واشنطن بوست: هل الدول الإسلامية أكثر عنفًا؟


واشنطن بوست –

لقد حدثت معظم الحروب الأهلية الأخيرة في البلدان الإسلامية، والغالبية العظمى من الضحايا هم من المسلمين. هذا ليس “صدام الحضارات“. إنّها معركة داخل العالم الإسلامي.

الحروب بين الدول أصبحت نادرة الآن، وتتركز الحروب الأهلية إلى حد كبير في شكل قوس يمتد من أفريقيا الوسطى إلى القوقاز. وكما ترون في الخريطة أدناه، في معظم الدول في منطقة الصراع هذه، يمثل المسلمون الأغلبية. تحدث الصراعات المسلحة الصغيرة في 30 دولة منتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم.

تقلصت الحروب بين الدول والحروب الأهلية في العالم، لكنَّ القتال مستمر في الدول الإسلامية

جادل تقرير الأمن الإنساني والكتب التي نشرها جوشوا غولدشتاين وستيفن بينكر أنَّ الحروب قد انخفضت في جميع أنحاء العالم، بين وداخل البلدان نفسها. وقد ازدادت أعمال العنف، وخاصة في سوريا، ولكنَّ أعمال العنف في سوريا لا تتطابق مع ما رأيناه في كوريا وفيتنام.

الحروب الأهلية المتبقية – التي يصفها العلماء بالصراعات المسلّحة والتي راح ضحيتها أكثر من 1000 شخص في عام واحد – هي أقل عددًا ولكن أكثر كثافة من الناحية الجغرافية، كما تبيّن لنا في مقال نُشر مؤخرًا في مجلة البحوث والسياسة. وبالرغم من أنَّ العنف المسلّح قد تراجع بشكل عام منذ نهاية الحرب الباردة، إلّا أنَّ أعمال العنف تزايدت منذ عام 2011، ولا سيما في البلدان الإسلامية.

البلدان ذات الأغلبية المسلمة باللون الأخضر والحروب الأهلية (2011-2014) المحددة بالنجوم في المركز الجغرافي لكل صراع. بيانات عن الحروب الأهلية من برنامج بيانات الصراع “أوبسالا”. وبيانات عن التركيب الديني للسكّان من مركز بيو للأبحاث. الخريطة من البروفيسور هالفارد بوهاج، معهد أبحاث السلام في أوسلو.

في عام 2012، كان هناك ستة حروب أهلية في جميع أنحاء العالم. وقعت تلك الحروب داخل البلدان الإسلامية: أفغانستان، باكستان، السودان، الصومال، سوريا واليمن. ومن بين الجماعات المتمردة التسع في هذه الصراعات، كان سبعة منهم ذات أيديولوجية إسلامية.

في حين كان عام 2012 العام الأكثر تطرفًا، وقعت أغلبية الحروب الأهلية في العقد الماضي في البلدان ذات الأغلبية المسلمة. لم يكن الحال كذلك خلال الحرب الباردة، عندما كان المستبعد حدوث حروب أهلية داخل الدول الإسلامية عن غيرها من الدول الأخرى.

ولكن منذ سقوط جدار برلين في عام 1989، انخفض عدد الحروب الأهلية بشكل كبير في معظم أنحاء العالم، على الرغم من أنّه كان بمعدل أقل من ذلك في البلدان الإسلامية. وقد اندلعت العديد من الحروب الأهلية التي انتهت بعد نهاية الحرب الباردة بسبب التنافس بين القوتين العظميين.

وعلى الرغم من أنَّ الحروب الأهلية بين المسلمين قد ازدادت في السنوات القليلة الماضية، إلّا أنَّ تراجع الأنواع الأخرى من الصراع هو السبب الرئيسي وراء تأثر الخريطة العالمية للصراع بالمتمردين الإسلاميين والحروب الأهلية في البلدان الإسلامية.

المسلمون يقاتلون بشكل رئيسي بعضهم البعض، ولا يقاتلون الغرب

في حين أنَّ الهجمات على غير المسلمين تحظى باهتمام كبير من وسائل الإعلام الغربية لأسباب مفهومة، فإنَّ الغالبية العظمى من المتمردين الإسلاميين يقاتلون الحكومات في البلدان ذات الأغلبية المسلمة. في الواقع، على مدى السنوات الثلاث الماضية، أكثر من 90 بالمئة من الضحايا في كل الحروب الأهلية هي كانت في الدول الإسلامية، وخاصة في سوريا، وكذلك في أفغانستان والعراق.

وحتى لو انتهت الحرب الأهلية في سوريا غدًا، ستمثل بلاد المسلمين أغلبية ضحايا الحروب الأهلية بأغلبية ساحقة، رُغم أنَّ المسلمين يشكّلون أقل من ربع سكّان العالم.

الصورة قاتمة وسوداوية أيضًا إذا نظرنا إلى أشكال أخرى من العنف. منذ الحرب الباردة، استضافت الدول الإسلامية أكثر من نصيبها من الحروب بين الدول، والإبادات الجماعية، والاغتيالات السياسية غير المنظمة للمدنيين، والصراعات بين الجماعات والفصائل التي لا تنطوي على الحكومة، والإرهاب السياسي الحكومي وعقوبات الإعدام. كما شهدت البلدان ذات الأغلبية البوذية والهندوسية وليهودية العديد من هذه الأنواع من العنف. ولكنها ديانات الأغلبية في عدد قليل من البلدان، وصراعات تلك الأديان قليلة عمومًا. ولذلك، فإنّها لا تمثل سوى القليل من العنف في الكرة الأرضية.

الإسلام والمسيحية هما من “الديانات التبشيرية”، ويشير الكثيرون إلى أنَّ الصراع بين المسيحيين والمسلمين يحدث نتيجة لذلك. ولكن ما نراه هو سلسلة من الصراعات الخطيرة داخل المنطقة الإسلامية، على الرغم من أن لديها نتائج متباينة في بلدان أخرى.

أقلية فقط من المسلمين في العالم يعيشون تحت وطأة الحروب الأهلية

دعونا نكون واضحين: ليس كل المسلمين في العالم يعيشون في بلدان تعاني من حرب أهلية. في الواقع، معظمهم لا يعيش في تذلك البلدان. ومن بين 10 بلدان تضم أكبر عدد من المسلمين، ثلاث دول فقط – باكستان ونيجيريا والعراق – شهدت حربًا أهلية في عام 2014.

الدول السبع الأخرى – بما في ذلك إندونيسيا والهند وبنغلاديش ومصر، أربع من الدول الخمس التي تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم – لم تواجه حربًا أهلية لمدة عشر سنوات أو أكثر. ليس بالضرورة أن تكون تلك الدول تعيش في سلام واستقرار، إذ شهدت بعض الدول مثل الهند ومصر بعض الاضطرابات التي تحوّلت إلى عنف في بعض الأحيان، ولكن لم يكن هذا العنف قويًا بدرجة كافية ليتم تعريفه على أنّه حرب أهلية؛ أي صراع مسلّح مع ما لا يقل عن 1000 حالة وفاة في عام واحد.

لماذا نشهد الكثير من العنف بين المسلمين؟

بعد أن أصبحت الصراعات في العالم أقل دموية بشكل مطرد، لماذا الوضع مختلف في العالم الإسلامي؟ التفسيرات المحتملة كثيرة. وفيما يلي نستعرض بعضها.

أولًا، معظم هذه البلدان يواصل النضال ضد الحدود التعسفية التي فُرضت خلال وبعد الحقبة الاستعمارية. الصراعات الإقليمية غالبًا ما تستغرق وقتًا طويلًا لحلها. والسبب الثاني هو الأهمية الاستراتيجية في الشرق الأوسط، نظرًا لموقعه بين الشرق والغرب، والثروة النفطية الوفيرة، التي تدعو القوى الكبرى للمشاركة، سواء من أجل الخير أو الشر. على مدى السنوات الخمسة عشر الماضية، حلّت التدخلات العسكرية محل الديكتاتوريات المستقرة نسبيًا بدول شبه ديمقراطية غير مستقرة حيث الحرب الأهلية لا تزال محتدمة. حتى الربيع العربي، الذي كان في البداية انتفاضة شعبية غير عنيفة، لم ينجح في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، مما أدى إلى حالة الفوضى والكارثة الإنسانية التي نراها اليوم.

ويقول بعض منتقدي الإسلام أنّه أكثر عنفًا بالفطرة من الديانات الأخرى. ولكن كل الأديان تشمل عناصر العنف والسلام أيضًا. ما يختلف مع مرور الوقت هو كيف يمكن للمسؤولين البارزين-  الدينيين والسياسيين – التأكيد على الأجزاء المختلفة من الرسالة.

لاحظ العديد من المراقبين أنَّ الدول الإسلامية كانت أقل من المتوسط في التنمية السياسية، وخاصة فيما يتعلق بوضع المرأة. وباستثناء الثروة النفطية، فإنَّ أداء معظم الدول الإسلامية سيئ للغاية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية أيضًا. وقد أظهرت العديد من الدراسات أنّه بعد تصحيح هذه العوامل، ستصبح الدول الإسلامية أقل عنفًا من الدول الأخرى.

ولكن هل يجب علينا السيطرة على شيء قد يكون جزءًا محتملًا من التفسير؟ إذا كان الدين يؤثر على التنمية، فإننا إذن لا نستطيع السيطرة على مستوى التنمية في تحليل الآثار المترتبة على ذلك الدين. ولذا، يصبح لغز البحث هو كيفية تقييم الأثر النهائي للدين على التنمية فضلًا عن العنف.

وأيًا كانت الأسباب، فإنّه من المفيد أن نأخذ بعين الاعتبار أنّه في حين أنَّ هناك مخاوف مبررة من مفهوم الإرهاب الإسلامي في أوروبا، إلّا أنَّ الإرهابيين وجدوا أن الغالبية العظمى من الضحايا هم أقرب إلى مواطنهم الأصلية. إنَّ دائرة العنف التي تعصف الآن بالعديد من الدول الإسلامية تثير مخاوف سياسية خطيرة.