عين العرب (كوباني)… العين التي تقاوم المخرز

19 أيار (مايو - ماي)، 2016

14 minutes

حسن برو: المصدر

قبل ان تبدأ برحلتك غرباً باتجاه (كوباني / عين العرب) يجب ان تحضر نفسك لكل الاحتمالات الممكنة التي ربما تصادفك وانت تحاول رؤية الحقائق كما هي لا أن تسمعها من الرواة أو ممن جاؤوا فيما بعد انتهاء الأزمة (سيطرة داعش على المدينة)، وفي مخيلتك ألف وألف سؤال بحاجة لأجوبة، ربما لن تكون شافية مهما بلغت الأجوبة حنكة وذكاءً، ولكن قد تكون رؤية دموعاً في عيني طفلة فقدت أهلها أشد الأجوبة حنكة وإقناعاً من أكبر أكبر السياسيين الذين يتلاعبون بالألفاظ والحجج لتقتنع بوجهة نظرهم.

نركب الحافلة وتكون أوراقنا وثبوتياتنا الشخصية على أهبة الاستعداد كما عناصر الأسايش (الشرطة) المتواجدين على الحواجز “لا تتأفف هذه الثبوتيات كأصحابها” إنما تتحمل الصبر مثل عناصر الأسايش وهم يدققون فيها ويطرحون بعض الأسئلة الضرورية للحفاظ على الأمن المكلفين به، كما يقولون.

الحقائق كما هي في الطرقات: أن تقصد طريق الغربي لمدينة (رأس العين/ سري كانيه) يعني بأنك تتجه بعمق في القرى العربية وبعض القرى المتناثرة للكرد الأيزيديين وتصادف الأكثرية العربية.

الطرقات سيئة وسيئة جداً، وبمجرد تجاوز بلدة المبروكة التي تبعد غرباً عن مدينة (رأس العين/ سري كانيه) وفي الطريق يجذبك منظر قرية تل خنزير المدمرة في أجزائها الكثيرة والمهجورة فيما تبقى منها إلا من بعض سكانها الذين لا حول لهم ولا قوة، هم بعيدون عن السياسة، ولكن غالبيتهم بعثيون بالفطرة لأن حكم البعث عشعش في قلوبهم لأكثر من نصف قرن، هاجر من تل الخنزير الايزيديون الكرد الطائفة المتناثرة في أصقاع أوربا ولكن بقيت بعض أراضيهم تقاوم تلاطم أمواج الطامعين فيها من الجيران.

تدقق الأوراق والأسماء عند حاجز قرية “تل خنزير” تحتوي الأسئلة على الكثير من الاستفسارات ،ولكن تعطي الأريحية للبعض وتحرج البعض الأخر، ولكن تبقى الرحلة في مأمن العابثين بها.

في الطريق يمكنك ان تجد قرى المغمورين “الدهماء والراوية” مكتظة أكثر من سابقاتها من القرى، لأن الغالبية منها وقفت على حياد في الأحداث التي جرت بين قوات الحماية الكردية وداعش، واستقبلت بعضها الهاربين من محافظة الرقة مؤخراً. وبالقرب من المبروكة تجد المئات من السيارات أو الشاحنات العابرة والمحملة بالبضائع يتم نقل بضائعها إلى شاحنات اخرى تابعة لمقاطعة الجزيرة التي تديرها الإدارة الذاتية الديمقراطية التابعة لحركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM.

يمكن أن تصادف حواجز أخرى وأشخاص أخرين ” متشابهين ” يستخدمون نفس الألفاظ والكلمات “هفال”  و”من أين أنتم” أو “لوين رايحين”  وأنت تترنح في الحافلة التي تأن تحت أثقالها وتتحاشى الحفر التي زرعتها الشاحنات الكبيرة المحملة، وهي تتنفس بصعوبة نتيجة الوقود السيء المصفى محلياً.

لتصل إلى قرى “نص تل” و”المحيسن” وبعض القرى الأخرى المتناثرة والخالية من سكانها، بعض البيوت دمرتها طائرات التحالف الدولي وأخرى مشرعة الأبواب لكل شيء إلا لساكنيها البشر.

ولكن سحنة الحواجز أو عناصرها تختلف عما سبقتها من الحواجز “فشعار أخوة الشعوب المطروحة من حركة المجتمع الديمقراطي والادارة الذاتية الديمقراطية ” تطبق بشكل جلي في هذه الحواجز فغالبيتهم من العرب وقد تصادف إلى جانبهم التركمان والكرد.

تل أبيض

تبدو تل أبيض من البعيد كواحة في صحراء لا تخريب كبير فيها إلا بعض الجدران لمدرسة وبعض المنازل المهدمة سابقاً من طائرات النظام، يقول السائق: تل أبيض لم يحصل فيها شيء، لا يمكن مقارنتها بكوباني، ويعود السبب بحسب السائق بأنه بمجرد اقتراب وحدات حماية الشعب منها وقصف طائرات التحالف لبعض المنازل القريبة توجه جميع سكانها باتجاه الحدود التركية، ولم يحصل فيها أي قتال إثر هرب غالبية الموالين لتنظيم “داعش” مع السكان المحليين بعد أن حلقوا ذقونهم  في عُجالة.

تزين ساحات تل أبيض بعض اللافتات التي تدعوا إلى الأخوة والسلام بين سكانها، وبعضها الأخر تزيين صور لشهداء العائلات المدنية الذين قضوا على يد تنظيم “داعش”، كما يرتفع علمي وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة  فيها  على سارية مرتفعة في وسط تل أبيض مكان العلم السوري السابق إضافة إلى ارتفاع علم أخر لتلك الوحدات على المعبر الحدودي بين تل أبيض وتركيا  يقابلها العلم التركي.

بمجرد عبور مدينة تل أبيض باتجاه كوباني يتبين حجم الدمار الذي لحق بتلك القرى، بعض المنازل ممسوحة بالأرض جراء قصف طائرات التحالف لها كما ترتمي على طرفي الطريق بقايا سيارات محترقة ، إضافة إلى أنفاق كانت قد غطيت بألواح من التوتياء تسمح بمرور دراجة نارية تمتد بين القرى الغربية لعشرات الكيلومترات وهي محاولة للتمويه والاختباء من رصد الطائرات التي كانت تلاحق عناصر التنظيم هذه الخنادق تصل إلى المنازل  ليسهل تنقلهم ومع ذلك لم تحقق أي أمان للتنظيم.

كوباني محاطة بالخنادق

قبل بلوغ المدينة يستوقفك خندق حُفر بعرض ثلاثة أمتار والعمق ذاته لحمايتها من المتسللين والسيارات المفخخة التي يبدع فيها “الداعشيون “، ويكون المرور اجبارياً من المداخل الثلاثة التي تؤدي للمدينة والتفتيش الدقيق من قبل القائمين عليه بطريقة تحسسك بالخطر الداهم للمدينة…. تبقى طريقة المخاطبة أكثر اتزاناً حيث  يعتذر منك عناصر “الأسايش”  للتأخير والتفتيش مؤكدين بأنها للحفاظ على أرواح الناس .

عند دخولك المدينة تحس بأنك في ” هيروشيما ” و” ناغازكي” اليابانيتين التي ألقيت عليهما القنبلتين الذريتين  بحسب الصور التي شهدناها على التلفاز، تبقى الأنفاس محتبسه لبرهة لهول الصدمة، ومع ذلك تجد نشاطاً غير متناهٍ من أبناء المدينة، المحلات مدمرة تجد من يقوم بالبيع بالقرب منها مؤكدين على الاستمرار في دورة الحياة، بلدية كوباني توسع الطريق الغربية من الأنقاض بأليات قيل إنها وصلت من البلديات التركية التي يسيطر عليها حزب الشعوب الديمقراطية.

المدينة مدمرة

لا يمكن اعتبار مدينة كوباني بأنها المكان المفضل للعيش، ومع ذلك يقاوم سكانها كل الصعوبات التي تواجههم للعيش ومحاولة البناء فيها بالإمكانات المتاحة حالياً  رغم الحصار المفروض عليها من كل الجهات، فالمدينة أغلق عنها المتنفس الوحيد وهي البوابة التركية التي اغلقت في وجه وصول المساعدات إليها بمجرد اشتعال الحرب بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، غالبية من عاد إلى كوباني  يلاقي صعوبة في التكيف مع الواقع الجديد فمعالم المدينة لا يمكن القول عنها بأنها تغيرت، بل لم يعد لها ملامح رغم أن لها نفس  المكان الجغرافي، التدمير طال كل شيء ” المدارس والمؤسسات والجوامع ” ويمكن القول بأن 60% منها مدمر والباقي  يعاني من التدمير ، والغبار يغطي كل شيء.

وغالبية السكان تقريباً باتوا يسكنون في القسم الغربي منها، والذي لم يصل إليه داعش وبالتالي لم تدمرها طائرات التحالف  الدولي واعتبارها مخنوقة سكانياً.

أغلب الأعمال تنحصر في ” الصرافة العملة وتجارة العقارات ومكاتب السيارات ” أما باقي الأعمال فقليلة والبعض الأعمال مختفية أصلاً.

لا موسم للحبوب لشحة الأمطار

عانت مدينة كوباني من شح الأمطار في هذا العام وهو سبب أخر لعدم عودة الأهالي للمدينة أو تفكير البعض الأخر للهجرة والمخاطرة بحياتهم لقطع الحدود التركية، فكوباني تعتمد بنسبة 75% من اقتصادها على الزراعة البعلية للحبوب، وتتبع لها /385/ قرية وبلدة صغيرة وتربي الأغنام والأبقار إلى جانب الزراعة إلا أن غالبية المواشي بيعت لتركيا بأبخس الأثمان أثناء هروب الأهالي لتركيا حين سيطر داعش على المدينة وقراها.

خطر داعش مازال قائماً

لاتزال القرى الغربية على شاطئ نهر الفرات” من جرابلس إلى جسر قره قوزاق ” تتلقى  بعض الصواريخ وضربات المدفعية بشكل مفاجئ تستهدف  الأهالي والمدنيين، وكما أن بقاء الألغام يهدد حياة البعض الأخر وكان أخر هذه الحوادث  وقوع اربع أطفال من عائلة واحدة ضحية هذه الألغام.

المرأة في عين العرب ظهر الرجل الباقي

أمام تمثال “أرين ميركان ”  والمهداة  من محافظة السليمانية لعاصمة المقاومة كوباني التي قامت  بتفجير نفسها بمجموعة من عناصر “داعش”  في “كوباني / عين العرب”  في محاولة  لها  بوقف  تقدم التنظيم  باتجاه المدينة على جبل مشتى النور تقف المرأة  الكوبانية  بشموخ لتثبت للعالم بأن النساء قادرات أن يقفن في وجه الارهاب وبإمكانهن أن يساندن الرجال لتثبت ” بأن وراء كل انتصار على الارهاب  امرأة  ” هذا التمثال  الذي أهداه حزب الاتحاد الوطني الذي يتزعمه الرئيس  العراقي السابق جلال الطالباني دليل على عمق العلاقة الأخوية بين الأطراف الكردية ، ومع ذلك تسعى المرأة الكردية بشكل عام والكوبانية بشكل خاص ان تثبت ذاتها على الصعيدين الاجتماعي بالدرجة الأولى  والسياسي بالدرجة الثانية بعد أن أبدت مقاومة كبيرة في الجانب العسكري فمدينة كوباني تتزين شوارعها  بصور مقاتلات كرديات قضينّ حياتهن في مواجهة الارهاب .

تقول إحدى السيدات: أرادوا أن يعيدونا إلى زمن تجارة الرقيق والسبي، ويعيدونا لخلف الرجال ويلبسوننا البرقع وكأننا حيوانات مسيرة.

أرجين مقاتلة: فتاة تدعي بأنها تمتلك حقها  في الحياة والموت هي التي تقرر ولا احد غيرها ، يمكنها ان تضحي بكل شيء في سبيل الحفاظ على كرامتها ،وكرمتها ليس بالضرورة أن تكون معلقة بالجسد إنما هي الافكار التي تؤمن بها وتناضل لأجلها .

صالحة علي، ناشطة من كوباني، تقول: عن اوضاع المرأة في كوباني بأنهن تعرضن لهزة نفسية كبيرة وقوية وخاصة بعد احتلال المدينة من فبل داعش منذ اكثر من عام ، لكون المراة كانت شاهدة على الجرائم التي ارتكبها داعش ، وحيث تعرضت المدينة ومنازلها للدمار بعد تدخل قوات التحالف الدولي ، كما ان الحياة العائلية تعرضت لهزات كبيرة  حيث استشهد البعض  في مواجهة الارهاب وهاجر البعض الأخر ، وأما الباقي  يعاني من حالة نفسية  لا يحسد عليها كون أطلال ما تبقى من المدينة شاهد على ذلك .

تقول صحيح أن الحياة بدأت تعود إلى المدينة رويداً رويداً وأصبحت المرأة في كوباني أكثر نضجاً وباتت تتعمد على نفسها أكثر من السابق  وتقوم بالكثير من الاعمال ،ولكن تظهر بعض  الظواهر السلبية بكثرة في الآونة الأخيرة مثل تزايد عدد حالات المطلقات ،كون الادارة الحالية التي اعلنتها  ب ي د تقوم بمساندة حق المرأة وتساويها بالرجل في القوانين المعمول بها في كانتون كوباني ، وتقوم المرأة باستغلال ما منح لها بطريقة فجة أحياناُ  كون المرأة في كوباني غير واعية إلى هذا الحد .

كما انها تقول بان العنوسة ازدادت بحجم كبير  بسبب هجرة الشباب لخارج سوريا ، ومع ذلك تؤكد صالحة على ان مساندة الادارة الذاتية لحق المرأة ومساواتها بالرجل بعكس النظام السابق ساهم إلى حد كبير في دخول المرأة في الحياة السياسية والعسكرية والمؤسسات الأخرى التي  تدير المنطقة وبخاصة إن غالبية المؤسسات لها رئاسات مشتركة بين الرجل والمرأة ،ولكن يبقى الواقع الاجتماعي العشائر المتخلف حجر عثرة امام الكثير من الحالات فلا يعني ان كل النساء ينعمن بالحرية ،ولا يعني بأن  الحرية الموجودة هي حرية حقيقية ” فالنساء يتعرض للاستغلال ايضاً ” وبعض الحريات ممنوحة للمرأة هي شكلية وظاهرية  تتحدى فيها المرأة الغير واعية المظاهر فقط دون أن يلمس ذلك وعيها ، لذلك يجب العمل على توعية المرأة ذهنياً من خلال التعليم والمساهمة الحقيقية في الحياة العامة وليس كديكور للتجميل  فالحرية في النهاية مسؤولية وهي ليست مطلقة إنما محددة  كما يقال فحريتي تنتهي عندما تبدأ حرية الأخرين .

كما ان المرأة  التي تعاني من ظروف نفسية  فان ذلك ينعكس على تربية أطفالها الذي يتأثر لحد كبير بالظروف التي تمر بها سوريا والحالة العسكرية الموجودة بالشوارع ،وربما سيكون هناك أثار سلبية  أخرى مستقبلاًعلى الحياة الاسرية  التي باتت مفككة   لذلك تقول بأن  فتح مراكز نسائية للتوعية  هي من الحلول المفترضة التي يجب اللجؤ إليها ،كما ان تأمين فرص العمل  سيكون لها الأثر الجيد في معالجة الأثار النفسية  التي خلفتها الحرب في مدينة كوباني وتستدرك قائلة  ولكن يجب أن يكون كل ذلك بعيداً عن أدلجة الأفكار مثلما ما هو موجود حالياً .

ولكن يبقى موضوع المرأة وحريتها  في كوباني جزء من  الكل  السوري الذي يعاني الظلم ،وهي ليست مرتبطة  بمنطقة معينة بقدر ما هي مرتبطة بالذهنية  السائدة في المجتمع الشرقي

كوباني بكل تفاصيلها رغم كل شيء تبقى رمزاً للمقاومة والارادة الكردية التي لا تلين مهما اختلف أو اتفق الساسة فيما بينهم ودخلت التاريخ بتضحيات أبنائها.

أخبار سوريا ميكرو سيريا