الجانب الأول: بالنسبة للأرز الذي أصابه الجنون مؤخرا وقفز فوق الـ 8 جنيهات للكيلو، نجد أن السبب من البداية هو الإهمال الغريب والغير مبرر أيضا حتى الآن، ففي الموسم الذي مر عليه نحو 4 شهور أنتجت مصر حوالي 3.75 ملايين طن من الأرز، بالإضافة إلى مخزون بلغ حجمه نحو 700 ألف طن فائض من العام السابق، فيما يستهلك المصريون نحو 3.3 ملايين طن، وبالتالي يصبح لدينا فائض حوالي 1.150 مليون طن.

ربما نجد هذه الأرقام سلسة وبسيطة وتشير إلى موسم جيد لا يوجد به مشاكل، ولكن وكالعادة أصرت الحكومة المصرية أن تضع البلاد في ورطة غير مبرره، فقد فتحت باب التصدير بشرط دفع ضريبة قيمتها 1000 جنيه على الطن، بالإضافة إلى ذلك قررت عدم تخزين القمح كما كانت تفعل جميع الحكومات السابقة، الأمر الذي وضع البلاد في فخ احتياج الأرز واللجوء إلى التجار والاستيراد لسد احتياجات التموين من الأرز، الأمر الذي صنع سوق احتقار وأشعل الأسعار.

الأمر نفسه تكرر مع القمح ولكن بصورة مختلفة حيث قررت الحكومة إغلاق الشون الترابية لمنع توريد أطنان من التراب مع القمح، ولكن كان هذا القرار قبل موسم الحصاد بوقت قصير ولم يكن هناك بديلا، الأمر الذي صنع أزمة خانقة في توريد القمح، بالإضافة إلى المماطلة العجيبة في تسلم القمح، وشرط الحيازة الزراعية وحضور الفلاح بنفسه للتسليم، وهو ما صنع تكدس للمزارعين، وجاء تدخل الحكومة غريب أيضا بقرار عودة الشون الترابية للعمل مرة أخرى.

الأزمة لم تتوقف عند هذا الحد فبحسب مصادر إعلامية محلية فإن وزارة الزراعة اتهمت وزارة التموين بصناعة الأزمة، حيث أنها استوردت من الخارج مليونا و200 ألف طن قمح، مع بداية موسم حصاد القمح، لتصنع أزمة كبيرة تتمثل في تخزينها للأقماح المستوردة بالشون، وترك الأقماح المحلية متكدسة بالشوارع.

وما يفاقم الأزمة أكثر هو أن الشون المتوفرة في مصر لا تسع سوى 4 ملايين طن قمح، وبعد الاستيراد واستلام ما يقرب من مليون و800 ألف من المزارعين حتى الآن، لا تحتاج الشون إلا لمليون طن فقط، بينما مازال لدى مزارعي القمح أكثر من 3 ملايين طن، بخلاف المحافظات التي لم تحصد أقماحها بعد.

وفيما يخص الحرائق التي باتت ظاهرة في مصر هذه الأيام، لا يتعدى سببها فشل الحكومة أيضا من البداية في السيطرة على المشكلة منذ نشأتها وترك الأمر يتفاقم ليصل إلى كارثة كما حدث في حريق العتبة، وهو ذلك الإهمال الذي دفع الأرز للجنون وسوء التخطيط الذي صنع أزمة  في القمح.

أما الجانب الثاني الذي يربط الأرز والقمح والحرائق فهو كما ذكرت إدارة الأزمة، فلن أكون مبالغا إذا قلت أن الحكومة المصرية تصنع مئات الأزمات عندما تفكر في إدارة أزمة ما، ففي الأرز تولدت عدد من الأزمات عندما حاولت الحكومة التدخل لحل الأزمة كان أبرزها سوق الاحتقار واشتعال الأسعار، وعندما حاولت حل أزمة القمح قررت إعادة أطنان التراب مرة أخرى، وكذلك في الوقت الذي بدأت فيه بإدارة أزمة الحرائق وجدنا الحرائق تشب في كل مكان من أرجاء المعمورة.

أذا الحكومة لا تستوعب مصطلح إدارة الأزمة أو ربما تفهمه بشكل عكسي، أو أنها مدركه لفكرة إدارة الأزمة ولكنها لا تريد ذلك في حال أسئنا الظن، ولكن على أي حال كان الفشل في إدارة هذه الأزمات أهم العوامل المشركة بينهم.

الجانب الثالث وهو الأثر والذي يكاد يكون متطابق في الثلاث أزمات، وهو أن الطبقة المعدومة في مصر هي التي دفعت وتواصل دفع فاتورة هذه الأزمات، فالأزر تجاوز الـ 8 جنيهات وهذا الرقم كبير جدا بالنسبة لفقراء مصر الذين يعتمدون على الأرز كطبق أساسي على السفرة المصرية، ولم يتضرر احد من أزمة القمح سوى المزارع المصري المطحون طوال العام وكان ينتظر جني ثمرة زرعه، ولكن كانت الثمرة مره ودفعت ببعض المزارعين لقرار عدم زراعة القمح مرة أخرى.

وكذلك الوضع بالنسبة للحرائق والذي يعتبر حريق العتبة نموذجا صارخا في الأثر الكارثي الذي تحمله المواطن البسيط، حيث فقد مئات الشباب مصادر دخلهم واحترقت رؤوس أموال صغار المستثمرين وشردت عشرات الأسر، وكل هؤلاء من نفس الطبقة التي لا يسمع لها صوت في هذا البلد.

خلاصة الأمر مازالت الإدارة الاقتصادية المصرية تبعد سنون ضوئية عن القدرة على حل الأزمات التي تواجه البلاد، والتي تنعكس بالسلب على أصحاب الدخل المعدوم، ومازالت الفجوة بين الحكومة المصرية والطبقة الفقيرة في اتساع، حيث أصبح المواطن المصري الفقير في ذيل اهتمامات الحكومة، وكأن مصريته هي كل ذنبه، وكل هذا لا يبنيء بشيء سوى بقاء المواطن المصري يدور في عجلة العمل دون جدوى، فلا تتحسن معيشته، ولا تحل أزماته، بل إنه قد يحرم من غذاءه قريبا إذا بقي الوضع كما هو عليه، واستمرت الحكومة المصرية في إلقاء عبء الفشل على كاهل المواطن المصري المكلوم.