"ورثة " الحزب قتلى في سورية والسيد حسن نصر الله بانتظار مصيره


لم يعد يخفى على أحد أن إصرار حزب الله اللبناني على التدخل في الصراع السوري إلى جانب قوات الأسد للقضاء على تطلعات وآمال الشعب السوري، قد أدخلته في حالة من اللاوعي السياسي والتخبط العسكري بعيد الخسارات المتتالية التي ألحقتها به فصائل المعارضة السورية.

ولا شك أن مقتل القائد العسكري العام لقوات حزب الله في سورية مصطفى بدر الدين فجر يوم الجمعة الماضي شكل ضربة قاسية أخرى للحزب. حيث وقفت أجهزته الأمنية عاجزة أمام حوادث مشابهة بدءًا من العام 2008 عند اغتيال عماد مغنية ثم ابنه جهاد مغنية، أبو محمد الإقليم، سمير القنطار، وصولاً إلى علاء البوسنة. وجميعهم من قادة الصف الأول في الحزب.

وفيما تجاوز عدد قتلى حزب الله  في سورية 1200 مقاتل، بينهم عدد كبير من القياديين البارزين بعضهم قتل عبر استهدافه بغارات جوية إسرائيلية مباشرة، وصلت أعداد قواته المتواجدة على الأرضي السورية نحو 7000 مقاتل موزعين على مختلف الجبهات الساخنة مع المعارضة خصوصًا في حلب وريف حمص والقلمون  والغوطة الشرقية.

وبالعودة إلى حادثة مقتل مصطفى بدر الدين، والدور السياسي والعسكري الذي يتمتع به في أروقة الحزب فقد تنوعت التبريرات التي صدرت عن قيادة حزب الله و وسائل إعلامه في روايات مختلفة حيث سارعت أغلب المواقع الإعلامية التابعة لحزب الله إلى اتهام الكيان الإسرائيلي بالضلوع وراء حادثة "الاغتيال" المفترضة.

حزب الله عاد وتراجع عن اتهامه لإسرائيل في بيان له يوم أمس السبت، قال فيه:" إن الانفجار الذي أدى إلى مقتل مصطفى بدر الدين، ناجم عن قصف مدفعي لما وصفها بالجماعات التكفيرية واستهدف أحد مراكز الحزب بالقرب من مطار دمشق." وفقًا للبيان.

ووفقًا للمعطيات فإن هذا التراجع يعود إلى ضغط إيراني لإبعاد الحرج _ ربما_ عن الحليفة روسيا التي لا تزال تؤكد على استمرار التنسيق الجوي بين موسكو وتل أبيب. وهي نقطة تحسب لصالح إيران في طريقة تعاملها مع الروس تستخدمها فيما بعد إذا ما استمرت الخلافات وتأزمت العلاقات بين الحليفين. فضلاً عن التساؤلات التي سيطرحها المؤيدون للنظام الأسد قبل معارضيه عن منظومة اس 400 الروسية.

من جانب آخر وفر حزب الله على نفسه عناء أي عملية انتقامية تطالب بها الحاضنة الشعبية من إسرائيل، وهو ما يفوق قدرة الحزب الحالية التي لا تتعدى في أفضل حالاتها تفجير إحدى العربات العسكرية التابعة للكيان الإسرائيلي قرب الشريط الحدودي. لذلك فضل حزب الله الدفع بالحاضنة الشعبية من جديد إلى الجماعات "التكفيرية".

وجاءت التصريحات الإسرائيلية متناغمة إلى حد كبير مع رواية حزب الله، إذ اعتبر مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق اللواء يعقوب عميدرور، في حديثه للإذاعة العسكرية أن نبأ الاغتيال يعد " بشرى سارة وجيدة لإسرائيل"، وأكد في المقابل أن "إسرائيل ليست مسؤولة دائمًا عن عمليات اغتيال تستهدف أعداءها."، وأضاف"وضعنا يكون أفضل إذا اختفى أولئك الذين يملكون خبرة وتجربة مثل بدر الدين، من قائمة المطلوبين لدينا، وهذا سيكون أفضل لإسرائيل."

ومع استبعاد حزب الله فرضية الغارة الإسرائيلية والنفي الإسرائيلي المبطن والمباشر، كان لا بد من رواية أخرى تكون أكثر إقناعًا تجنب الحزب أعباءًا أقل صعوبة للرد، فوُجِه الاتهام للمعارضة السورية بقصف المنطقة التي كان يتواجد فيها مصطفى بدر الدين عبر استهدافها بالمدفعية. علمًا أن أقرب نقطة للمعارضة تقع في بلدة دير العصافير داخل الغوطة الشرقية وتبعد نحو 15 كيلو مترًا.

ما يثير السخرية أن المعلومات الأولية الصادرة عن إعلام حزب الله كانت قد أشارت في وقت سابق إلى أن " المقذوف" لا يطلق من منصة آلية كمدفع أو ما شابه، بل يجري توجيهه، وذلك ربطًا بعملية رصد دقيقة للمكان، وهو ما يتطلب عملاً تقنيًا رفيعًا لا يتوافر إلا لدى دول متطورة. حسب وصفها

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أي فصيل عسكري سوري معارض في ضواحي دمشق وريفها لم يتبنى بشكل رسمي أو غير رسمي لعملية "الاغتيال"، فإن تأكيد حزب الله على رواية مقتل قائده العسكري في حي السيدة زينب بالقرب من مطار دمشق الدولي. ما هو إلا حادثة مدبرة يستفز بها حزب الله مشاعر حاضنته الشعبية من جانب طائفي صرف لتستمر في دعمها لحربه المقدسة في سورية، وبداية لمواجهة جديدة يعد لها الحزب في ضواحي العاصمة دمشق مستغلاً الظرف بالتزامن مع ما تشهده الغوطة الشرقية من خلافات داخلية بين فصائلها المحلية.

وبحسب رواية حزب الله فكيف لنا أن نتصور أن القصف المدفعي للمعارضة يمكن أن يكون بهذه الدقة من حيث الزمان والمكان؟  ثم لماذا انتظرت المعارضة خروج بقية القادة الميدانيين من الاجتماع، أليس من الأولى للمعارضة أن تبادر إلى قصف مكان الاجتماع بمن فيه؟

وخلافًا لبعض الآراء فإن حزب الله بعد عملية الاغتيال سيتعمق أكثر بالحرب السورية ولن ينسحب منها في المدى المنظور، وفي الوقت نفسه تسعى قيادة حزب الله إلى استغلال مكانة مصطفى بدر الدين في بيئته، في محاولة منها لرفع المعنويات وإعادة الشحن الطائفي ضد المعارضة السورية.

وبعيدًا عن سيناريوهات حزب الله الدرامية، فإن أقرب الروايات للتصديق هي ما اعترف به الحزب نفسه قبل عدة أيام عن فقدانه الاتصال بعدد من عناصره المتواجدين إلى جانب الحرس الثوري الإيراني في معارك ريف حلب وتحديدًا في خان طومان، ما يرجح فرضية أن يكون مصطفى بدر الدين، قد قتل أثناء تعرض أحد المقرات التابعة لحزب الله للقصف التمهيدي الذي أعقبه هجوم كبير لجيش الفتح على المنطقة.

ومن هنا فإن الدموع التي ذرفها حسن نصر الله، الأمين الحالي لحزب الله قبل أيام هي انعكاس لواقع مرير وغير متوقع النتائج لأكثر اللاعبين خسارة في المستنقع السوري. سيما وأن هذا الثمن الباهض الذي لا يزال يدفعه الحزب مرتبط باتصالات بشكل مباشر بين حزب الله وقيادته في العاصمة طهران، الهدف منها إحباط أي مشروع سياسي أو دبلوماسي لتمديد وقف إطلاق النار يراد استثماره في المواجهة القائمة على الأراضي السورية.

وفي المحصلة ثمة حقيقة لا يمكن للسيد حسن أن ينكرها وهي فشله في حماية حزب الله إما من الاختراق الأمني، أو بالحفاظ على حياة قادته العسكريين، في ظل التدهور الذي تشهده البنية التنظيمية داخل الحزب نتيجة لانتشار الفساد الأخلاقي والمالي في صفوف عناصره.

وبطبيعة الحال لو كان حسن نصر الله يملك القوة أو حتى جادًا للرد على مقتل مصطفى بدر الدين، لظهر بارد الأعصاب في خطاب أكثر اتزانًا بعيدًا عن المذهبية. وليس مضطربًا أمام مقتل قادته وكوادره ومقاتليه في عمليات اغتيال بعيدة عن جبهات القتال ودون معرفة الجهات المنفذة أو حتى الإفصاح عنها، كل ذلك يدفع بالكثيرين للتساؤل عن مصير السيد حسن نصر الله، بعد مقتل الرجل الثاني في الحز. فهل كان السيد حسن يبكي على نفسه، أم على ورثته؟