يبدو مزاج الأردنيين اليوم مهيأ أكثر من أي وقت مضى للانتخابات البرلمانية المقبلة 2017، بعد إقرار قانون القوائم الانتخابية في التعديلات الدستورية الأخيرة، وبدأ أعضاء البرلمان الحاليين في الاستعداد لإعادة الترشح من جديد، وسط مخاوف من تأثير قانون القوائم على التواجدات الحزبية والقيادات السياسية بغرفة البرلمان في هيئته الجديدة، التي أقر بعض الإسلاميين والليبراليين بأنها خطوة إصلاحية واضحة الملامح تغادر نظام “الصوت الواحد” سيء السمعة والصيت.

مؤيدو التعديلات الدستورية فيما يخص قانون القوائم في الانتخابات البرلمانية أغفلوا عمدًا أو عن غير قصد حقيقة التباس المشهد السياسي بين المرشحين المتواجدين أصلاً بداخل البرلمان، وبين الراغبين في الترشح، وسط جدلية الانتخابات النظيفة التي يسعى إليها الطرفان بضمانات قانونية وإجرائية، وهي الجدلية نفسها التي ستسهم فكرة القوائم في إسقاطها وضياع معالمها، وهي النقطة السوداء التي أغفلها الجميع ليبراليون وإسلاميون في شيطان تفاصيل القانون.

شيطان التفاصيل

القانون الجديد حظر الترشح على أساس فردي، وهي نقطة رآها المؤيدون تخفي أهمية المال السياسي والقبلية والجهوية، وهم مخطئون تمامًا، فالقانون ألزم الجميع بالترشح على أساس “قوائم” تمثل الحد الأدنى من عدد مقاعد الدائرة الانتخابية، إذًا ما المشكلة هنا لكي نشكك في القانون؟

إجابتنا أن المشكلة ليست في القانون في حد ذاته، بل في شيطان التفاصيل، قياسًا على تجربة “القوائم الوطنية” القديمة التي تم إلغائها، وما زالت تحكم ذهنية كل المعنيين بالحقل الانتخابي، وتقاس الأمور على أساسها عندما يتعلق الأمر بالتجربة الجديدة.

فالقانون الجديد وفقًا للتعديلات الدستورية الأخيرة يقر القوائم الانتخابية على المستوى المحلي، وليس الوطني وبالتالي فنحن نحتاج إلى 130عضوًا فقط من 1800 مرشح، وبالتالي فإن المرشحين “الأقوياء والحزبيين” لا يمكنهم خوض الانتخابات معًا في الدائرة نفسها، لأن كل واحد منهم سيسقط الآخر بسبب طبيعة نسب التصويت، والعدد الهائل المتوقع من المرشحين، وعليه سيسعى كل مرشح قوي لتقديم نفسه ضمن قائمة قادرة على منافسة باقي القوائم، وحتى يضمن هذا المرشح القوي النجاح بالمقعد الوحيد للقائمة التي يمثلها، عليه الاستعانة بعدد إضافي من المرشحين الضعفاء أو الأضعف، وإن صح يمكن أن نطلق عليهم لفظ “الكومبارس” مهمتهم فقط جمع الأصوات حتى يفلت رئيس أو زعيم القائمة بالمقعد المتاح.

كومبارس ومال سياسي

لكن كيف يقبل “الكومبارس” أو الضعفاء ذلك وما هي الميزات والمغريات التي سيحصلون عليها من رأس القائمة الأقوى منهم؟

بلا شك سيكون الرئيس الأقوى بين المرشحين في القائمة، والذي سيضحي الجميع من أجله بالوقت والأصوات، سيكون هو الأقدر ماليًا أي أن المتوقع خلال الانتخابات المقبلة هو سيطرة أكبر لـ “المال السياسي” دون مخالفة للقانون، وستصبح القوائم بلا أي أساس سياسي؛ حيث ستشمل مرشحًا واحدًا فقط قويًا ومتمكنًا وثريًا، مع التقاط ما تيسر من مقاعد الأقليات.

وبما أن الواقع يقول بأن الغالبية العظمى من القوائم لن يفوز فيها سوى مرشح واحد، ستتشكل في هذه الحالة جماعات موالية للقبائل، وأخرى من المرشحين غير الجادين، مهمتها فقط حشد أصوات التجمعات السكانية والعشائرية والجهوية، لصالح المرشح القادر ماليًا والرئيس في كل قائمة، والتي بدورها لن تشمل إلا مرشح قوي وقادر واحد فقط، لأن كل مرشح قوي وله فرصة، لن يجازف بمشاركة آخر بالمواصفات نفسها في القائمة نفسها، بمعنى أنها ستكون “قوائم وهمية”، فرصة شخص واحد فيها فقط هي المضمونة، وباقي أعضائها هم حطب المحرقة أو الكومبارس كما أسلفنا.

هنا يبرز تساؤل هام حول إمكانية حدوث انشقاقات حزبية وخيانات على أساس مالي، مع إمكان حدوث نزاعات جهوية قياسًا على حجم كل قبيلة؟

نزاعات قبلية

الإجابة بلا مواربة هي نعم، وهي الفرضية التي أغفلها كما قلنا مؤيدو نظام القوائم من الإسلاميين أو الليبراليين على حد السواء، سواء عن عمد أو عن غير عمد، وسيغرق الجميع في البحث عن قوائم برأس واحد مركزي، وبأعضاء مهيأون لأسباب شخصية أو مالية للتضحية بأنفسهم من أجل زعيم القائمة أو رمزها الأبرز، والذي سيتكلف ماليًا بمقابل هذه التضحيات، هنا ستبرز في الساحة السياسية طبقة صيادي الفرص للضغط على المرشحين الأساسيين وابتزازهم، لتفقد بذلك الفكرة الانتخابية للبرلمان معناها الأبرز.

مكسب حكومي

في المقابل قد تكون الدولة نفسها بالأردن تحتفظ بخطة عميقة غير علنية هدفها تعزيز هذه الثقافة في عملية الترشيح وبالتالي ضمان عدم تشكل كتل معارضة داخل البرلمان على أساس حزبي أو أيديولوجي محدد، أو على العكس قد تكون الحكومة تحتفظ بخطة بديلة للتخفيف من ضرر نظام القوائم الوهمية عبر السماح لنسب معينة حزبية وجهوية بالترشح والنجاح وهي الخطة التي ستقود خيوطها فقط لنفس النقطة الأولى وهي عدم تشكل كتل معارضة لها بالبرلمان أيضًا.