‘جنكيز جندر يكتب: هل سئمت أوروبا من إردوغان؟’
20 أيار (مايو - ماي)، 2016
جنكيز جندر
لا تُعتبر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مجرد قائدةِ دولة أوروبية بارزة عارضت بشدة الانتقاد المحلي والأجنبي المتنامي الذي اصطدمت به الصفقة التي خططت لها بالتعاون مع تركيا بغية الحد من تدفق اللاجئين إلى منطقة شنغن، فميركل أيضاً قائدة الاتحاد الأوروبي الفعلي، ولا شك أن تدهور العلاقات بين تركيا وألمانيا سيكون له تأثير كبير في علاقات أنقرة المضطربة أساساً مع بروكسل.
عانت العلاقات التركية-الألمانية تدهوراً كبيراً خلال هذا الشهر، عندما اتضح أن إمكان سفر المواطنين الأتراك إلى منطقة شنغن بدون تأشيرة دخول لن يُطبَّق بحلول شهر يوليو، كما تنص اتفاقية اللاجئين التي وقعتها تركيا مع الاتحاد الأوروبي، والتي ربطت بها ميركل على ما يبدو استمرارها السياسي، فقد أعلن رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز صراحةً أن الاتحاد الأوروبي لن يضع هذه المسألة على أجندته، ما لم تستوفِ تركيا المعايير الاثنين والسبعين الضرورية للسفر من دون تأشيرة. استوفت تركيا خمسة وستين منها، أما السبعة المتبقية فشائكة بالنسبة إلى أنقرة، وخصوصاً تعديل قانون مكافحة الإرهاب الذي يُستغل راهناً لقمع أي نوع من الانشقاق.
لا عجب أن الرئيس التركي رجب طييب إردوغان عبّر عن استيائه من الاتحاد الأوروبي، فنظراً إلى ميزان القوى في تركيا، تبدو الاعتبارات الداخلية مهمة بالنسبة إلى إردوغان اليوم أكثر من أي وقت مضى، فلا يستطيع أن يظهر بمظهر الضعيف في مواجهة أي أمر، حتى الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك يعتبر إردوغان في هذه المرحلة الترويج لسياسته في مجال محاربة الإرهاب بين الشعب التركي أكثر أهمية من السفر من دون تأشيرة، فلا تتخطى نسبة حاملي جوازات السفر في تركيا الـ10%. نتيجة لذلك قد يسمح إردوغان لصفقة اللاجئين بأن تفشل، إن أصرت بروكسل على موقفها، ومن العوامل التي ترسّخ حساباته هذه قناعته القوية بأن أوروبا تحتاج إلى تركيا في هذه المرحلة من التاريخ أكثر من حاجة تركيا إلى أوروبا.
لكن تقييم إردوغان قد يكون خاطئاً، فقد كتبت صحيفة دير شبيغل في إشارة إلى صفقة تركيا والاتحاد الأوروبي: “ما عاد أحد، باستثناء المستشارة الألمانية، يهتم كثيراً بهذا الاتفاق، وينطبق ذلك خصوصاً على إردوغان: فلا يريد أن يقدّم أي تنازلات بشأن قوانين بلده الواسعة في مجال محاربة الإرهاب، علماً أن هذا الإصلاح يشكّل شرطاً واحداً في لائحة طويلة من الشروط على تركيا أن تستوفيها قبل أن يمنحها الاتحاد الأوروبي عفواً من تأشيرة الدخول. على نحو مماثل، يعرب الأوروبيون عموماً، الذين يخشون التنازل عن قيمهم لإرضاء حاكم أنقرة، عن شكوك عميقة بشأن هذا الاتفاق”.
يشمل هؤلاء الأوروبيون بعض الأصدقاء المقربين من تركيا، مثل إريك-يان زورتشر، مؤرخ هولندي وخبير بارز في الشؤون التركية المعاصرة، لكن زورتشر أعاد خلال هذا الشهر الميدالية التركية العليا التي قُدمت له قبل عقد، وقد أوضح سبب رفضه ميدالية التميّز العليا هذه في مقال انتقادي ناري نشرته الوسيلة الإعلامية الهولندية NRC في العاشر من مايو، فاتهم فيه إردوغان بأنه “حاكم سيئ مستبد”.
أكّد التوتر الناشئ بين تركيا والاتحاد الأوروبي، الذي تلا فترة من التفاؤل الكبير، توقعات بعض المتشائمين (أو بالأحرى الواقعيون!) بشأن مسألة تأشيرة الدخول، ومنهم سفير الاتحاد الأوروبي السابق إلى تركيا مارك بييريني. ففي شهر أبريل، كتب في مقال بعنوان “دراما تأشيرة الدخول الوشيكة بين تركيا والاتحاد الأوروبي”: “في الثامن عشر من مارس، وافقت أنقرة وبروكسل على صفقة تهدف إلى الحد من تدفق المهاجرين من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ووعدت، من بين أمور كثيرة، بإلغاء حاجة المواطنين الأتراك إلى تأشيرة دخول بغية السفر إلى الاتحاد الأوروبي، شرط أن تستوفي أنقرة اثنين وسبعين شرطاً تقنياً محدداً، ولكن مع هذا الاتفاق اتبع قادة الاتحاد الأوروبي بتهور دبلوماسية عشوائية، أو أسوأ من ذلك، أخفقوا في الأخذ في الاعتبار تفاعلات السياسات المحلية التركية الشفافة والمتوقَّعة”.
أصاب بييريني، ولم تنتهِ بعد هذه “الدراما”، التي ستحمل معها المزيد من التداعيات الاستراتيجية والجيوسياسية التي ستنعكس على تركيا ومستقبلها.
* “المونيتور”
المصدر: الجريدة
جنكيز جندر يكتب: هل سئمت أوروبا من إردوغان؟ على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –