لماذا ثبتت الملكيات العربية أكثر من الجمهوريات أمام الثورات؟
16 مايو، 2016
نشرت مجلة «إيكونوميست» تقريرًا خاصًا حول دول العالم العربي؛ يتفحص السبب الذي جعل الأنظمة الملكية أقدر على البقاء في وجه الثورات من الأنظمة الجمهورية.
وتبدأ المجلة تقريرها من مكتب ـ في القاهرة ـ يطل على نهر النيل؛ إذ يضع رجل أعمال هاتفه في وعاء زجاجي مغلق، وفي مكتب آخر تضع كاتبة هاتفها في ثلاجة وتغلق عليه الباب، وتقول «إن كانت أجهزة الهاتف الذكية أدوات ناجعة استخدمها الشباب الثوريون خلال ثوراتهم، فإن الخوف اليوم أنها أصبحت أداة تستخدمها المخابرات للتجسس على أصحابها من خلال قرصنتها برمجيًا، وتحويلها إلى أجهزة تنصت على أصحابها، ولذلك فإن أي صحافي يعمل في العالم العربي يحتاج إلى جهاز هاتف مزود بآخر برمجيات الاتصال المشفر، ويفضل المصريون برنامج «سيغنال»، بينما يفضل السعوديون ببرنامج «تلغرام»، أما اللبنانيون فيكتفون باستخدام برنامج «واتس آب» واسع الانتشار».
ويشير التقرير إلى أنه «لم يحصل للدولة العميقة في مصر سوى أنها اهتزت قليلًا؛ عندما أطاحت الثورة بـ«حسني مبارك» عام 2011، وهي الآن عادت لتنتقم، فقد أطاح الجيش بالرئيس المنتخب «محمد مرسي»، تحت حكم الجنرال الذي يدعي أنه ابن الثورة، فإن مصر أصبحت أكثر قمعًا مما كانت عليه، عندما كانت تحت سيطرة مبارك، كما أصبح الاقتصاد في حالة أسوأ مما كان عليه، وتتزايد الاحتجاجات، خاصة بعد أن قرر الرئيس الحالي «عبد الفتاح السيسي» إعطاء جزيرتين في البحر الأحمر للسعودية، في صفقة مع العاهل السعودي الملك «سلمان».
وتذكر المجلة أن «الكثيرين ربطوا بين الظلم خلال حكم «جمال عبد الناصر» وحكم السيسي، لكن الأخير تنقصه الخطابات الرنانة حول القومية العربية؛ إذ حاول عبد الناصر القضاء على الإخوان المسلمين، وكما حصل مع عبد الناصر، فإن هناك مخاطرة بتحول (الإسلاميين السياسيين إلى جهاديين عنيفين)، وتنظيم الدولة أعلن سيناء، التي كانت مزدهرة بالسياحة الشتوية، إحدى ولاياته، وقام في أكتوبر (تشرين الأول) 2015 بإسقاط طائرة مدنية روسية كانت قد أقلعت من مطار شرم الشيخ».
ويجد التقرير أنه «من المثير أن الزعامات العربية التي خلعت خلال عام 2011، كلهم كانوا يرأسون جمهوريات، وليس ملكيات، ويبدو أن الرؤساء العرب، بالرغم من صلابتهم، إلا أنهم قابلون للكسر، فكانت مصر مثلًا تحت حكم عبد الناصر نموذج الدولة، كما يصفها الدبلوماسي الفرنسي (جين بيير فيليو) (الدولة المملوكية)؛ كناية عن حكم المماليك في الفترة بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر الميلاديين، كما يطلق فيليو هذا الاسم أيضا على (الجزائر وسوريا واليمن)، بتاريخها المؤلم من سيطرة العسكر».
الجمهوريات المملوكية
وتلفت المجلة إلى أن «هذه الجمهوريات (المملوكية) هي في الغالب تميل إلى الاشتراكية، مع ميل للسيطرة المركزية على الاقتصاد؛ إذ قامت ابتداء بحسب نموذج القومية الديكتاتورية في تركيا تحت (مصطفى أتاتورك)، وإن لم يشاركوه علمانيته المبالغ بها، ونظام الأمن الداخلي شبيه بأنظمة الاتحاد السوفييتي، الذي كانت في الغالب تحالفه».
ينوه التقرير إلى أن «القومية المتطرفة ساعدت أحيانًا في إخفاء قاعدة التأييد الطائفية الضيقة، التي قامت عليها تلك الأنظمة: الأقلية السنية في العراق، والأقلية العلوية في سوريا، وليس مستغربًا أن يكون نظاماهما هما الأكثر بشاعة؛ إذ أطلق الكاتب المعارض «كنعان مكية» «جمهورية الخوف» على العراق، أما سوريا فوصفها الفرنسي المستعرب الراحل «مايكل سيويرات» بـ«جمهورية الوحشية»: ففي العراق قام «صدام حسين» باستخدام «الأسلحة الكيماوية» ضد «الأكراد» في مدينة «حلبجة» عام 1988، وفي سوريا قام «حافظ الأسد» بتسوية «حماة» بالأرض عام 1982، وفي الجزائر شنت الحكومة حربًا قذرة على الجهاديين عام 1992، استمرت عقدًا كاملًا».
وتقول المجلة إن «مصر مبارك حكمت بعنف أقل؛ وربما كان ذلك للحصول على دعم حلفائه الغربيين، بينما لم يتردد السيسي في سفك الدماء؛ فقد قتل الآلاف في قمعه للإخوان المسلمين، وسجن عشرات الآلاف».
ويورد التقرير، الذي ترجمه موقع «عربي21»، أنه «بحسب نظرية المؤامرة، فإن الجنرالات تلاعبوا بالثورة الشعبية المصرية عام 2011، فاستخدموا المتظاهرين للتخلص من مبارك، واستخدموا الإخوان لتهميش الليبراليين، وأخيرًا استخدموا الليبراليين للتخلص من الإخوان، وإقامة حكم عسكري مباشر، لكن في الغالب كانت ردود فعل العسكر مرتجلة، إلا أن النظرية تعكس كيف ينظر الناس للدولة العميقة»
وترى المجلة أن «القمع تعسفي ووحشي، ولم يساعد سعي السيسي للحصول على الاحترام الدولي قتل طالب الدكتوراه الإيطالي، الذي كان موضوع بحثه النقابات المصرية؛ إذ يعتقد أن من قتله الشرطة السرية».
وينقل التقرير عن «يزيد صايغ» من مركز «كارينغي» في «بيروت»، قوله: «لا أعتقد أن هناك دولة في مصر اليوم، بل هناك ائتلاف لمجموعات مصالح ومؤسسات، كل واحدة منها فوق الدولة، وتعمل كلها بأهداف متقاطعة وعادة ما تعمل على إضعاف السيسي».
وتذكر المجلة أن الجمهوريات بنت شرعيتها على هدفين؛ الأول هو الوحدة العربية، والثاني تحرير فلسطين، ولم يتم تحقيق أي منهما، مشيرة إلى أن الرؤساء استسلموا لإغراءات تحويل جمهورياتهم إلى جمهوريات وراثية؛ إذ إن «حافظ الأسد» ورثه «بشار»، و«مبارك» كان يخطط لتسليم الحكم لابنه «جمال» من بعده، وكذلك «علي عبد الله صالح» في اليمن كان يحضر ابنه «أحمد» لخلافته، وفي تونس كان يعتقد بأن «زين العابدين بن علي» كان يحضر لاستخلاف زوج ابنته «صخر المطيري».
ويفيد التقرير بأن البعض يسخر من هذه الجمهوريات، بوصفها «جملكيات»، ويقول أستاذ العلوم في جامعة باريس «غسان سلامة»: «وصلنا إلى مرحلة سخيفة أصبحت فيها الدولة مثل السيارة أو الشقة، التي يمكنهم توريثها لأبنائهم، وهذا كان أحد أهم أسباب الانتفاضات».
الأنظمة الملكية أفضل حالا
وتبين المجلة أنه «في المقابل، فإن حال الأنظمة الملكية كان أفضل، على الأقل إلى الآن؛ فخلال حقبة الحراك القومي، بدت تلك الأنظمة مهددة بالانقراض؛ فقد تم إسقاط خمسة أنظمة ملكية من الملك «فاروق» في مصر عام 1952، والملك «إدريس» في ليبيا عام 1969، وشعر البقية بالخطر لعقود، لكن يبدو الآن أن هناك شيئًا خاصًا بالأنظمة الملكية العربية، من ملوك وأمراء وسلاطين، يجعلها أكثر تحملًا من الديكتاتوريات الرئاسية».
ويرى «سلامة» أن هناك ثلاثة مصادر لشرعية الحكام العرب: «التمثيل» «لا أحد منهم ينتخب بشكل حر»، و«الإنجازات» «معظم الجمهوريات لم تحقق ما تفتخر به»، و«المنشأ» «وهو أفضل المؤهلات»، بمعنى (أحكم لأنني أنشأت البلد) كما يقول« سلامة». وتشير المجلة إلى أن «هذا هو حال العائلة المالكة السعودية، التي أعطت اسمها للبلد، وتستطيع العودة بحكمها إلى القرن الثامن عشر في أواسط نجد».
وبحسب التقرير، فإنه «بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي الستة المنتجة للنفط، السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وعُمان، فإن مفتاح البقاء هو المال؛ إذ قامت هذه الدول بالإنفاق بسخاء خلال ثورات الربيع العربي، فرفعت الرواتب، وأطلقت مشاريع جديدة للحفاظ على شعبيتها، كما أن دول المجلس أيضًا تحظى بدعم دبلوماسي وعسكري من حلفائها الغربيين، (ففي قطر، هناك قاعدة جوية أمريكية ضخمة، ويوجد في البحرين قاعدة بحرية)، فبعد قيام مظاهرات واسعة في البحرين؛ إذ تحكم الأقلية السنية الأكثرية الشيعية هناك، قامت دول الخليج الأخرى بإرسال قوات للجزيرة لدعم النظام الملكي هناك».
وتبين المجلة أنه «في المغرب والأردن لا يوجد نفط، لكن ملكيهما محمد السادس وعبدالله الثاني يستمدان شرعيتهما من الدين، إشارة إلى انحدارهما من سلالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كما يدعيان شرعية سياسية، فإن محمد الخامس أبعده الفرنسيون إلى مدغشقر، وصارت صرخة المتظاهرين الوطنيين هي المطالبة بعودته. أما الهاشميون فقاموا بإطلاق الثورة ضد الأتراك (بمساعدة البريطانيين) عام 1916».
ويجد التقرير أن «الأهم من ميراثهما ربما كان تمكن هذين النظامين من التأقلم مع التغيرات، فعلى عكس ما عليه وضع العائلات المالكة في الخليج؛ إذ يمسك أبناء العائلات المالكة بالمناصب الحكومية المختلفة، تبتعد العائلة الملكية في كل من المغرب والأردن عن المناصب الحكومية، كما أبدى النظامين براعة في استيعاب المعارضين، أو إبقاء خطوط الحوار معهم مفتوحة، وخلال فترة الربيع العربي قام النظامان بإظهار تجاوب مع المطالب بالمزيد من الحرية، وقام البلدان بإصلاحات دستورية محدودة، وأجريت انتخابات برلمانية».
وتوضح المجلة أن «الوضع في الأردن أكثر توترًا؛ إذ قاطع الإخوان المسلمون الانتخابات، وتحاول الحكومة شق الحركة، أما في المغرب فقد فاز حزب العدالة والتنمية المنبثق عن الإخوان المسلمين بأكثرية الأصوات، وأصبح رئيس الحزب عبد الإله بن كيران رئيسًا للوزراء على رأس ائتلاف من أربعة أحزاب».
وتختم «إيكونوميست» تقريرها بالإشارة إلى أن ثلاث إمبراطوريات هيمنت على تاريخ العرب منذ ظهور الإسلام، وهي: الأموية والعباسية والعثمانية، ويقول مدير مركز «القدس للدراسات السياسية» «عريب الرنتاوي» «فكرة السلالات الحاكمة تسيطر على تفكير الناس، ولو أجري استفتاء في الأردن سيصوت الأغلبية لصالح الملكية»؛ إذ وافقت الأحزاب السياسية في الأردن والمغرب على قبول الملكية، وأضاف «الرنتاوي» أنه في الأماكن الأخرى «تخلق الأنظمة الدموية معارضة دموية.