البايس: بدون نفط.. لا يمكننا فهم المملكة العربية السعودية


البايس – إيوان 24

في الفترة الأخيرة، بدأت المملكة العربية السعودية في الانتقال من الدولة الريعية، إلى دولة اقتصاد السوق الحديثة.

بدون نفط، أصبح من الصعب فهم المملكة العربية السعودية. كما أن السياسات الجديدة للمملكة أصبحت غير واضحة، أمام تراجع العلاقة بين الرياض وواشنطن، المبنية على أساس التحالف التاريخي، الذي يقضي بتقديم البترول مقابل الحماية. وأمام هذا التغيير تراجع دور المملكة الرائد في تحديد الأسعار العالمية وفقدت وزنها الجيوسياسي في الشرق الأوسط.

وتجدر الإشارة إلى أن ميزانية الدولة تعتمد على 80 بالمائة من عائدات النفط، التي توفر نسبة 45 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، و 90 بالمائة من الصادرات. كما أن أراضيها تحتوي على مخزون ثري من احتياطي النفط، وهي كذلك ثاني أكبر منتج للنفط بعد روسيا.

بدون نفط، لا يمكن للمملكة أن تحافظ على المرتبة الثالثة في العالم في الإنفاق على وزارة الدفاع، كما أنه لا يمكنها أن تواصل قيادة الحرب في اليمن وتقديم المساعدة للمعارضة السورية أو تقديم المساعدات للمشير السيسي.

فضلا عن ذلك، فهي لن تتمكن من مواصلة نشر نموذج الإسلام الخاص بها عبر العالم، الذي تحمل لواءه من المغرب إلى أندونيسيا، عبر المدارس الدينية والمساجد التي تمولها المملكة العربية السعودية. كما أن مهمة تمويل الحرب في أفغانستان ضد الإتحاد السوفياتي، كانت من نفقة المملكة. وفي ظل غياب عائدات النفط في المملكة، يمكن حتى لتنظيم القاعدة أن يتلاشى.

وكان النفط، ولا يزال، كل شيء في المملكة العربية السعودية، لدرجة أن المملكة خصصت وزارة كاملة لإدارة سياسة النفط لوحدها. كما اعتاد أن يمكث وزراء هذه الثروة لمدة طويلة في نفس المنصب؛ حيث كان للملوك السعوديين السبعة، فقط أربعة وزراء نفط.

 وكان وزيرها الأكبر هو علي النعيمي (80 عاما) والذي شغل هذا المنصب منذ عام 1995. كما أن الوزير، عبد الله الطريقي، الوحيد الذي احتل هذا المنصب لمدة قصيرة، وهي سنتين، أسس هذا الأخير منظمة البلدان ة للنفط، أوبك، وتآمر مع حركة الأمراء الأحرار، الناصريين والقوميين. ولهذا السبب تم عزله.

وزيادة عن ذلك فإن أول شركة سعودية، وهي شركة النفط الحكومية أرامكو. هي الأولى من نوعها في البلاد وحتى حول العالم، على الرغم من أنها غير مدرجة في البورصة؛ فحسب “بلومبرغ”، كوّنت هذه الشركة ثروتها من احتياطي النفط وقدرتها الكبيرة على الإنتاج. كما يملك رئيس هذه الشركة، تقريبا نفس صلاحيات وزير النفط، إلى درجة أنه بإمكانه التدخل في مهام الوزير أو إدارتها عوضا عنه.

وقد حدث هذا الأمر، عندما أعاد الملك سلمان، 89 عاما، تسمية هذه الوزارة لتصبح “وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية”، أيضا عندما قام باستبدال وزير النفط، بالرئيس التنفيذي السابق لشركة أرامكو، خالد الفالح، وتنصيبه على رأس هذه الوزارة. وقد اقترح هذا التعديل الوزاري، ابنه  محمد بن سلمان، البالغ من العمر 30 سنة.

ويعتبر ما قام به الملك سلمان ثاني تجاوز منذ تسلمه الحكم في يناير/ كانون الثاني عام 2015، بعد وفاة أخيه غير الشقيق، الملك عبد الله. ففي غضون ثلاثة أشهر من توليه الحكم، قام الملك الحالي بتنصيب ابن أخيه محمد بن نايف، كولي للعهد مكان أخيه غير الشقيق، مقرن بن عبد العزيز، ومن ثم نصب ابنه ولي ولي العهد. وتعتبر هذه الإجراءات غير عادية ولم يسبق لها مثيل في تاريخ آل سعود؛ ذلك أن المملكة لم تشهد من قبل إعفاءا لولي العهد من منصبه.

في الآونة الأخيرة، حدثت عديد الأشياء ولأول مرة في تاريخ المملكة. فمنذ عام 1953، تداول ستة أبناء مؤسس المملكة على الحكم، لكن لأول مرة يتواجد الأحفاد في سلسلة الورثة. وكذلك للمرة الأولى، تنتمي السلطات الثلاث الأولى إلى نفس النسب الأبوي، وهو أحد التفاصيل المهمة في نظام تعدد الزوجات. وفي هذه الحالة، من المعروف أن هؤلاء الثلاثة هم من السديريين، أحفاد حصة السديري، زوجة سعود المفضلة.

وحسب الأمير محمد بن سلمان، يتركز اهتمامه على الحد من تعلق المملكة بالنفط. لكن، اعتبر هذا القرار مزحة إلى حد ما، لأن المملكة السعودية لا يمكنها أن تحيى بدون نفط. وكانت الخطوة الأولى التي اتخذها الأمير الشاب، هي خصخصة جزء صغير، أقل من 5 في المائة من شركتها النفطية العملاقة. كما ينوي الأمير القيام بمزيد من الخصخصة، كمحاولة لتنويع الاقتصاد ومنافسة باقي الدول في قطاعات أخرى، أيضا قرر إلغاء الإعانات مثل دعم البنزين والماء والكهرباء.

فضلا عن ذلك يسعى الأمير الشاب إلى إشراك السعوديين والعنصر النسائي السعودي في سوق العمل وتجاوز العديد من المشاكل؛ حيث أن أكثر من نصف القوى العاملة هم من الأجانب، ذلك أننسبة البطالة في صفوف الشباب مرتفعة جدا وتستثنى النساء من اليد العاملة. كما يعمل على إنعاش السياحة الدينية اعتمادا على دعم الحج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة. إضافة إلى بناء المتاحف ودعم السياحة الثقافية والترفيهية.

إن القيام بكل هذه الأمور وفي نفس الوقت، ليس أمرا سهلا. كما أن هذه السياسة ستكون متناقضة إلى حد ما؛ حيث أنه يمكن أن تؤدي إلى تليين علاقتها مع إيران، لأن نفقات الدفاع في المملكة تقتطع 25 بالمائة من الميزانية العامة، في الوقت الذي تسعى فيه إلى خفض العجز العام، الحاد نوعا ما، الذي بلغ 15 بالمائة هذا العام.

كما تجدر الإشارة إلى أن مبادرة الملك الشاب تأتي في الوقت الذي تقع فيه المملكة في دوامة عدم الاستقرار الجيوسياسي؛ بسبب الحرب الباردة مع إيران، والحرب الملتهبة مع ثلاث دول مجاورة، والصراع الفلسطيني والإرهاب؛ الذي يقوده كل من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة. ولتغطية هذه التحركات الكبيرة، يجب أن لا يعتمد الاستثمار على الخصخصة الجزئية لشركة أرامكو.

دون النفط، ستصبح المملكة العربية السعودية دولة مختلفة عما هي عليه اليوم. وسيحدث نفس الشيء إذا تخلص السديريون من الاعتماد على النفط بحلول عام 2030. زيادة عن ذلك، يمكنها أن تفقد لقب المحارب؛ الأساس الذي تكونت من أجله المملكة.