لماذا يستهدف تنظيم داعش سيناء؟

19 أيار (مايو - ماي)، 2016
7 minutes

فورين أفيرز –

في وقت سابق من هذا الشهر، أطلق تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حملة إعلامية ضخمة لدعم التمرد في سيناء. ونشر مسؤولون من 14 ولاية تابعة للتنظيم في العراق وليبيا وسوريا أشرطة فيديو تروّج لجماعة تابعة لداعش في مصر معروفة باسم “ولاية سيناء“. يعرض الفيديو مجموعة من الموضوعات التقليدية التي يشتهر بها التنظيم، مثل إدانات الحكومات العربية والغربية المرتدة، وتمجيد الهجمات الناجحة، والثناء على الإخوة الشهداء. لكن ما يميّز هذه المقاطع هو العدد الهائل الصادر في وقت واحد، فضلًا عن تركيزها على سيناء التي لعبت في السابق دورًا صغيرًا نسبيًا في دعاية داعش.

هذا الصخب الإعلامي يمكن أن يمثل نقطة تحوّل في استراتيجية داعش. لقد فقد التنظيم سيطرته على بعض الأراضي في العراق وسوريا، وقد تكون أشرطة الفيديو مؤشرًا على إعادة التوجّه نحو شمال أفريقيا. يمكن أن يحاول التنظيم أيضًا رفع المعنويات وتجنيد أعضاء جُدد. كما يمكن أن تنذر تلك الإصدارات باهتمام داعش المتزايد بإسرائيل، وربما تشير إلى أنها قد تكون الهدف التالي للخلافة.

حجم الحملة التي شنّها التنظيم على سيناء لم يسبق لها مثيل تقريبًا، ينافسها فقط الحملة الدعائية ضد النظام الملكي في المملكة العربية السعودية، وهي هدف طبيعي نظرًا لأهميتها باعتبارها مهد الإسلام وموقع اثنين من أقدس الأماكن الإسلامية. هذه السلسلة، التي صدرت في ديسمبر عام 2015، انتقدت الأسرة الحاكمة لعملها مع الدول “الصليبية” مثل الولايات المتحدة، ودعت السعوديين للانضمام لفرع داعش في المملكة. وبالمثل، في أحدث مقاطع الفيديو التي نشرها التنظيم يتهم الحكومة المصرية بالطغيان، ويدين علاقات القاهرة مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.

يوجه الفيديو أيضًا انتقادات لاذعة إلى الرئيس السابق محمد مرسي بسبب تحالفاته مع الحكومات العلمانية، مثل تركيا، وانتقاد الإخوان المسلمين لحكم مصر بموجب قانون “من صنع الإنسان” وليس قانونًا إسلاميًا.

تحذر السلسلة المصريين من تبني “دين الديمقراطية”، وتحثهم على “الاستيقاظ وإدراك أن الشريعة هي خلاصهم الوحيد”. لقد وصف التنظيم موقع سيناء باعتبارها “أرض النبي موسى،” ونددوا بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووصفوه بأنه فرعون جديد، ولعنوه بسبب” حماية اليهود.”

بالإضافة إلى انتقاد الحكومة المصرية، في أحدث مقاطع الفيديو يصف التنظيم سيناء بأنها “بوابة إلى فلسطين،” من خلالها “سيحرّر” داعش القدس والمسجد الأقصى. وتُظهر أشرطة الفيديو القادة المصريين والمسؤولين العسكريين وهم يجتمعون مع نظرائهم الإسرائيليين، ويصفون يهود إسرائيل “الضحايا القادمين”، بعد أن يتعامل داعش مع “المرتدين” المصريين. وحذّر أحد قادة التنظيم أنَّ الإسرائيليين سيواجهون نفس مصير شركائهم المصريين: “الخناجر التي اُستخدمت لقطع رقاب جواسيسكم ستذبح جنودكم غدًا.”

من منظور داعش”، فإنَّ استهداف الشعب المصري يبدو منطقيًا. أولًا، ربما يشعر التنظيم أن المصريين أكثر استعدادًا للتجنيد بسبب الإخفاقات الاقتصادية للحكومة وقمع المعارضة وتآكل شعبية السيسي. وعلاوة على ذلك، فإنَّ جماعة الإخوان المسلمين التي كانت قوة سياسية هائلة في السابق أصبحت موضع إدانة كل ما يحدث في البلاد. لقد استطاع الحزب السياسي للجماعة تولي السلطة لمدة عام واحد، ومنذ ذلك الحين تمّ اعتقال الآلاف من أعضائها من قِبل النظام الحالي. يمكن أن يستغل تنظيم داعش هذا الفراغ من خلال دعم ولاية سيناء، وتأطيرها باعتبارها الوسيلة الأكثر فعّالية للمصريين لتقويض نظام السيسي.

قد يمهّد التركيز على سيناء الطريق لهجوم واسع النطاق. في الواقع، بعد يوم واحد فقط من نشر مقاطع الفيديو، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن حادث إطلاق نار وقع على مشارف القاهرة. أسفر هذا الهجوم عن مقتل ثمانية من رجال شرطة بملابس مدنية، وكان أعنف حادث إرهابي في العاصمة منذ عام 2013. وقد يكون هناك مخطط لشنّ هجوم دراماتيكي ضد إسرائيل أيضًا، وهناك تقارير تفيد بأنَّ الجيش الإسرائيلي يستعد لهجوم كبير من سيناء قد يشمل الدبابات وسلاح المدفعية.

من ناحية أخرى، فإنَّ التركيز على سيناء قد تكون محاولة لصرف الأنظار عن إخفاقات داعش الأخيرة. لقد عانى التنظيم من سلسلة من الخسائر الإقليمية في العراق وسوريا هذا العام، وكانت ولاية سيناء فعّالة نسبيًا. على مدى السنوات الثلاث الماضية، كلّف التنظيم مصر ثمنًا باهظًا في الأرواح والموارد، ومئات القتلى من الجنود والشرطة والمدنيين في هجمات إطلاق النار والصواريخ وقذائف الهاون، والعبوات المتفجرة. وقد صمد أيضًا أمام عمليات مكافحة الإرهاب ثقيلة الوطأة من الدولة المصرية. في أكتوبر عام 2015، حققت ولاية سيناء أكبر إنجاز لها عندما أسقطت الجماعة طائرة ركاب روسية. تمثل ولاية سيناء نقطة مضيئة لداعش في ظلّ الهزائم المحبطة، ومن ثمّ يمكن أن تكون الحملة الإعلامية الأخيرة مجرد محاولة لرفع المعنويات خلال فترة من عدم اليقين.

وأخيرًا، قد يكون تركيز داعش الجديد على سيناء جزءًا من إعادة توجيه أوسع نحو شمال أفريقيا. في يناير الماضي، أطلق التنظيم حملة دعائية ضد قادة الجزائر وليبيا والمغرب وتونس. ووفقًا لمسؤولين أمريكيين، فإنَّ وجود التنظيم في ليبيا هو وجود “نقيلي” ينتشر ويشكّل أكبر تهديد على الأمن الإقليمي. وأشار مسؤولون أنه مع المكاسب التي يحققها التحالف التي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش في سوريا والعراق، قد يتحول التنظيم إلى ليبيا كقاعدة تراجعية. تونس، في الوقت نفسه، هي الرئيسي للمقاتلين الأجانب، بل إنها كانت موقع هجمات مدمّرة من قبل التنظيم.

في النهاية، أيًا كان الدافع وراء ذلك، تؤكد السلسلة الدعائية الأخيرة لداعش “نظرة التنظيم إلى سيناء كساحة معركة حاسمة فيما يسمى بأرض الخلافة. الوقت وحده سيخبرنا ما إذا كان داعش سيترجم هذا الاعتقاد إلى هجوم كبير آخر، واعتداءات ثائرة على الجيش المصري والإسرائيلي، أو حتى توجيه ضربة ضد قوات حفظ السلام في شبه جزيرة سيناء. لكنَّ الصخب الإعلامي الأخير للتنظيم هو رسالة واضحة إلى مصر وإسرائيل، فضلًا عن حليفهما المشترك في واشنطن، بالاستعداد لما هو قادم.