من التراجع السلطويّ الإقليمي في ظلّ استعادة بعض من النخبة الحاكمة السابقة السلطة، فإنَّ التنظيم الاجتماعي للمرأة والتعبئة السياسية لهما تأثير كبير في المنطقة. توضح فيكي لانجور كيف بدأت أشكال جديدة من الفاعلية والتوسّع على نطاق واسع لوسائل الإعلام في تغيير الخطاب العام حول العنف الجنسي في مصر. تصف هند أحمد زكي هيئة الحقيقة والكرامة في تونس التي أعطت النساء فرصة لسرد قصصهم عن العنف الجنسي التي مارسته الدولة في ظلّ نظام بن علي – وإن لم يفوزوا حتى الآن في الدعاوي القضائية ضد المعتدين عليهنّ.

وقد أبرزت كتابات العلوم السياسية حول التحديات التي تواجه مشاركة المرأة في الحياة السياسية بعض المتغيّرات مثل الحركات الإسلامية، وخطابات القومية والمواطنة، وأنماط تنمية الدولة والمعايير الثقافية للنظام الأبويّ. ولكن هذه المناقشات الواسعة فشلت في كثير من الأحيان بسبب التباين في تجارب المرأة، ليس فقط بين الدول المختلفة، ولكن أيضًا على المستوى المحلي. وقد استفاد الباحثون في ورشة عمل مشروع العلوم السياسية في الشرق الأوسط من المصادر الجديدة للبيانات والمنظمات الجديدة والحملات والمتغيرات لتسليط الضوء على تنوع تجارب النساء في جميع أنحاء المنطقة.

تشير ليندسي بينستيد، على سبيل المثال، إلى أنَّ البلدان التي لديها نسبة متطابقة وعالية نسبيًا من النساء في قوة العمل الرسمية (مثل اليمن وليبيا وتونس والمغرب) يكون لديها قوانين أحوال شخصية تتراوح بين الأكثر تقدميّة إلى الأشد محافظة في المنطقة.

ومع اختلاف الأداء على مؤشرات المساواة بين الجنسين بشكل كبير حتى داخل البلد الواحد، فإنَّ الإشارة إلى حُجج غير متمايزة عن النظام الأبويّ كمتغيّر تفسيريّ دون اعتبار اختلافات الطبقة أو الامتياز أو العِرق هو معيار محدود القيمة. وبالمثل، في دراسة سكوت واينر عن النظام الأبوي والعلاقات القبلية في الكويت وسلطنة عمان وجد أنّه في حين أنَّ علاقات القرابة بارزة سياسيًا في الكويت، وربما سهّلت المستويات المنخفضة من التمثيل النسائي في البرلمان، إلّا أنها كانت الأعلى مرتبة بين الدول العربية في التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2014.

في المقابل، المغرب لديها واحد من قوانين الأحوال الشخصية الأكثر تقدمًا في المنطقة، وتمتلك واحدة من أكبر النسب المئوية للنساء في البرلمان، ولكن الفجوة بين محو الأمية بين الذكور والإناث في المغرب تأتي في المرتبة الثانية بعد اليمن من بين 20 دولة عربية. دراسة زكية سليم للمرأة الريفية المعروفة باسم “السلاليات” اللاتي يقاتلنّ من أجل الحصول على الأراضي القبلية في المغرب توضح لنا كيف تعمل روابط محددة في المجتمعات القبلية بين خضوع المرأة في الأسرة والمجال العام في البلاد مع وجود اختلافات واسعة في الأداء حول مؤشرات نموذجية للنظام الأبويّ.

هذا النقص في التطابق بين المؤشرات المختلفة للتمييز دفع بينستيد للإشارة إلى أنّه بدلًا من استخدام النظام الأبويّ كمصطلح شامل، سيكون من الأفضل أن يتعلم علماء السياسة من النظرية النسويّة، وخاصة مفهوم دينيز كانديوتي “الصفقة الأبويّة.” في مثل هذه الصفقة، يعتمد وضع المرأة عبر مجموعة متنوعة من المجالات على نتائج المفاوضات مع الرجال، وبالتالي، في المجتمع نفسه، يمكن أن تختلف النتائج على مؤشرات مختلفة من التمييز على نطاق واسع.

وفي حين أن هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لتحديد مدى تأثير مؤشرات التمييز السياسي، هناك إجماع حول كيفية تحسين التمثيل السياسي للمرأة. وقد أثبتت العديد من الأبحاث عبر الوطنية، مثل أبحاث آيلي ماري تريب وأليس كانغ، فعّالية نظام الكوتا النسائية. لا يقتصر دور الكوتا/ الحصص على زيادة التمثيل السياسي، ولكن، كما تجادل بينستيد، فإنها أيضًا تحسّن وصول المواطنات إلى الموارد الحكومية. وعلى الرغم من البعض يجادل بأن الضغوط الغربية لمثل هذه الحصص من شأنها أن تقوّض آفاقها، وجدت سارة بوش وأماني جمال أدلة كافية تبرر مثل هذا التأثير وفق تصوّرات شعبية.

وبالرغم من أنَّ المتشائمين قد يفترضون أن النساء في البرلمانات العربية ليسوا سوى شكل من أشكال التمثيل الزائف، تلاحظ مروة شلبي أنّه في حين تشكّل النساء 17 بالمئة من البرلمان المغربي، إلّا أنَّ النساء طرحت 58 بالمئة من إجمالي الأسئلة أثناء جلسات البرلمان. ومع ذلك، ركّزت النائبات في الأردن والكويت والمغرب مع القليل من الاهتمام على القضايا المتصلة بحقوق المرأة والطفل، وأعطت الأولوية لقضايا مثل الاقتصاد والتعليم. ونظرًا للقيود الكبيرة على حقوق المرأة داخل الأسرة، وخاصة في الأردن والكويت، كيف نفسّر عدم انتباه النائبات لهذه المسألة؟

ربما النائبات، مثل زملائهنّ الرجال، قررنّ استخدام مناصبهم للعمل في المجالات التي يمكنها من خلالها توفير الخدمات لناخبيهم.  توضح منى تجالي كيف خلقت الأحزاب الإسلامية في إيران وتركيا مساحة للنساء اللاتي ربما لا يتفاعلنّ سياسيًا، للوصول إلى المناصب السياسية. في إيران، الشبكات السياسية التي وضعتها النساء أثناء الحركة الخضراء عام 2009 ساهمت في نجاحهم الانتخابي في الانتخابات البرلمانية عام 2016. وهناك الآن عدد من النساء أكبر من رجال الدين في البرلمان الإيراني، وسيكون من المثير للاهتمام تتبع كيفية مقارنة أجندات هؤلاء النائبات “مع نظرائهم العرب.

ترتبط حقوق المرأة والتطلعات السياسية ارتباطًا وثيقًا بالصراعات السياسية الأخرى التي شكلها السياق المحلي أكثر من الأنماط الثقافية الثابتة. يشير البحث الذي نشره مشروع العلوم السياسية في الشرق الأوسط إلى حيوية الجهود العلمية الجديدة لدراسة الآفاق السياسية المتغيّرة للمرأة في الشرق الأوسط.