‘الحرب النفسية: سرديات كاذبة وخداع’

19 مايو، 2016

سريلانكا جارديان –

العمليات النفسية هي بث المعلومات إلى شعب ما أو جماعة مستهدفة من أجل التأثير على عواطفهم، ودوافعهم، وطريقتهم في التفكير، وأخيرا، كيفية تصرفهم. وتستهدف العمليات النفسية كلا من الحكومات الأجنبية والمنظمات والجماعات والأفراد. وفي العمليات النفسية، يعد التضليل والخداع أمر روتيني متكرر. وتدخل هذه العمليات ضمن نطاق ترسانة القوات العسكرية الأمريكية على سبيل المثال.

الدليل الموجز للخداع والغش والتضليل

لا أدعي أن هذا التعريف السابق للعمليات النفسية هو مجرد شيء صحيح من تلقاء نفسي، بل تم اقتباس هذا التعريف من دليل العمليات النفسية للجيش الأمريكي المعمول به حاليا. ويمكن تحميل هذا الدليل من ذلك الرابط. وتنص افتتاحية هذا الدليل على ما يلي:

العمليات النفسية هي عمليات مخطط لها من أجل نقل معلومات ومؤشرات معينة إلى جمهور أجنبي مستهدف من أجل التأثير على عواطفهم، ودوافعهم، ومنطقهم الموضوعي، وفي نهاية المطاف، التأثير على سلوك كل من الحكومات الأجنبية والمنظمات والجماعات والأفراد. والغرض من جميع العمليات النفسية هو خلق جماعات أجنبية ذات مواقف محايدة، أو صديقة، أو معادية بما ينعكس على عواطفها ومواقفها أو سلوكها المرغوب فيه من أجل دعم تحقيق الأهداف القومية الأمريكية والمهام العسكرية. وعن طريق القيام بذلك، لا تؤثر العمليات النفسية فقط على السياسات والقرارات، ولكن أيضا تؤثر في القدرة على الحكم، والقدرة على القيادة، وإرادة القتال، والرغبة في الطاعة، والرغبة في الدعم.

ولا يعد الجيش الأمريكي استثناء في هذا الصدد. إذ أن الحرب النفسية قديمة قدم الحرب نفسها. فقد بينت ذلك في مقال بعنوان “فن الرواية في زمن الحرب”. ويقتبس الدليل الأمريكي من المنظر العسكري الألماني كارل فون كلاوزفيتز قوله “يتقاطع كل شيء في الحرب مع القوى والآثار النفسية” الذي ورد في كتابه الأبرز “عن الحرب”.

وتمارس جميع القيادات العسكرية الحرب النفسية كجزء من ترسانتها العسكرية، ولكن لحسن الحظ نشرت هيئة الأركان الأمريكية المشتركة المبادئ التوجيهية لهذه الحرب في دليل يتاح للجميع قراءته. ويوضح هذا الدليل أن الخداع والتضليل والسرديات الكاذبة هي جزء من الأساليب العسكرية المعتادة. ولكي تكون عمليات الخداع مجدية، يجب أن تبدو جديرة بالثقة ويجب أن يتم استمدادها من مصادر تثق فيها الفئة المستهدفة. ويتم مناقشة كل هذه الأمور في هذا الدليل. وجزء من الإجراءات المعتادة في هذا الصدد أن يفكر الضباط القادة في “قصة الخداع” المراد إنشاؤها.

وتعتبر حادثة خليج تونكين أحد الأمثلة المعروفة لهذا النوع من “قصة الخداع”. فقد تم اختلاق القصة عن طريق هيئة الأركان الأمريكية المشتركة حيث قالت إن البحرية الفيتنامية الشمالية قد هاجمت السفن البحرية الأمريكية في المياه الدولية. وقد أدى هذا بدوره إلى ظهور الرئيس ليندون جونسون على شاشة التلفزيون الرسمي ليعلن أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تقوم بالرد على فيتنام الشمالية. المشكلة هنا هي أن القصة كلها عبارة عن خدعة، وكان معروفا أن هذا الأمر لم يحدث. ويقول معهد البحرية الأمريكية على موقعه على شبكة الانترنت:

“… عندما تم الإفراج عن وثائق وأشرطة سرية في السنوات القليلة الماضية، جنبا إلى جنب مع الحقائق المعروفة في وقت سابق، اتضح أن كبار المسؤولين الحكوميين زيفوا الحقائق وخدعوا الرأي العام الأمريكي فيما يتعلق بالأحداث التي أدت إلى تورط الولايات المتحدة الكامل في حرب فيتنام”.

وبعد أحد عشر عاما أصبحت هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية حقيقة. وكانت حرب فيتنام قد تسببت في مقتل ما قد يصل الى 3.8 مليون شخص، وتسببت في أضرار لا يمكن إصلاحها في ثلاث دول تقريبا. كما تمت إصابة ملايين آخرين وإلحاق الضرر بحياتهم. ولازال الناس يموتون بسبب السموم التي سكبتها الولايات المتحدة الأمريكية من طائراتها. بينما كانت الخسائر الأمريكية تتمثل في 58.000 قتيلا و 303000 جريحا. وقد بدأ كل هذا الأمر بقصة كاذبة.!

الحقيقة والحرب الدائمة

منذ أن أعلن جورج بوش الحرب على الإرهاب في العام 2001 ، أصبح العالم في حالة حرب دائمة انتقلت فيها مسارح الحرب من أفغانستان والعراق إلى ليبيا وأوكرانيا واليمن وسوريا. وقد تم إذكاء كل هذه الحروب عن طريق روايات كاذبة وقصص تستدر الدموع بهدف التأثير على عواطف ومواقف الناس ،كما هو موضح في الدليل الأمريكي، من أجل نيل دعمهم في الحروب. وكان أحد أكثر هذه السرديات شهرة – أو بالأحرى أكثرهم سمعة سيئة- هو خطاب كولن باول في الأمم المتحدة في العام 2003 حيث قدم ما لا يوصف سوى بالأكاذيب الدعائية حول العراق.

وكان لورانس ويلكرسون، رئيس الأركان الأمريكي السابق، أحد كتاب هذه الخطابات التي قدمت معلومات كاذبة حول ما يسمى بأسلحة الدمار الشامل. مما أدى مرة أخرى إلى اندلاع حرب كارثية على العراق. ويدرك ويلكرسون حجم التزييف الذي حدث، ويشير إليه اليوم بقوله “ربما كان أكبر خطأ في حياتي“.

ويقول المثل: في الحرب، الحقيقة هي الضحية الأولى. وقد ثبت هذا مرارا وتكرارا خلال سنوات هذا القرن الجديد. وكانت حرب النرويج على ليبيا، التي دعمها البرلمان بالاجماع، والتي دمرت هذا البلد، مبنية ،كما هو معروف، على أكاذيب مفادها أن معمر القذافي كان على وشك أن يقتل شعبه.

وسائل التواصل الاجتماعي “القوة الناعمة” والمنظمات غير الحكومية

خلال فترة توليها منصب وزيرة الخارجية، سارت هيلاري كلينتون على نهج بوش وباول. ففي أثناء قيادتها، تطورت الحرب النفسية، التي يشار إليها الآن باسم “القوة الناعمة”، على عدة مستويات أخرى. فقد عملت وزارة الخارجية الأمريكية على بث هذه الرسالة من خلال ما يسمى بالمنظمات غير الحكومية أو منظمات المجتمع المدني، وقد تم نمذجة الرسالة في كثير من الأحيان على شكل الخطاب “النسوي” أو “التقدمي”.

وقد أحرزت هذه الوسائل نجاحا كبيرا. ففي حين كان هناك حركة عالمية كبيرة مناهضة للحرب على العراق في العام 2003، بما في ذلك أكبر مسيرة حدثت في أوسلو، بالكاد وقعت احتجاجات ضد الحرب في ليبيا وسوريا واليمن، وانقلاب أوكرانيا المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية.

والآن، يتم استخدام المنظمات الإنسانية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، أو كما في سوريا، الخوذات البيضاء، كوسائل للترويج للسرديات التي تخدم الحرب ووزارة الدفاع الأمريكية.

ومنذ العام 2003، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة جديدة تماما وقوية للغاية في نشر المعلومات المضللة والعواطف التي تذكي الحرب. ولأن الصحافة الناقدة كادت تختفي، أصبحت هذه الوسائل فعالة للغاية. وتمتلك وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ووكالة الامن القومي، والمخابرات البريطانية وحدات خاصة تخوض الحرب النفسية على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تم تطوير برامج محددة لما يسمى بتحليل المشاعر، وكذلك العديد من التقنيات لتشكيل وتوجيه الرأي العام. كما توجد برامج لإدارة حسابات شخصية وهمية على شبكة الإنترنت ويتم استخدامها من قبل أجهزة المخابرات.

وقد كتبت عن هذا الأمر سابقا في مقالة بعنوان “في وسائل التواصل الاجتماعي، يتم التلاعب بنا عاطفيا”:

“تفيد صحيفة فاينانشال تايمز أن وكالة الاستخبارت المركزية قد طورت آلية للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي. وتقول الصحيفة إن  وكالة الاستخبارت المركزية سوف تتجه نحو التوسع في استخدام برامج أمازون. وبحسب ،دوغ وولف، رئيس قسم المعلومات في وكالة الاستخبارات المركزية، فإن الوكالة راضية تماما عن هذا الأمر: انهم ذاهبون بالفعل لنقل أجزاء من عملياتهم إلى منصات أمازون. كما تبحث وزارة الدفاع الأمريكية كيفية استخدام موقع تويتر من أجل التأثير على عقول الناس“.

وتفيد صحيفة الجارديان أن الجيش البريطاني يقوم بإنشاء قوة خاصة من محاربي الفيسبوك المهرة في استخدام العمليات النفسية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي من أجل خوض حرب غير تقليدية في عصر المعلومات. وسوف تستخدم هذه القوة مهارتها في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة للتحكم في السرديات على حد قول الصحيفة.

ويعتبر جيش الدفاع الإسرائيلي رائدا في هذا المجال من الاستخدام العسكري والحكومي لوسائل التواصل الاجتماعي، كما فعل خلال عملية الرصاص المصبوب في غزة في عامي 2008-2009. حيث ينشط جيش الدفاع الإسرائيلي في 30 منصة تواصل اجتماعي، بما في ذلك تويتر وفيسبوك ويوتيوب وانستجرام، ويستخدم ست لغات مختلفة. وقد تواصلت العديد من الدول مع جيش الدفاع الإسرائيلي للاستفادة من أساليبه.

بالتوازي مع تزايد التسليح العسكري لحلف شمال الاطلسي، وتزايد عدد البلدان التي تشارك في الصراعات والحروب، فإن الحرب النفسية تتصاعد أيضا. لذلك من الضروري أن نتعلم كيفية التعرف على هذه التكتيكات، وأول شيء يمكن البدء بتعلمه هو قراءة ما يكتبه المحاربون النفسيون أنفسهم حول هذا الموضوع، كما في دليل العمليات النفسية للجيش الأمريكي.

19 مايو، 2016