ديفيد بتريوس: الخطاب التعصبي ضد الإسلام يساعد الإرهابيين


واشنطن بوست –

“ديفيد بتريوس هو جنرال أمريكي متقاعد، قاد قوات التحالف في العراق 2007-2008 وفي أفغانستان 2010-2011 وشغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية 2011-2012.”

بعد مرور ما يقرب من 15 عاما على هجمات 11/9، وخمس سنوات على مقتل المهندس الرئيسي لتلك الهجمات، تواجه الولايات المتحدة والعالم خطرا متزايدا من الإرهاب. ويجب أن تبلغ هذه الحقيقة القاسية الحوار الوطني ونحن نستعد لانتخاب قائدنا القادم للقوات المسلحة.

في الوقت الذي انزلقت فيه دول الشرق الأوسط إلى حرب أهلية، استغلت الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية الاضطرابات للاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي وحشد المجندين من خلالها وفرض حكم شمولي على الناس المحاصرين في هذه الأراضي، والتخطيط لشن هجمات على بقية العالم.

ولن يواجه الرئيس الأمريكي القادم مسؤوليات أهم من إحباط هذه الخطط الإرهابية، ومحو الظروف التي مكنت المتشددين من الظهور، والمكافحة الشاملة للأيدولوجيا الاسلامية المتطرفة التي تحرك هؤلاء المتشددين.

وسوف يكون من الخطأ أن نقلل من المخاطر المستمرة التي تشكلها هذه الجماعات. وعلى الرغم من انخفاض عدد شخصيات القيادة العليا لتنظيم القاعدة بشكل كبير، وعلى الرغم من التقدم المشجع الذي يتم إحرازه ضد الدولة الإسلامية في العراق، وبدرجة أقل في سوريا، تظل هذه المنظمات منظمات مرنة وقابلة للتكيف. وعلى الرغم من أن الشبكات الاسلامية المتطرفة لا تشكل تهديدا “وجوديا” على الولايات المتحدة على غرار الأسلحة النووية السوفيتية يوما ما، إلا أن دمويتهم وطموحهم بارتكاب إبادة جماعية يجعلهم حركات خبيثة فريدة من نوعها على الساحة العالمية.

كما لا يمكن “احتواء” هذه الجماعات. بل على العكس من ذلك، أظهرت التجربة التاريخية من أفغانستان قبل هجمات 11/9 إلى سوريا وليبيا اليوم، أنه بمجرد أن يتم السماح لهذه الجماعات بإنشاء ملاذ لها، فسوف تستخدمه حتما لزعزعة الاستقرار وشن أعمال العنف.

وعلاوة على ذلك، فإن الحقيقة تقضي بأن المجتمعات المتحررة والمفتوحة مثل مجتمعاتنا تعتمد على الشعور بالأمن بشكل أساسي لكي تعمل. وإذا نجح الإرهاب اختراق ذلك الوضع، فإنه يمكن أن يهدد نسيج ديمقراطيتنا، وهو ما يمثل في الواقع عنصرا أساسيا في الاستراتيجية الإرهابية.

ولهذا السبب، شعرت بقلق متزايد إزاء الخطاب السياسي التحريضي الذي أصبح شائعا الآن في الداخل والخارج على حد سواء ضد المسلمين والإسلام، بما في ذلك المقترحات المقدمة من مختلف القيادات للتمييز بين الناس على أساس دينهم.

ويبرر بعضهم هذه التدابير باعتبارها ضرورية للحفاظ على سلامتنا رافضين توجيه أي انتقاد لهم باعتبار موقفهم “رشد سياسي”. والبعض الآخر يقلل من  شأن مثل هذه الخطابات وينظر إليها على أنها تجاوزات في الحملات الانتخابية هنا وفي أوروبا، وسوف تتلاشى بعد انتهاء الانتخابات.

وأخشى أن يخطئ كلاهما. وفي الواقع، يمكن أن تكون تداعيات مثل هذه الخطابات ضارة للغاية ودائمة.

وعلى المستوى السياسي، تأتي هذه المفاهيم بنتائج عكسية تماما: فبدلا من جعل بلدنا أكثر أمنا، سوف تضاعف الخطر الإرهابي الخطير بالفعل على مواطنينا. بينما على المستوى الفكري، تعتبر هذه الأفكار سامة وغير القابلة للتحلل، فهي نوع من السم بمجرد أن يسري في جسدنا السياسي، سوف يصعب التخلص منه بسهولة.

وبعيدا عن الاعتبارات الأخلاقية، يجب أن يدرك أولئك الذين يتفقون مع خطاب الكراهية ضد المسلمين أنهم يدعمون مباشرة تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. فقد كان أمل الإرهابيين الواضح يكمن في محاولة اثارة صدام بين الحضارات عن طريق إخبار المسلمين أن الولايات المتحدة في حالة حرب معهم ومع دينهم. وعندما يقترح الساسة الغربيون التمييز ضد الإسلام، فإنهم يعززون بذلك دعاية الإرهابيين.

وفي نفس الوقت، تقوض مثل هذه التصريحات مباشرة قدرتنا على هزيمة المتطرفين الإسلاميين من خلال استعداء وتقويض الحلفاء الذين نحن في أمس الحاجة إلى مساعدتهم من أجل الفوز في هذه المعركة وهم: المسلمون.

وخلال اشتداد الأوضاع في العراق، كنا قادرين على دحر تيار تنظيم القاعدة والمسلحين المرتبطين به لأننا نجحنا في تعبئة العراقيين – خاصة العرب السنة – للانضمام إلينا في محاربة الشبكات السنية المتطرفة السنية إلى حد كبير الموجودة بينهم. وفي وقت لاحق، نفذنا حملة على الميليشيات الشيعية المدعومة من ايران، بدعم مهم من قوات الأمن العراقية ذات الغالبية الشيعية.

وبالمثل، كانت الاطاحة السريعة بنظام طالبان بعد هجمات 11/9 ممكنة بفضل شراكتنا مع المقاتلين المسلمين من تحالف الشمال الأفغاني. وفي جنوب شرق آسيا، تم دحض الجماعة الاسلامية ،أحد أكثر الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة خطورة، من خلال العمل مع حكومة اندونيسيا – أكبر بلد ذات أغلبية مسلمة في العالم – .

والأمر الجيد في هذه الأيام هو أن مئات الآلاف من المسلمين يقاتلون اليوم لهزيمة الإرهابيين الذين يرغبون في قتلنا جميعا. وهذا يتضمن الجنود الأفغان الشجعان الذين يحاربون تنظيم الدولة الإسلامية وحركة طالبان، بالإضافة إلى القوات الخليجية التي تقاتل في اليمن كلا من الحوثيين المدعومين من إيران وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. فضلا عن القوات العربية والكردية التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. وفي الواقع، يجب علينا بذل المزيد لدعم شركائنا هؤلاء.

ولا مفر من إرسال قوات برية إلى الأراضي التي تهيمن عليها الشبكات الإرهابية بعد تطهيرها من هذه الشبكات. والسؤال هو هل ينبغي أن يتشكل الجزء الأكبر من تلك القوات البرية – سواء في اليمن، أو ليبيا، أو الصومال، أو أفغانستان، أو العراق، أو سوريا، أو نيجيريا، أو مالي –  من قواتنا أم من قوات شركائنا المسلمين المحليين؟

وأخشى أن تؤدي عملية شيطنة وتشويه الإسلام إلى ترجيح الاحتمال الآخر وهو أن تتحمل قواتنا في نهاية المطاف عبء القتال في هذه المعركة بما يكلفنا المزيد من الخسائر في الأموال والأرواح.

كما يجب علينا أن نعترف بأن الأمريكيين المسلمين الوطنيين في وكالات الاستخبارات والقوات المسلحة الأمريكية – وكثير منهم من المهاجرين أو من أبناء المهاجرين – كانوا من الدعائم المهمة في هذه المعركة مع الإسلام الراديكالي.

كما أدى بناء علاقات من الثقة والتعاون بين وكالات تنفيذ القانون والمجتمعات الإسلامية في الولايات المتحدة إلى تشكيل دفاعنا الأكثر فعالية ضد التطرف الداخلي وهجمات الذئاب المنفردة.

ومرة أخرى، لا شيء من هذا ينكر أو يقلل من الحقيقة القائلة أننا في حالة حرب مع التطرف الإسلامي والتعصب الايديولوجي الذي يرتكز على تفسيرات ملتوية للإسلام. كما لا يقلل هذا من أهمية الحاجة إلى اتخاذ تدابير استخباراتية ذكية لمنع الإرهابيين من التسلل إلى حدودنا واستغلال سياسات الهجرة لدينا.

ولكن لإن خطر التطرف الإسلامي أمر خطير للغاية، يجب على السياسيين في الداخل والخارج الذين يحاولون اللعب على وتر التعصب ضد المسلمين أن ينظروا في الآثار المترتبة على خطابهم. تشويه صورة عقيدة دينية وأتباعها لا يتناقض فقط مع قيمنا الأساسية كدولة، بل يقوض أيضا من مصالح الأمن القومي الحيوية، ويؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض نجاح الولايات المتحدة في هذه الحرب.