عنزة غاندي

12 أيار (مايو - ماي)، 2016

4 minutes

21 نوفمبر 2015 | فادي عزام

كان المهاتما غاندي يعيش كالفقير وليس فقيراً، لذلك انتبه إليه العالم، كان غاندي يصوم مهدداً بالموت جوعاً، بالمقابل يموت كل يوم مئات الناس من الجوع لكن العالم لا يهتم لإنقاذهم.

إحدى مساعدات غاندي التي دخلت التاريخ لأنها فقط كانت تساعده، واسمها “نايدوا” قالت: إن حزبه ومساعديه يصرفون مبالغاً طائلة كي يبدو دائماً غاندي بمظهر الفقير.

غاندي سياسي عرف الطريق للسياسية بشكل الفقر لا بالفقر نفسه، كان هذا الاستعراض، مهماً له كي يوصل أفكاره ويبقى زعيماً في الهند التي لا يمكن أن يتزعهما أحد، بلد فيه ما يزيد عن 30 ألف دين كيف يمكن أن تكون زعيماً للجميع.

كان غاندي يعتاش على حليب عنزته، ولكن قلة فقط يعرفون أنّ عنزته كانت تحمّم مرتين في اليوم بصابون “لوكس”، والبرنامج الغذائي للعنزة سيحسدها عليه نصف سكان العالم.

كانت العنزة تشرب حليب الأبقار، غير مسموح لها بالرعي، يطعمونها الفواكة الطازجة الغنية بالفيتامينات والعصير.

يفحصها طبيب كل أسبوع، في تلك الأيام كانت تكلفة إطعام وطبابة والاعتناء بالعنزة وتنظيفها والبحث عن التيس المناسب لها كل ستة أشهر لتبقى تدر حليباً، يشربه المهاتما. كانت تكلفة العنزة اليومية تكفي لإطعام عشر أسر فقيرة في الهند لمدة شهر.

كان غاندي يسافر في القطارات بمقطورات الدرجة الثالثة، نعم هذا صحيح تماماً والكل يحاول أن يتذكر وهو يصعد إلى القطار فسقطت فردة حذائه فما كان منه إلا أن قلع الأخرى ورماها بسرعة حتى تكون بجانب أختها قائلاً: سيكون من الجيد إن وجدها أحدهم أن يستفيد من الحذاء فردة واحدة ستكون لقيا حزينة للفقير بلا حذاء.

ولكن لا أحد يريد أن يتكلم أن المقطورة التي تتسع لمائة مسافر تحجز له لوحده أو مع بعض مساعديه، يعني لوحده يصادر ثمن مائة تذكرة للفقراء.

كان غاندي يتزيا بزي الفقراء في ملبسه ولكنه في الحقيقة كان يلبس زياً دينياً يشبه زي الفقراء المتدينين. كي يسيطر عليهم أكثر.

كان يدرك أنه بالتدين أولاً لا بالسياسية يمكن أن يترك الانطباع المطلوب لدى الهنود، كان يصلي صباحاً ومساءً بحضور حشد كبير من الصحفيين، ويتقن إلقام شراهة فضولهم لصناعة الأسطورة.

السياسي يمكن له التظاهر بالتدين، إنها بضاعة لا تكسد. فمستقبل السياسي متوقف على عدد الأتباع. وكذلك شيوخ التدين اليوم وبشار الأسد وشيوخ التويتر وهم يشترون المتابعين، وكذلك تفعل نجمات الغناء والتمثيل من عديمي الموهبة. لعبة الأعداد ما تزال ناجعة.

غاندي كان سياسياً نعم، كان أخلاقياً ربما، كان متديناً ربما، ولكن الحقيقة تقول كل سياسي مشرّب كإسفنجة بالنفاق.

لذلك معظم من أراد أن يلعب دوراً أخلاقياً وسياسياً بنفس الوقت انتهى نهاية مفجعة تليق بملفق انتهى مقتولاً واغتيالاً. حقيقة يجب أن نفهمها دائماً لا يمكن التوفيق بين السياسي والديني والأخلاقي، إنه فقط تلفيق.

جون كندي، كمال جنبلاط، وغاندي، مالكوم أكس، مارتن لوثر كنغ… وغيرهم، كلهم حاولوا أن يدخلوا الأخلاق على السياسية فأدخلت بهم السياسة رصاصتها الحاسمة.