انهيار الليرة السورية المتسارع ينذر النظام بثورة جديدة
14 أيار (مايو - ماي)، 2016
فقدت الليرة السورية أكثر من90 بالمئة من قيمتها حتى الآن، ودخلت الاثنين الماضي في واحدة من أسرع الوتائر النزولية منذ عام 2011. هذا السقوط الحر زرع فتيل الغضب هذه المرة داخل مناطق سيطرة النظام، خاصة في أوساط الطبقة الوسطى.
وعلى موقع “فيس بوك”، طالبت صفحة “دمشق الآن” الموالية للنظام حاكم المصرف المركزي أديب ميالة بالاستقالة، فيما يلوح في الأفق شبح “1000 ليرة مقابل الدولار” الذي بات يقض مضجع 2.7 مليون مواطن سوري ما زالوا يعتاشون على رواتب النظام التي لا تغني من جوع، وسط هول الغلاء.
وبينما رفع البنك المركزي التابع للنظام، سعر الصرف الرسمي للدولار الأميركي مقابل الليرة قبل بضعة أيام، إلى مستوى قياسي تاريخي عند 620 ليرة سورية ، بزيادة 20 بالمئة دفعة واحدة، ضخ المركزي ملايين الدولارات في السوق بهدف احتواء أزمة العملة.
وقبل خمس سنوات، كان الدولار يُتداول في سورية مقابل 47 ليرة فقط، ليزيد في سبتمبر/أيلول الماضي عن 300 ليرة، ذلك قبيل إعلان موسكو التدخل العسكري المباشر في سورية دعماً لنظام الأسد، الذي شهدت بعده العملة السورية موجة متسارعة أخرى من السقوط الحر، انتهت في “الاثنين الأسود” كما يلقبه السوريون، عند سقف أعلى هو 620 مقابل الدولار الواحد.
وفسر هذا النزول السريع بأنه نتاج ما خلفته مؤشرات أكثر قتامة كان البنك الدولي قد بثها حول الاحتياطيات النقدية الأجنبية المتبقية لدى النظام، حين قدرها بـ700 مليون دولار فقط. بعدما كانت تبلغ 20 ملياراً قبل خمس سنوات.
وقد بدد النظام جزءاً كبيراً منها على الآلة العسكرية من جيش وميليشيات لقمع وقتل الشعب الثائر، وسط توقعات أخرى بأن توقف الأزمة الاقتصادية التي يمر بها أكبر حليفين للنظام أي روسيا والصين المساعدات التي يضخانها لإنعاش النظام وإبقائه على قيد الحياة.
ويرى رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية، د. أسامة قاضي، أنه لم يعد هناك شيء اسمه “اقتصاد سوري” بالمعنى الإداري المركزي، حيث إن “حوالي ثلثي سورية بات خارج سيطرة وزارات النظام الذي لا يستطيع جبي الضرائب من تلك المناطق، ولا رسوم المعابر أو الرسوم الجمركية، والأمر ينسحب على إنتاج النفط وصوامع الحبوب والتجارة بين المحافظات، بمعنى أن النواحي والمناطق السورية تعيش بشكل جزر منعزلة لا علاقة للواحدة بالأخرى”.
وأوضح أن مصرف سورية المركزي “يحاول عبثاً ضخ نقد أجنبي ليغطي جزءاً يسيراً من الطلب الكبير الذي تصعب تغطيته، ويحاول أن يبث الأوكسجين في رئتي الليرة السورية التي انقطعت معظم سبل تقويتها، وجعلها قادرة على الصمود أمام التدهور الحاصل في الاقتصاد السوري إلى أن أضحى الانهيار الكارثي للاقتصاد واقعاً بدأ وقد لا يقف إلا بعد عدة سنوات من انتهاء هذا الكابوس”.
وقال رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية: “لقد عانى الاقتصاد السوري على مدى 5 عقود من مشاكل كبيرة، منها وقوع حوالي نصف الشعب السوري تحت خط الفقر، وانتشار الفساد لدرجة تسببت في تصنيف سورية في 2011 ضمن أسوأ 30 دولة في العالم من حيث الشفافية، كما أن السياسة الاقتصادية والإدارية الرعناء جعلت سورية في 2011 ضمن أسوأ 50 دولة فاشلة في العالم على مؤشر The Failed States Index”.
وأضاف أن تجاوز الليرة السورية عتبة الـ600 مقابل الدولار لم يكن مفاجئاً للمراقبين، بعد أن كانت قرب 50 في العام 2011، موضحاً أن المعطيات الكارثية لحركة الاقتصاد السوري ونموه، وشلل معظم القطاعات الاقتصادية، تنبئ بالأسوأ، على الرغم من الخطوط الائتمانية الإيرانية وقبول طهران وموسكو دعم النظام عسكرياً لقاء مكتسبات قادمة وامتلاك لأراضٍ ومؤسسات عامة، وعلى أمل أن يقوم النظام بتسديد فاتورة الحرب بعد “انتصاره على شعبه”، إلا أن الرقع الاقتصادي أكبر من أي راقع إيراني أو روسي.
في المقابل، قال د. قاضي إن التدخل الروسي المباشر منذ سبتمبر/أيلول 2015، بهدف إعادة تعويم ما تبقى من جسد النظام، ساهم في انهيار الليرة السورية بوتيرة متسارعة أكبر بخمسة أضعاف مما كانت عليه قبل سبتمبر/أيلول، فخلال 8 أشهر من التدخل الروسي المباشر، ارتفع الدولار بواقع 307 ليرات تقريباً، أي بمعدل يومي قدره 0.82 من الليرة السورية، بينما كانت الأخيرة تنخفض على مدار 1631 يوماً منذ بدء الحراك الثوري في سورية بمعدل يومي قدره 0.16 ليرة.
وفي الوقت نفسه، لم يستبعد أن تتجاوز الليرة عتبة الـ 1000 مقابل الدولار خلال الأشهر الثلاثة القادمة.
داخل دمشق، كشف رجال أعمال لصحيفة “الفاينانشال تايمز” البريطانية، أن التجار المقربين من الحلقة الضيقة للأسد والذين يتحكمون في السوق، عمقوا خسائر الليرة في ظل شكوك حول قيامهم بإغراق السوق بالعملة السورية مقابل امتصاص ما بها من عملة صعبة يحولون إليها إيراداتهم الضخمة، استعداداً للقفز من السفينة ومغادرة البلاد.
وأفادت الصحيفة أيضاً نقلاً عن أحد التجار السوريين، بأن رجال أعمال محليين فضلاً عن مسؤولين من النظام هم أكبر المستفيدين من الفارق في أسعار الصرف التفضيلية المتدنية التي تمنح لهم من قبل النظام نفسه.
وبعد أن كان متوسط الدخل الشهري في سورية عند 14000 ليرة حسب الأرقام الرسمية للعام 2011، أو ما يعادل حوالي 280 دولاراً، أصبح المواطن السوري بحاجة إلى دخل مقداره 180000 ليرة شهرياً، حتى يحافظ على نفس القدرة الشرائية، بينما واقع الحال أن معدل الدخل الحالي يتراوح بين 25-30 ألف ليرة فقط، بحسب بيانات مجموعة عمل اقتصاد سورية.
وفي محاولة لفرض ضغوط على التجار الذين يقتاتون من اقتصاد الحرب في البلاد، شن سوريون في مناطق النظام حملة لمقاطعة البضائع.