ملحمة عبد الناصر لبناء السد العالي يخسرها السيسي
16 مايو، 2016
في 14 مايو 1964م، وقف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بجانب الزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوڤ إحياءً لاحتفال تحويل مجرى نهر النيل وإعلان البدء في إنشاء السد العالي، الخطوة التي اعتبرها جمال عبدالناصر رمزًا لتصميم الأمة العربية في بناء وطنها الكبير المتحرر.
في 28 مايو 2013م، أعلن «بريخيت سمؤون»، المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية بدء العمل في تحويل مجرى النيل الأزرق، وهو أحد روافد نهر النيل إيذانًا بالبدء الفعلي لعملية بناء سد النهضة، الإعلان الذي دق ناقوس الخطر في وجه الحكومة المصرية.
السد العالي ملحمة دبلوماسية
بدأت الدراسات الهندسية الممهدة لإنشاء السد العالي، في 18 أكتوبر 1952م، بناءً على قرار مجلس قيادة ثورة 1952م ،من قبل وزارة الأشغال العمومية (وزارة الري والموارد المائية حاليًا) وسلاح المهندسين بالجيش المصري ومجموعة منتقاة من أساتذة الجامعات، حيث استقر الرأي على أن المشروع قادر على توفير احتياجات مصر المائية. وفي أوائل عام 1954م، تقدمت شركتان هندسيتان من ألمانيا بتصميم للمشروع، وقد قامت لجنة دولية بمراجعة هذا التصميم وأقرّته في ديسمبر 1954م، كما تم وضع مواصفات وشروط التنفيذ.
التكاليف المبدئية للمشروع كانت تتجاوز 400 مليون جنيه، طلبت مصر في البداية من البنك الدولي تمويل المشروع، وبعد دراسات مستفيضة للمشروع أقر البنك الدولي جدوى المشروع فنيًا واقتصاديًا. وفي ديسمبر 1955م، تقدم البنك الدولي بعرض لتقديم معونة بما يساوي ربع تكاليف إنشاء السد إلا أن البنك الدولي سحب عرضه في 19 يوليو 1956م، بعد ضغوط من إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
رفض الجانب الغربي لتمويل بناء السد العالي كان مدعومًا من الولايات المتحدة الأمريكية.
وهو ما دفع جمال عبد الناصر لتأميم قناة السويس عام 1956م، والاستفادة من إيراداتها في تمويل المشروع. واتجهت مصر شرقًا نحو القطب الثاني في العالم «الاتحاد السوفييتي»، ووقعت اتفاقية في 27 ديسمبر 1958م، لإقراض مصر 400 مليون روبل لتنفيذ المرحلة الأولى من السد. وفي مايو 1959م، قام الخبراء السوفييت بمراجعة تصميمات السد واقترحوا بعض التحويرات الطفيفة التي كان أهمها تغيير موقع محطة القوى واستخدام تقنية خاصة في غسيل وضم الرمال عند استخدامها في بناء جسم السد. وفي 27 أغسطس 1960م، تم التوقيع على الاتفاقية الثانية مع روسيا (الاتحاد السوفييتي سابقًا) لإقراض مصر 500 مليون روبل إضافية لتمويل المرحلة الثانية من السد، وبلغ إجمالي التكاليف الكلية لمشروع السد العالي حوالي 450 مليون جنيه.
ملحمة دبلوماسية بين مصر وأثيوبيا
فكرة بناء سد النهضة الإثيوبي لم تكن وليدة اللحظة بل ترجع لعام 1964م.
فكرة بناء سد النهضة الإثيوبي لم تكن وليدة اللحظة بل ترجع لعام 1964م، مرت عملية البناء بعدة مراحل شهدت فيها تهديدات ببناء السد مرة، والعدول عن تلك الفكرة مرات أخرى؛ فعندما حددت إثيوبيا 26 موقعًا لإنشاء السدود أهمها سد «الألفية أو الحدود» والذي سمي فيما بعد بسد النهضة أثبتت الدراسات وقتها وجود عقبة رئيسية تشير إلى أن التربة في إثيوبيا غير صالحة لإنشاء السدود وأن إنشاء السد سيشكل تهديدًا مائيًا على مصر. وبالرغم من الصداقة الوثيقة التي كانت تربط بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر والإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي، سرعان ما انقلبت العلاقة للنقيض بعد بناء مصر «السد العالي» على النيل دون استشارة إثيوبيا التي هددت بإنشاء سد إثيوبيا في ذاك الوقت.
ثم جاء الخلاف الثاني بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات والرئيس منجستو، حيث أعلن السادات عن مشروع تحويل جزء من مياه النيل لري 35 ألف فدّان في سيناء وهو ما رفضته إثيوبيا وهددت بإنشاء السد وتحويل مجرى النهر عن مصر، فاعتبر السادات أن مياه النيل خط أحمر ولوّح بأن مصر مستعدة لخوض حرب بسبب المياه وأنه «سيدمر السد بمجرد إنشائه».
وفي عهد الرئيس المخلوع مبارك شهدت العلاقات بين مصر وإثيوبيا بشكل خاص والدول الأفريقية على وجه العموم قطيعةً على إثر تعرّض الرئيس مبارك لمحاولة اغتيال أثناء حضوره القمة الأفريقية في أديس أبابا، فأجمعت دول حوض النيل على بناء السد وزيادة حصصها المائية من النيل واقتدت دول الحوض بإثيوبيا وبدأت بإنشاء سدود لها على النيل. فخرج وزير الدفاع المصري – وقتها – المشير المصري محمد عبد الحليم أبو غزالة معلنًا أنَّ «القوات المسلحة المصرية والجيش المصري سيوجّهان ضربة لأي مشاريع تضر بمصالح مصر في دول حوض النيل»، وهو ما وضع صيغة إلغاء بطعم التأجيل لهذه المشروعات.
أما في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي شهدت أزمة السد أوجهًا مختلفة بحكم توقف عهد التهديد والوعيد بإنشاء السد وبداية بناء السد بالفعل، وصدر موقف وحيد في ذلك الوقت بهذا الخصوص كان في الاجتماع مع قادة الأحزاب بحضور الرئيس مرسي، وقد خرج بنتيجة أنَّ السد لن يكون له أي تأثير على توليد مصر للكهرباء وأن هناك حلولًا أكيدة لتلك الأزمة مع الجانب الإثيوبي، علمًا بأن السد تم البناء فيه بالفعل. وبالرغم من ذلك تعهد محمد مرسي بحماية أمن مصر المائي بكل الطرق.
حتى جاء السيسي الذي حاول فتح صفحة جديدة في هذه القضية فيما يخص العلاقات بين إثيوبيا ومصر، من خلال لقاء القمة الذي جمعه مع رئيس الوزراء الإثيوبي على هامش القمة الأفريقية في شهر أغسطس من عام 2015م.
مخاطر سد النهضة
يوجد على طول مجرى نهر النيل 7 سدود، إلا أن سد النهضة يعد أكبرها على الإطلاق حيث يبلغ ارتفاعه 145 مترًا وطوله حوالي 18 مترًا، وتقدر تكلفة إنشائه بحوالي 5 مليارات دولار. يقطع السد مجرى النيل الأزرق -أكبر فروع نهر النيل- حيث تبلغ سعتة التخزينية 74 مليار متر مكعب أي حوالي مرة ونصف من إجمالي سعة النيل الأزرق من المياه سنويًا. وتقدر القدرة المائية للسد على توليد الكهرباء بحوالي 6000 إلى 7000 ميغاوات أي ما يعادل ثلاثة أضعاف الطاقة الكهربائية المولّدة من محطة سد أسوان الكهرومائية.
تتركز الأخطار المحدقة بمصر جراء بناء السد بعوامل فنية ينحصر أبرزها فيما يلي:
1- انخفاض حصة مصر في مياه النيل 12 مليار متر مكعب سنويًا من أصل 55 مليار.
2- انخفاض الكهرباء المولّدة من السد العالي وخزان أسوان بحوالي 20-40 بالمئة؛ ما سيعمق أزمة الطاقة في مصر.
3- انخفاض في نصيب المواطن المصري من المياه والذي ينخفض فعليًا عن المستويات العالمية بأكثر من الثلث حاليًا، حيث يصل نصيب الفرد من الماء 650 مترًا مكعبًا سنويًا مقابل المعدل العالمي البالغ 1000 متر مكعب للفرد.
4- بوار حوالي 200 ألف فدّان من الأراضي الزراعية وتشريد الفلاحين الذين يعملون في هذه الأراضي.
5- فقد نحو ربع الإنتاج الزراعي وزيادة الفجوة الغذائية في مصر.
6- في حالة انهيار سد النهضة فإن نتائج ذلك ستكون كارثية على مصر والسودان وعلى السد العالي بشكل خاص.
7- تأثر الملاحة والسياحة على نهر النيل بشكل سلبي.
إثيوبيا تصارح الجماهير
قال موقع إثيوميديا الإثيوبي، إن مشروع سد النهضة يسيطر على ما يقرب من ثلثي المياه التي تعتمد عليها مصر، ولكن إذا ما اتبعنا المسار الدبلوماسي التفاوضي فإن هذه الدول الثلاث (مصر، السودان، وإثيوبيا) تحتاج لتحليل فني وتقييم لحالة الفقراء طبقًا لعدة مسائل منها التغير في معدل هطول الأمطار السنوي، أو الحد الأدنى من التدفقات المطلوبة للحفاظ على نوعية المياه من المصب الذي قد يقوضه الاتفاق؛ مما يؤدي إلى صراع حاد لا يمكن التنبؤ بعواقبه.
سد النهضة سيعقد الأمور فعليًا، وسيؤثر على مصر دون شك.
وأكد الموقع الإثيوبي أن السد سيعقد الأمور فعليًا، وسيؤثر على مصر دون شك، حيث إن مصر تتلقى حاليًا كل احتياجاتها من المياه عبر نهر النيل وهو ما يعادل حوالي 60 مليار متر مكعب سنويًا؛ أي أعلى قليلًا من المنصوص عليه في اتفاق المعاهدة مع السودان، ما يعني أن نصيب الفرد حوالي 700 متر مكعب سنويًا، والذي سيقل بالتأكيد بشكل كبير وملحوظ بعد بناء السد؛ مما سوف يسبب جفافًا طويلًا على مصر.
وشدد الموقع الإثيوبي على أن سعة تخزين السد الضخمة سوف تؤثر سلبًا على مصر، ولكن إذا تعاونت الدول الثلاث فيمكن أن يعملوا معًا على الاستفادة من إنشاء السد، لا سيّما إذا وافقت مصر على شراء الطاقة من السد، وأضاف الموقع أنه يجب أن تصبح إدارة النهر والسدود قائمة على نظام مشترك تشاوري بين الدول الثلاث لتحقيق اتفاقات ضمانة سلامة السد.
القبول بالأمر الواقع
إن إعادة تحويل مسار مجرى نهر النيل الذي قامت به إثيوبيا يعد إجراءً طبيعيًا، وهو بمثابة إعادة للوضع الطبيعي لنهر النيل.
حسام مغازي وزير الموارد المائية والري
بعد 3 يوليو 2013، كان المصريون يأملون أن تنتهي أحلام إثيوبيا بإقامة هذا السد، وأن عبد الفتاح السيسي الذي رأى المصريون فيه صورة الزعيم جمال عبد الناصر، سيتخذ قرارًا حاسمًا حتى إن استدعى الأمر ضرب السد جوًّا حال فشل إقناع إثيوبيا بالتراجع عن بنائه، إلا أن التعامل مع الأزمة جاء في إطار محاولات السيسي لاحتواء الموقف وفتح صفحة جديدة من الاتفاقيات والمفاوضات مع إثيوبيا، بعد أن قرر السيسي في 23 مارس 2015م، التوقيع على اتفاقية سد النهضة، وقال أثناء توقيعه على الاتفاقية إن سد النهضة يعتبر مصدرًا للتنمية، موضحًا أن توقيع اتفاق مبادئ سد النهضة بالعاصمة السودانية الخرطوم هو الخطوة الأولى للتعاون بين مصر والسودان وإثيوبيا.
وفي يوم السبت الموافق 26 ديسمبر 2015م، أعلنت القاهرة تقبلها توجه إثيوبيا، بإعادة تحويل مسار مجرى نهر النيل، ليمر للمرة الأولى عبر سد النهضة الإثيوبي. وعقب وصول حسام مغازي وزير الموارد المائية والري المصري إلى مطار الخرطوم، يوم 26 ديسمبر 2016م، قبيل لقاء القمة الإفريقية بالخرطوم، قال في تصريحات صحفية نقلتها الوكالة الرسمية المصرية، إن «إعادة تحويل مسار مجرى نهر النيل الذي قامت به إثيوبيا يعدّ إجراءً طبيعيًا»، موضحًا أنه بـ«مثابة إعادة للوضع الطبيعي لنهر النيل».
لم يتبقّ سوى القول إنه لا يمكن تحضير روح عبد الناصر والسادات لمواجهة إثيوبيا في أزمة سد النهضة، فنقول إن عبد الناصر هدد والسادات توعد، فخافت إثيوبيا وتراجعت عن مشروعاتها على النهر، فلا تهديد ولا وعيد يجدي الآن. اليوم تقف إثيوبيا في محلها واثقةً من خطاها ومصر تقف على الشرفة الأخرى تؤرخ حقها المنهوب.