لماذا يتجه الأوروبيون المسلمون للتطرف؟
18 مايو، 2016
تحاكم فرنسا الآن «صلاح عبد السلام» و«محمد إبريني» لتورطهما في في هجمات باريس في نوفمبر (تشرين الثاني). المتهمان مسلمان أوروبيا الأصل، مثلهم مثل العديد من منفذي الهجمات الإرهابية في أوروبا مثل تفجيرات فرنسا وبروكسل الأخيرة، فضلًا عن تفجيرات «تشارلي إيبدو» في يناير 2015.
إرهابيو تفجيرات أوروبا أوروبيو الأصل
لماذا قد ينجر الأوروبيون المسلمون الذين نشؤوا في أوروبا للتطرف العنيف وينضمون للجماعات الجهادية أو الإرهابية؟ من وماذا هو الملام على ذلك؟ ولعل الطريق لمنع تلك الهجمات مستقبلًا يبدأ بمعرفة الأسباب والتفسيرات لتلك الظاهرة.
نشرت «الواشنطن بوست» مقالًا يعرض فيه الكاتب وجهات نظر اثنين من الباحثين البارزين في الإسلام السياسي، واللذين يستعين بآرائهما صانعو القرار والسياسات في أوروبا والغرب هما «جيليس كيبيل» و«أوليفر روي». وربما من هنا تأتي أهمية وجهتي نظرهما على الرغم من اختلافهما الشديد. فخلافهما كما يقول الكاتب ليس مجرد خلاف فكري ونقاش أكاديمي إنما هو خلاف يقبع في القلب من الفهم الغربي للتطرف الإسلامي العنيف.
تطرف إسلامي أم أسلمة التطرف
يذكر الكاتب أنه في أعقاب هجمات باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كتب روي في صحيفة «لو موند» أنه ينبغي على أوروبا أن تتوقف عن الحديث عن «التطرف الإسلامي» وتبدأ في مناقشة ما أسماه بـ«أسلمة التطرف». لا يرى «روي» أن التطرف كما يدعي البعض هو نتاج فشل أوروبا في دمج الجاليات المهاجرة، بل وذهب لأبعد من ذلك إذ قلل من دور الدين في الإرهاب والتطرف.
إضافة إلى أنه يرى ضرورة التوقف عن البحث عن التفسيرات الدينية أو الثقافية للإرهاب في أوروبا، خاصة وأن قليلًا من الأوروبيين المسلمين انجرفوا لمنزلق التطرف والإرهاب. علاوة على أنه يدحض فكرة تسبب العنصرية والتمييز في تطرف المسلمين في المجتمعات الأوروبية، ويتساءل لماذا إذًا العديد ممن انجرفوا للجماعات المتطرفة كداعش هم من الأوروبيين البيض المتحولين حديثًا للإسلام.
ولماذا نلقي باللوم على الإسلام والثقافة الإسلامية في تطرفهم، إذا كان هؤلاء تربوا ونشؤوا في مجتمعات بعيدة عن المجتمع الإسلامي ولم تكن لهم علاقة بالثقافة الإسلامية.
يصل «روي» بعد كل تلك التساؤلات لتفسير؛ إذ يقول أن هؤلاء الشباب تورطوا فيما أسماه بـ«تمرد الأجيال». مثلما حدث في أوروبا 1970 إذ انضمت مجموعات من الشباب الأوروبي الغاضب للجماعات اليسارية الإرهابية مثل «الألوية الحمراء» و«الجيش الأحمر».
يضيف «روي» أن «العدميين» عملوا على استغلال النموذج المشوه عن الإسلام وتصديره على أنه أفضل وسيلة للتمرد ضد المجتمع. وقد استخدموا الوعود بالجنة في تبرير أفعالهم والتلاعب بمن ينضم لتلك التنظيمات.
يذكر الكاتب أن الكثير من الأوروبيين المنضمين للجماعات الإرهابية ليسوا على درجة عالية من التدين بل تشير سيرتهم الذاتية إلى ارتيادهم الملاهي الليلية وليس المساجد، و تورطهم في جرائم وهم صغار السن.
لا ينكر«روي» دور الدين في التطرف، لكنه يؤكد على أن العوامل النفسية تفوقه أهمية. فيرى أن منفذي هجمات باريس ربما لا يختلفون كثيرًا عن المراهقين الذين يطلقون النار عشوائيًّا في المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية.
أم السبب هو السلفية؟
على الجانب الآخر، يعرض الكاتب وجهة نظر «كيبيل» المغايرة تمامًا لرؤية «روي».
يقول الكاتب إنه بينما كان «كيبيل» ينهي كتابه الأخير بعنوان « «Terreur dans l’Hexagoneعن الإرهاب في فرنسا، حدثت الهجمات الإرهابية في نوفمبر (تشرين الثاني). وربما حثه ذلك على الإسراع في طباعة الكتاب الذي تجاوزت مبيعاته الآلاف من النسخ.
يعتقد كيبيل أن التهميش الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمسلمين الذين ولدوا في فرنسا ساعد في خلق ما يطلق عليه «الجيل الثالث من الجهادية»، ويقصد بهم الجهاديين الذين ظهروا في الفترة بين 2005 – 2015. يرى «كيبيل» أن تهميشهم دفعهم باتجاه الأشكال المتطرفة للإسلام، بما فيهم «السلفية».
يعرف «كيبيل» «السلفية» أنها تلك النسخة المحافظة جدًّا من الإسلام المستوردة من الشرق الأوسط، والتي انتشرت بتمويل من عائدات النفط في المملكة العربية السعودية. ويرى «كيبيل» أيضًا أنه لا يمكن فصل الجهادية العنيفة عن أشكال السلفية «غير العنيفة»، كما يؤكد على أهمية المعتقدات الدينية في خلق الظروف التي تسمح بالانجرار للإرهاب.
تبادل اتهامات الأكاديميين
احتدم الخلاف بين الخبيرين «روي» و«كيبيل»، فعلى سبيل المثال سخر «كيبيل» علنًا مما أسماه «روي» «أسلمة التطرف»، أنه «يجهل الحقائق الاجتماعية»، فرد عليه «روي» في مقالٍ مدعيًا أن «كيبيل» يشن حربًا بسبب «غروره» وشبهه بـ«أوجين دي راستينياك» الانتهازي في روايات أونوريه دي بلزاك.
فقررت صحيفة «ليبراسيون» اليسارية إتاحة الفرصة لكل من «روي» و«كيبيل» بتوضيح وجهات نظرهم والدفاع عنها.
أكد «روي» أنه لا يتجاهل الدين تمامًا، وأنه يتفق مع «كيبيل» بشأن انتشار السلفية في ضواحي فرنسا الفقيرة، إلا أنه يضيف أن كل ذلك لا يفسر تطرف الناس أمثال صلاح عبد السلام. رفض «روي» فكرة أن السلفية احتضنت التطرف العنيف أو حتى أن يتم تصنيف المتورطين في هجمات بروكسل وفرنسا على أنهم سلفيون.
أما «كيبيل» فقد أكد على وجود بعض أوجه الشبه تشترك فيها جميع أشكال التطرف بأنواعها، وأكد على اعتقاده في الارتباط بين الإرهاب الجهادي والسلفية. إلا أنه انتقد التطرف باعتباره مفهومًا فيه خلط بين الجماعات والأيديولوجيات المتباينة، بما في ذلك اليساريون والفاشيون الجدد والمتطرفون الإسلاميون.
يرى الكاتب أن نقاشًا كهذا ليس مجرد نقاش أكاديمي، إنما نقاش ينعكس أثره على الخيارات السياسية للدول الغربية. فالوصول لمفهوم التطرف، والسعي لمقارنة التطرف الإسلامي بالأشكال الأخرى من السلوك المتطرف أمر غاية في الأهمية. ويرى أن في تباين آراء «كيبيل» و«روي» تكاملًا. كما يرى أنه من الضروري أن يتعاون الباحثون في التخصصات المختلفة باختلاف آرائهم في تنوير الناس بشأن أسباب انجراف البعض لمثل ذلك السلوك المتطرف العنيف الإرهابي.
ويختتم مقالته بتوجيه نقد للسياسيين ذاكرًا ما قاله رئيس الوزراء الفرنسي «مانويل فالس» إذ أعرب الأخير عن سخطه على «الباحثين عن أعذار وتفسيرات ثقافية واجتماعية». يقول الكاتب إنه ربما يتوجب على صانعي السياسات قبول تلك المناقشات المعقدة، فالسبيل لوقف الهجمات في المستقبل سيأتي فقط من خلال محاولتنا فهم السبب وراء انجرار بعض الناس للتطرف.
«تيموثي بيس» محاضر في العلوم السياسية في جامعة ستيرلينغ، في المملكة المتحدة، ومؤلف كتاب «European Social Movements and Muslim Activism» عن الحركات الاجتماعية الأوروبية والنشطاء الإسلاميين، وكتاب «Muslims and Political Participation in Britain» عن المسلمين والمشاركة السياسية في بريطانيا.