جدلٌ في تونس حول تطبيق عقوبة الإعدام بعد مقتل طفل على يد رقيبٍ بالجيش

20 مايو، 2016

يعيش الشارع التونسي تحت وطأة الصدمة والغليان بسبب جريمة بشعة ارتكبها شاب يعمل في المؤسسة العسكرية في حق طفل صغير لم يتجاوز الـ 4 سنوات حيث قام باختطافه والاعتداء عليه ثم ذبحه بطريقة شنيعة.

وتعالت الأصوات على إثر هذه الجريمة مطالبةً برفع التجميد عن تنفيذ حكم الإعدام في حق مرتكبي هذه الأنواع من الجرائم حيث يصطدم أي حكم قضائي بالإعدام بقرار رئيس الجمهورية بتخفيفه إلى السجن المؤبد عادةً.

وذكر المتحدّث الرسمي باسم وزارة الدفاع التونسية بلحسن الوسلاتي، في تصريحات رسمية، أن الجاني رقيب في الجيش منذ عام 2012، وأنه دخل السجن سابقاً، غير أن الوزارة ليس لها أدلة تثبت معاناته من اختلال عقلي.

المشرّع التونسي يقضي بالإعدام ولكن…

وفيما لم تعرف حتى اللحظة دوافع ارتكاب الجريمة وهل هناك شكوك حول السلامة النفسية للجاني، تعالت أصوات عبر شبكات التواصل الاجتماعي وفي الشارع التونسي تنادي بضرورة القصاص لهذا الطفل بتنفيذ حكم الإعدام في حق هذا القاتل لتحيي بذلك جدلاً سابقاً حول عقوبة الإعدام في تونس والتي أقرها المشرع التونسي لكنها لم تنفذ منذ ربع قرن.

فتاريخ تنفيذ آخر حكم قضائي بالإعدام شنقاً كان في سنة 1991 وطبق بحق كهل يدعى الناصر الدامرجي ارتكب سلسلة من جرائم القتل والاغتصاب اشتهر حينها “بسفاح نابل” ليجمد بعدها التنفيذ في مثل هذه القضايا بينما واصلت المحاكم التونسية إصدار أحكام الإعدام حتى اللحظة رغم عدم تنفيذها.

ضغوط خارجية

وحول هذا التناقض بين إصدار أحكام الإعدام من جهة وعدم تنفيذها من جهة أخرى يقول القاضي أحمد الرحموني لـ”هافينغتون بوست عربي” “إن السلطة التنفيذية في تونس والممثلة في شخص رئيس الجمهورية اختارت تجميد تنفيذ أحكام الإعدام وتقبّل طلبات العفو الرئاسي الخاص رغم أن الدستور التونسي الجديد لما بعد الثورة لم يلغ عقوبة الإعدام بل أضاف لها الجرائم المتعلقة بالإرهاب”.

ويرجع ذلك إلى الضغوط الخارجية والداخلية التي تمارسها منظمات حقوق الإنسان على الدولة التونسية والتي تحول دون تنفيذ أحكام الإعدام حيث كانت البلاد ولاتزال محل مراقبة مجلس حقوق الإنسان ولايزال هناك توجهٌ عام نحو الدفع بإلغاء عقوبة الإعدام بشكل نهائي، حسب قوله.

ويوضح أنه لتفادي الحرج الداخلي والخارجي ارتأت الدولة التونسية مسك العصا من المنتصف، فلا هي ألغت القانون المتعلق بحكم الإعدام ولا مضت في تنفيذه.

المنصف المرزوقي

وكان الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي قد اختار بعد الثورة تعليق تنفيذ جميع أحكام الإعدام رغم أن الدستور التونسي الجديد لم يقض بإلغائها كما أصدر بمناسبة الاحتفال بالذكرى الأولى للثورة التونسية حينها قراراً بالعفو الرئاسي على 122 سجيناً محكوماً بالإعدام وتعويض العقوبة بالسجن مدى الحياة.

من جانبه يرى المحامي التونسي عبد العزيز الصيد أن قانون العقوبات التونسي وتحديداً المجلة الجزائية ينص على عقوبة الإعدام في العديد من الجرائم كالقتل مع سبق الإصرار والترصد وجرائم الاغتصاب والجرائم الإرهابية.

و كانت المحاكم التونسية قد قضت بحكم الإعدام في أكثر من جريمة لعل آخرها منذ يومين حيث تم إصدار قرار قضائي بالإعدام في قضية قتل عون أمن من قبل متشددين.

ويشدد الصيد أن الأحكام القضائية التي تقضي بالإعدام لم تتوقف منذ سنوات لكنها تصطدم بقرار رئيس الجمهورية الذي تكون له الكلمة الأخيرة باعتباره رئيس السلطة التنفيذية.

ويستنكر الصيد تحجج البعض بعدم تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة في تونس بذريعة المعاهدات والنصوص الدولية التي وقعت عليها تونس.

ويضيف: “في اعتقادي هذه الذرائع واهية لأنها لا تغير النص القانوني والقاضي مجبر على تطبيق القانون والدليل استمرار صدور الأحكام القضائية بالإعدام ولكن ما ينقصنا فقط هو الإرادة السياسية التي لا ترغب في التنفيذ.

وقال “إنه منذ سنة 1985 ومع تعاقب الرؤساء، فإن حوالي 120 سجيناً في تونس أصدرت في حقهم أحكام بالإعدام لم تنفذ أي منها حتى اللحظة.”

ويبقى باب الجدل مفتوحاً على مصراعيه بين من يرى أن تنفيذ عقوبة الإعدام لن يردع الجريمة كما احتمال الخطأ في تقدير الحكم وارد، وبين من يرى أنها كفيلة بالحد من هذه الجرائم وتنسجم مع الشريعة الإسلامية.