عبدالمحسن سلامة يكتب: أنور السادات فى مواجهة حافظ الأسد!


عبدالمحسن سلامة
فى وقت أتهموا فيه الزعيم الراحل أنور السادات بالعمالة والخيانة والتفريط فى الثوابت الوطنية محرضين بذلك على اغتياله واهدار دمه، ولو لم يقولوها صراحة، راحوا يهللون ويمجدون فى حامى حمى العروبة المناضل البطل المغوار قائد جبهة الصمود والتصدى زعيم الأمة العربية حافظ الأسد وراحو يحجون إلى قصوره فى سوريا ليأخذوا البركات والنفحات والهدايا والأموال.. لالشيء إلا لان السادات رحمة الله عليه أطلق مبادرة السلام التى بموجبها استردت مصر كامل ترابها الوطني، ولم تترك ذرة رمل واحدة فى حين ان الرئيس حافظ الأسد حامى حمى الأمة العربية. والمناضل الجسور والبطل الثوري، ظل يناضل خلف الميكروفونات وفى المؤتمرات الحاشدة، وظل يرقص مع الثوريين الأشاوس الوحوش فى الفنادق والسرادقات على انغام الأغانى الحماسية وعلى أموال الدول النفطية، التى كان يبتزها لدعم جبهة الصمود والتصدى ولإسترداد كامل الاراضى العربية وإزالة اسرائيل من الوجود وألقائها فى البحر هى ومن وراءها ومن يساندها، وفى هذا الجو المشحون الانفعالى سار السادات فى طريقه المرسوم حتى انتزع من اسرائيل حق مصر فى أرضها وبدأت رحلة إسترداد الأراضى المصرية إلا ان التحريض والشحن الذى قاده كل الاشاوس «والحنجوريين» من دراويش حافظ الاسد وزعماء جبهة الصمود والتصدى أسهم فى تسميم المناخ العام لتنطلق رصاصات الغدر إلى قلب الشهيد البطل أنور السادات الذى ضحى بدمه من أجل تراب مصر، إلا أن موته لم يثن مصر عن السير فى طريقها حتى استردت كامل أراضيها بعودة طابا إليها بالتحكيم الدولى فى اثناء حكم الرئيس الاسبق حسنى مبارك.

ظل الاسد ومنذ حرب أكتوبر 1973 وحتى وفاته فى 10 يونيو 2000، أى طوال 27 عاما، يحارب فى الفنادق والمؤتمرات وخلف الميكروفونات ولم يطلق رصاصة واحدة من الاراضى السورية على إسرائيل، وفى كل مرة كانت اسرائيل تهينه وتعتدى على الأراضى السورية كان يكتفى دائما بمقولته المشهورة أن سوريا هى التى تحدد الموعد والمكان المناسب للرد، وطوال تلك الفترة لم تحدد سوريا لا المكان المناسب ولا الموعد المناسب، ومع ذلك ظل كل فاقدى الوعى من الحنجوريين والأشاوس يرقصون ويهللون للبطل المغوار حافظ الأسد حامى حمى العروبة، فليس مهما أن تظل الجولان محتلة، ولتذهب الجولان إلى الجحيم وكل الأراضى السورية، والمهم أن يظل حافظ الاسد رافعا لواء مقاومة الميكروفونات وإغداق الأموال والهدايا على مريديه.

للأسف هذه هى صورة حقيقية وليس فيها أدنى مبالغة، وربما تكون أقل من الحقيقة والمأساة أن هناك ـ ولو نسبة قليلة ـ من الشعب المصرى والشعوب العربية من يصدقون تلك الأكاذيب ويمشون وراء تلك الاوهام بحسن أو بسوء النية.. المهم أن هناك قطاعا ـ ولو ضئيلا ـ مازال يعانى تغييب العقل والمنطق وينتصر للجهل والغوغائية ايا كانت المبررات.

أزمة هؤلاء المغيبون والمضللين أن صوتهم عال ولايراجعون أنفسهم ويكررون ما فعله أسلافهم مع السادات تماما بالقاء تهم الخيانة والعمالة والتآمر على كل من يخالفهم، وأنهم وحدهم دون غيرهم يملكون ناصية الحقيقة، ويحتكرون صكوك الوطنية، ويرفضون كل أشكال الحوار إلا إذا كان فى ذات الدائرة التى يتحلقون حولها، هم يطلبون الحرية لأنفسهم فقط وعليك أن تستمع «لتخاريفهم» و«بذاءاتهم» أحيانا، وإلا أطلقوا أبشع الألفاظ على من يخالفهم ولايتورعون عن استخدام كل مفردات العنف اللفظى وقلة الحياء فى حواراتهم ونقاشاتهم.

تذكرت كل ذلك بمناسبة الحالة التى يحاول البعض أن يعيدنا إليها الآن فى مصر، فهناك من يطلب الحرية لنفسه فقط ويطالب بقتل كل من يخالفه من ضباط الشرطة والجيش والقضاء والمواطنين الآخرين، فالمهم أن تنتصر فكرته فقط وتنتصر رغبته العارمة فى الانتقام وتدمير مؤسسات الدولة، أما البناء فهذا موضوع آخر يؤجل إلى أجل غير مسمى مثلما فعل حافظ الأسد تماما بعدما ترك اراضيه محتلة 27 عاما منذ حرب أكتوبر حتى وفاته ومازالت محتلة حتى الآن، بل أن قلة حياء نيتانياهو رئيس وزراء العدو الصهيونى دفعته لعقد جلسة لمجلس الوزراء أخيرا فى الجولان، مؤكدا ضمها إلى اسرائيل إلى الابد.

هل يريد البعض أن نتحول إلى انقاض دولة مثلما حدث فى سوريا والعراق واليمن؟! ومن المستفيد من ذلك؟!

ليس هناك فصيل واحد منتصر فى تلك الدول.. الكل يقتل بعضه دون تمييز

.. قتل على الهوية الدينية.. وقتل على الهوية السياسية.. وقتل على الهوية الجغرافية؟! فهل هذا معقول؟! وهل هذا هو الذى يعيد بناء الدولة كما ينادى البعض بتدمير الدولة ثم إعادة بنائها؟!

حينما دخل النبى صلى الله عليه وسلم مكة منتصرا وفاتحا لم يهدم منزلا ولم يقطع شجرة ولم يقتل شخصا وحافظ على البنيان الأجتماعى فيها وأعطى لأبى سفيان قدره ومكانته، وترك مفاتيح الكعبة مع القائمين عليها قبل الاسلام.

نحتاج إلى إعادة صياغة عقلية عاجلة فى السياسة والثقافة والفقه لإعادة مؤشرات البوصلة إلى وضعها الصحيح والمهم ان يراجع كل شخص نفسه، ان كان جادا فى الاصلاح ويراجع مرة أخرى قصة حافظ الاسد وأنور السادات لعله يفيق من غفلته.

المصدر: الأهرام

عبدالمحسن سلامة يكتب: أنور السادات فى مواجهة حافظ الأسد! على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -

أخبار سوريا ميكرو سيريا