لماذا أعدمت بنجلاديش قادة الجماعة الاسلامية بتهم مضي عليها 45 عاما؟

12 مايو، 2016

محمد جمال –

دفع شموخ أمير الجماعة الاسلامية في بنجلاديش، ويقينه أنه على طريق الحق، الشيخ “مطيع الرحمن نظامي” لرفض طلب العفو من رئيس الدولة، فتم إعدامه ليلحق بثلاثة أخرين من قادة الجماعة أعدمهم الحكم الشيوعي هناك.

وأعدم نظامي بعد نفيه جميع التهم الموجهة إليه، ورفضه الاعتراف بأي منها، والتقدم بطلب للعفو الرئاسي، ليكون بذلك، خامس قيادي في الجماعة الإسلامية ينفذ فيه الإعدام، في الأعوام الأخيرة.

إذ أن “نظامي” (73 عاماً) هو خامس مسؤول من المعارضة وأبرزهم يُعدم منذ إقامة (المحكمة الدولية لجرائم بنغلاديش)، المثيرة للجدل في 2010.

وفي رده على حكم إعدامه، دافع نظامي عن نفسه، قائلا وقتذاك إن “التهم الموجهة إلى مستوحاة من عالم الخيال، وهي أكذوبة التاريخ، حيث لا توجد أدنى علاقة لي بأي من التهم الموجهة إلي”.

كل جريمة الذين تم اعدامهم، أنهم رفضوا فصل بنجلاديش عن باكستان عقب تفتيت شبه القارة الهندية عام 1971، اي أنهم دعاة وحدة وليسوا دعاة انفصال، ومع هذا حاكمتهم الحكومة اليسارية بتهم بالية قديمة هدفها التخلص منهم مخصوم سياسيين.

فحزب الجماعة الاسلامية يعد أكبر الاحزاب السياسية في بنجلاديش، والشيخ نظامي كان برلمانيا ووزيرا، ولكن الحكومة ذات التوجه اليسارية تناصبه العداء وترفض في التخلص منه، وإخلاء الطريق، فسعت للصدام معه، وتلفيق اتهامات لزعيمه مضى عليها أكثر من 33 عاما، و45 عاما منذ بدء الانفصال.

وظهرت الرغبة الانتقامية من الشيخ حتى في جنازته، حيث تصادمت قوات الامن مع المعزين وأطلقت الرصاص ووضعت متفجرات في طريقهم، ومع هذا أصدر الأمين العام للجماعة الإسلامية بالنيابة الدكتور شفيق الرحمن أمس الأربعاء 11 مايو 2016 بيانا ثمن فيه مشاركة “الوف مؤلفة من المواطنين” في مراسم تشييع الشهيد مطيع الرحمن نظامي.

وكان إعدام 3 مسؤولين كبار في الجماعة الإسلامية تسبب بمواجهات عنيفة عام 2013 بين المناصرين الإسلاميين للحزب والشرطة، ما أسفر عن مقتل 500 شخص، لكن هذه المرة قامت السلطة بموجة اعتقالات قبل التنفيذ، بخلاف عشرات الآلاف من مناصري الحزب في السجون.

قتل بطريقة مخططه

ووجّهت الجماعة الإسلامية نداءً إلى إضراب عام غدا الخميس احتجاجاً على إعدام زعيمها.

وقال الأمين العام للجماعة الإسلامية في بيانه للشعب البنغلاديشي أن مطيع الرحمن نظامي قتلته الحكومة بطريقة مخططة لها مسبقا، حيث وجهت له تهم ملفقة ومفبركة ضده وأدانته في تلك التهم عبر الدفع بشهود ادعاء مزورين في المحكمة، لافتا إلى أن مشاركة الملايين من المواطنين في الداخل والخارج في صلاة الجنازة والغائب على الشهيد مطيع الرحمن نظامي يثبت أن محبة الشيخ الشهيد لا زالت في قلوب المواطنين، فهو كالراحل الحاضر في قلوبهم.

وأعلن وزير العدل في بنجلاديش أنيس الحق أن السلطات أعدمت، الثلاثاء، مطيع الرحمن نظامي زعيم الجماعة الإسلامية أكبر حزب إسلامي في البلاد بعدما أدين بارتكاب جرائم حرب بعد أيام من خسارته آخر استئناف لتغيير الحكم.

تاريخ الجماعة الاسلامية

وتعد الجماعة الإسلامية في بنجلاديش من أكبر الأحزاب السياسية الدينية معارضة وعلنية في البلاد، حيث تأسست في البداية في باكستان الكبرى “باكستان وبنجلاديش” قبل استقلال الأخيرة، كما أنها ثامن جماعة مشهورة ظهرت في العالم الإسلامي في العصر الحديث.

ويعود تأسيسها لـ 16 أغسطس سنة 1941، حين أجتمع 75 باكستاني في لاهور من مختلف أنحاء البلاد بقيادة أبي الأعلى المودودي، وأسسوا الجماعة الإسلامية، وانتخبوا المودودي أميرًا لها، وفي العام 1943 نقلت الجماعة الإسلامية مركزَها الرئيسي من لاهور إلى دار السلام، وهي إحدى قرى مدينة بتهانكوت.

ومع إعلان قيام دولة باكستان في 28 أغسطس 1947م، انتقل المودودي مع زملائه إلى لاهور؛ حيث أسس مقر الجماعة الإسلامية بها.

وفي عام 1971 استقلت بنجلاديش عن باكستان عقب حرب استمرت شهورا بين الانفصاليين والحكومة والجيش الباكستاني، وكانت الجماعة الاسلامية من مؤيدي الوحدة وعدم انفصال بنجلاديش عن باكستان، ما أدي للبطش بها.

من هو أمير الجماعة الشهيد؟

ووُلد مطيع الرحمن نظامي، أمير الجماعة الإسلامية في بنجلاديش، عام 1943 في الهند، وتخرج في جامعة دكا ببلاده، وحصل على درجة الدكتوراه منها في مجال الاقتصاد.

وترشح للانتخابات البرلمانية في بلاده للمرة الأولى عام 1986، وأصبح أمينًا عامًا للجماعة الإسلامية ببنجلاديش في ديسمبر 1988، ثم فاز بعضوية البرلمان في 1991 وانتُخب بعدها رئيسًا للوفد البرلماني، وانضم إلى ما عُرف بـ “لجنة القضاء على المتعاونين والعملاء” في 1992.

وتم انتخاب “نظامي” كأمير للجماعة الإسلامية في 2000 وترأس الحزب التابع لها، الذي اتخذ موقفًا معارضًا من استقلال بنجلاديش، واستمر انتخابه لعضوية البرلمان عدة مرات منها مرة حصل فيها على أغلبية الأصوات في العام 2001، وعُيِّن فيه وزيرًا للزراعة في عهد رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء من 2001 حتى 2006.

لماذا أعدموه؟

اتهم خصوم أمير الجماعة الاسلامية السياسيون، الشيخ نظامي وزملاؤه بقيادة فرقة “البدر” التي كانت لجنة شعبية مسلحة، وكذلك قيادة جناح الطلبة في الجماعة الإسلامية، الذي عاون الجيش الباكستاني ضد المتمردين (الذين استقلوا ببنجلاديش)، إبان الحرب بين الهند وباكستان في 1971 والتي استمرت 6 أشهر، وأسفرت عن انفصال شرق باكستان وإعلان دولة بنجلاديش المستقلة.

وحبست الحكومة “نظامي” للمرة الأولى عام 2007 حين قدمت النيابة العامة البنغالية طلبًا للمحكمة في العشرين من ديسمبر بإجراء تحقيق جديد وموسع في قضية تعود إلى العام 2004 تتعلق بتهريب 10 شاحنات محملة بالأسلحة إلى “جبهة أصام للحرية”، التي تقوم بعمليات مسلحة في شرق الهند.

وبموجب الاتهامات الجديدة الملفقة، أُلقي القبض على نظامي في 2010 بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وظل محتجزًا حتى أدرجت النيابة اسمه في لائحة المتهمين بالقضية بعد تحقيقها الموسع في 26 يونيو 2011.

وفي يناير 2014، صدر حكم ضده بالإعدام أثناء وجوده في منصب وزير الصناعة، بتهمة ارتكاب جرائم حرب منها ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والقتل والتعذيب والاغتصاب وتدمير الممتلكات خلال حرب الاستقلال عن باكستان في العام 1971.

ورفضت المحكمة العليا في بنجلاديش، يوم الخميس الماضي، الطعن المقدم في حكم الإعدام الصادر بحق نظامي، فتم إعدامه سرا، ما ادي بأنصاره للقيام بمظاهرات كبيرة كتلك التي قاموا بها حين سبق ان اعدمت المحكمة رفاقه الثلاثة السابقين، واعتقلت عدد كبير من الجماعة تحسبا لهذه المظاهرات.

محاكمة سياسية باطلة

وتقول أحزاب المعارضة أن النظام الحاكم في بنجلاديش أعد تهما مسيسة لإعدام امير الجماعة الاسلامية، وأن الحكومة تستهدف المعارضين السياسيين لرئيسة الوزراء الحالية الشيخة حسينة، ووصفت الجماعة الإسلامية محاكمة “نظامي” وآخرين من أعضائها بأنها “مسرحية”.

وسبق وأعلنت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تضامنها معه وقالت: إن المحاكمة لا ترقى للمعايير الدولية، ووصفت منظمة “لا سلم بغير عدل” الحقوقية الإيطالية إجراءات المحكمة بأنها “سلاح انتقام سياسي هدفه الحقيقي استهداف المعارضة السياسية”.

ودافع نظامي من قبل عن نفسه مؤكدا أنه لا توجد أدنى علاقة له بالأسباب التي دعت إلى حدوث الإبادة الجماعية، نظرًا لأنه كان رئيسا للجبهة الطلابية لباكستان الموحدة حتى أواخر شهر سبتمبر من العام 1971، وبعدها لم تكن له أية أنشطة سياسية والتحق بمؤسسة للبحوث، ما ينفي التهمة السادسة عشرة عنه من “استخدام نفوذه كقائد فرقة للتخطيط لإعدام مفكرين”، كما نفى قيادته لفرقة البدر.

أيضا وصف الأمين العام “للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” الدكتور علي القره داغي القرار البنجلاديشي بإعدام “نظامي” بأنه “مسيس بكل ما تعنيه الكلمة من معاني”، وقال بأنه “تجاهل النداءات التي طالبتهم بإيقاف تنفيذ هذا القرار الجائر، والتي كان على رأسها نداء الاتحاد رئيساً وأميناً عاماً وأعضاءه”

وندد القره داغي بالصمت الدولي والعالمي تجاه القضايا العادلة وبخاصة عندما تتعلق بالإسلام والمسلمين، وحذر من أن غياب العدالة، وحقوق الإنسان، هو ما يفجر شرارة التشدد والتطرف والسبب الرئيسي عندئذ هو استبداد المستبدين وصمت العالم عليهم بل وتأييده لهم أحياناً.

مستقبل الجماعة الاسلامية

ويري مراقبون أن إعدام السلطات أمير الجماعة الاسلامية ومن قبل قادة اخرين يضعف الجماعة بشدة، وهذا هو ما سعت له محاكمات النظام للتخلص من خصم سياسي عنيد.

ويقول “مبشر حسن” الأستاذ في جامعة الفنون الحرة، أن إعدام نظامي قد يقضي على حزب الجماعة الإسلامية بشكل نهائي، لأن إعدام نظامي يعني القضاء بشكل كامل على قيادة الجماعة الإسلامية التي أعادت إطلاق عمل الحزب منذ فترة ما بعد حرب 1971″، مضيفاً “إنها ضربة قوية للحزب”.

لكن هذا الأستاذ الجامعي حذر أيضاً من أن القمع ضد الجماعة الإسلامية وهذا الإعدام قد يؤديان إلى تشدد أنصار الحزب، مشيرا لأن “الاستياء داخل الحزب قد يزداد ويؤدي إلى تشدد أكبر”.

ويأتي إعدام الزعيم الإسلامي فيما تشهد بنغلاديش فترة اضطرابات بعد سلسلة من عمليات قتل استهدفت نشطاء ليبراليين وعلمانيين ومن أقليات دينية على أيدي أشخاص يشتبه بأنهم إسلاميون متطرفون.

وتبنى تنظيم الدولة الإسلامية وفرع من تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية أعمال القتل هذه، لكن الحكومة تنفي وجود هذين التنظيمين في البلاد وتنسب الجرائم الى مجموعات إسلامية محلية.

ومنذ الشهر الماضي، قتل بالساطور طالب من أنصار العلمانية وناشطان من المدافعين عن حقوق المثليين وأستاذ ليبرالي وخياط هندوسي تردد أنه أدلى “بتعليقات ازدراء” حول النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وزعيم طريقة صوفية.

لذلك رحّب مدافعون عن العلمانية في بنغلاديش بإعدام الزعيم الإسلامي وتجمع مئات منهم أمام السجن وفي إحدى ساحات دكا ليلاً للاحتفال “بلحظة تاريخية”.