"تبليغات الصحف" تتسبب بفقدان السوريين لمنازلهم وإلغاء حقوقهم


ازداد مؤخراً فقدان سوريين لمنازلهم بطريقة غير قانونية، كما طُلقت نساء من أزواجهن، بسبب "فشل قانوني" تمارسه أجهزة نظام بشار الأسد، عبر الاعتماد على "تبليغات الصحف" التي بموجبها تسقط المسؤولية القانونية عن الجهاز القضائي، فيما يخسر المواطن المدعى عليه حقوقه دون أن يعلم.

صحيفة "الأخبار" اللبنانية المساندة لنظام بشار الأسد، أشارت في تقرير لها، نشر أمس الثلاثاء، إلى هذه المشكلة التي باتت تواجه أعداداً كبيرة من السوريين، بسبب الظروف التي تمر بها سورية، وخروج مناطق عن سيطرة قوات النظام، بالإضافة إلى اشتعال مناطق أخرى يصعب الدخول والخروخ منها.

وقالت الصحيفة إنه "في ضوء الانزياحات الديموغرافية الهائلة التي تسببت بها الحرب، وخروج مناطق عدة عن سيطرة الحكومة، كان من الطبيعي أن تجد مثل هذه الظروف الاستثنائية صداها في أروقة القضاء ولدى الأطراف المتخاصمة، فتزداد حالات اللجوء إلى الصحف اليومية لتبليغ الخصوم، ولاحقاً استصدار أحكام قضائية غيابية بحقهم".

وتضيف أن ما اعتبر حلاً لتعذر تبليغ بعض الأطراف المتخاصمة، كان بمنزلة ثغرة إجرائية "ثمينة" استغلها كثيرون، بعضهم لتسريع إجراءات التقاضي في غياب خصومهم وحسم الدعاوى لمصلحتهم، والبعض الآخر وجد فيها نافذة للسطو قانونياً على ممتلكات مواطنين من عقارات وسيارات وغيرها.

وهذا أمر ينطبق على جميع الدعاوى، التي يجري تبليغ الخصوم عبر الصحف، فإلى جانب دعاوى تثبيت شراء عقارات وسيارات، وهي الأكثر شيوعاً وأخطرها، هناك دعاوى التفريق لعلة الشقاق والغياب، والمطالبة بمهر ونفقة، والدعاوى المتعلقة بتسديد قروض مصرفية وديون شخصية، والتي يتم لاحقاً بيع ممتلكات المدعى عليه بمزاد علني، وغالباً بأقل من قيمتها الحقيقية، بحجة تحصيل ذمم وديون شخصية أو مصرفية.

استغلال

وتنقل الصحيفة عن المحامي رفعت الزين، توضيحه أنه "يكفي أن يقدم المدعي عنواناً للمدعى عليه على أنه يقيم في إحدى المناطق الساخنة، ويتعذر تبليغه وفق المعتاد، حتى يصار إلى تبليغه عبر الصحف اليومية وسريان إجراءات التقاضي".

ويشير إلى أن ما يثير المخاوف من إمكانية استغلال ذلك الإجراء، هو أن الحكم الغيابي في الدعاوى المدنية قطعي، ولا يمكن إعادة المحاكمة إلا لأسباب محددة، وهذا ما قد يستغله البعض لنقل ملكيات آخرين من عقارات وسيارات ومبالغ مالية من دون علم أصحابها.

ويضيف الزين أن "هذا ما حدث قبل أشهر، عندما انتشرت بكثافة ظاهرة الوكالات القانونية المزورة، واستخدمت لنقل وبيع وشراء عقارات كثيرة من دون علم أصحابها. وحتى عندما يتقدم المدعي بوثائق تثبت حقه في هذا العقار أو تلك السيارة، فربما يملك المدعى عليه، والذي لم يبلغ شخصياً بحجة الإقامة المجهولة، أوراقاً تدحض ما قدمه المدعي".

لماذا تستخدم الصحف؟

ينص قانون أصول المحاكمات الصادر أخيراً، على أن اللجوء إلى التبليغ عبر الصحف اليومية الصادرة في العاصمة يتم في حالات محددة، منها ما نصت عليه الفقرة - أ - من المادة 27 من أنه "إذا تبيّن أن المطلوب تبليغه غير معلوم الموطن أو غادر إلى جهة مجهولة تلصق خلاصة عن الأوراق على لوحة الإعلانات في المحكمة بموجب محضر، وتعلن في صحيفة يومية».

وكذلك ما نصت عليه الفقرة – أ -  في المادة 34 من أنّه "إذا تعذر التبليغ وفق أحكام المادة /22/ وما يليها بسبب ظروف استثنائية، يجري التبليغ بإحدى الصحف اليومية في العاصمة أو في أحد مراكز المحافظات".

نقاط ضعف

وتكمن نقطة الضعف الجوهرية في إجراء التبليغ عبر الصحف، في انحسار نطاق الانتشار الجغرافي، لا سيما في ظل التراجع الملحوظ لمبيعات الصحف اليومية داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام، وعدم قدرتها أو عدم السماح لها بالوصول إلى المناطق الخارجة عن سيطرته.

ويقول القاضي مازن إبراهيم إن "المشكلة لا تكمن فقط في عدم اعتياد أفراد المجتمع على قراءة الصحف، بل تكمن أيضاً في بساطة إجراء التبليغ وعدم تكبيله بشروط تضمن عدم استغلاله. فمثلاً التبليغ يجب أن يتم بالعاصمة فقط دون باقي المحافظات، وهذا يخلق حالة من جور القانون. فكيف يمكن لشخص مقيم في منطقة ساخنة أن يحصل على صحيفة تصدر بالعاصمة؟".

ويشير إلى أن "غاية المشرع كانت ايجاد حل للدعاوى المتوقفة، بسبب عدم القدرة على تبليغ الخصوم".