‘رسالة من التاريخ إلى الأسد: مَن عاش بالسيف مات به’
21 مايو، 2016
ميدل إيست آي –
في رواية “أجاممنون” لإسخيلوس، تلك المأساة اليونانية عن حروب طروادة، تقول زوجة أجاممنون له، هذا الزوج الوحشي التي قتلته: “بالسيف عشت، وبالسيف تموت.”
قال يسوع لأحد حواريه الذي قطع أذن رجل: “رُدَّ سيفكَ إِلَى مكانه. لأَنَّ كُلَّ الذين يأخذون السيف بالسيف يَهلِكُونَ! إنجيل متى (26-52،54)
فكرة الكارما أو العدالة الشعرية لأولئك الذين يعيشون بالعنف هي فكرة أزليّة. ولكن التاريخ الحديث يشير أيضًا إلى انتقال الفكرة إلى القادة السياسيين في العصر الحديث. يمكن أن نفكر في عدد من الشخصيات التاريخية المعاصرة الذي وصل سجلهم العنفيّ في الحياة وفي القيادة إلى ذروته في زوالهم العنفيّ نفسه.
النماذج الأكثر وضوحًا هي هتلر وموسوليني وصدام حسين ومعمر القذافي، وهذا غيض من فيض. بالنسبة لأي زعيم سياسي يعيش بالسيف، يجب علينا القول إنَّ الطريقة التي من خلالها يحافظون على السلطة هي العنف، بدلًا من المناورة السياسية، والدعاية الانتخابية أو أن يكونوا أبناء للزمرة الحاكمة. عادة ما يستولي هؤلاء القادة على السلطة من خلال انقلاب، ويتمسكون بها عن طريق استخدام الإرهاب، واستخدام الحرب كخيارهم الأول في السياسة الخارجية.
هناك العديد من الاستثناءات لهذا النمط الآن، وهذا يثير سؤال إلى مدى يمكننا محاولة التنبؤ بمصير هؤلاء الحكّام الذين لا يزالون يعيشون بالسيف.
يمكن أن نفكر في ستالين، الذي جاء إلى السلطة بعد ثورة وحرب أهلية، واستمر عن طريق استخدام أشكال غير معروفة حتى الآن من الإرهاب ضد قطاعات كبيرة من الشعب، ولكنه توفي في سريره. كيف؟ من خلال القضاء على كل المنافسين المحتملين، لم يتبق أحد للإطاحة به، وعن طريق كسب الحرب العالمية التاريخية ضد ألمانيا النازية التي ضمنت بقاء النظام السوفيتي. في نفس الحقبة، ظلّ فرانسيسكو فرانكو، الذي أطاح بالجمهورية الديمقراطية في إسبانيا وأعدم الآلاف من الجمهوريين، محايدًا خلال الحرب العالمية الثانية، وبقي في الحكم حتى وفاته في عام 1975.
التقاعد المريح لدعاة الحرب
الطغاة من الدول الإمبريالية أفضل حالًا، على ما يبدو، من الطغاة في الدول الصغيرة. نابليون، الذي غزا أوروبا قبل هزيمته في معركة “واترلو”، انتهى به الحال في المنفى. قيصر ألمانيا ويلهلم تقاعد بشكل مريح وعاش في هولندا. يمكن للمرء أن يبدأ حربًا، مثل جورج دبليو بوش، ثم يختفي عن الساحة السياسية ويتقاعد. لكنَّ بوش تقاعد بعد ثماني سنوات مخزية، وهو نوع من الخروج المشروط لدعاة الحروب الديمقراطيين (وهذا ينطبق على توني بلير أيضًا).
لقد نجا بعض الذين يعيشون بالسيف عن طريق الهروب. بعد حكمه الوحشي، عاش أوغندا عيدي أمين لسنوات في جدة، في حين حظي بهايلي مريم، الزعيم الدموي في إثيوبيا الذي اضطر إلى الفرار عندما هُزمت قواته على يد الجيوش المتمردة، بترحيب كبير من روبرت موغابي في زيمبابوي، حيث لا يزال يقيم حتى الآن، بعد أن انزعج من إدانته بتهمة الإبادة الجماعية في بلاده.
وهو ما يقودنا إلى الحرب في سوريا، حيث الرئيس، الذي ورث العرش من والده، وعاش بالسيف منذ عام 2011. أيًا كانت درجة التأييد للنظام في المناطق الخاضعة لسيطرته، أو بالأحرى التي تخاف من البديل، فإنّه لا يمكن أن يفلت من الخسائر الفادحة وفرض استراتيجيته حرب وحشية على السوريين: نصف الشعب السوري قتيل والنصف الآخر أصبحوا لاجئين (4.6 مليون) أو مشردين داخليًا (6.6 مليون).
كيف يمكن لأي زعيم أن يعود من هذه الكارثة؟ بالطبع الجغرافيا السياسية الحالية تفضّله في ظلّ أن المعسكر المؤيد للأسد يشمل الدول التي لديها إرادة قوية لفرض أهدافها (روسيا، إيران، حزب الله) في حين أن أصدقاء الثوار (الولايات المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية) وذلك لأسباب مختلفة -بما في ذلك الخوف من تنظيم الدولة الإسلامية- ليسوا على استعداد لفعل الشيء نفسه. (حقيقة أنَّ البعض يروّج لجبهة النصرة كبديل “معتدل” لداعش في سوريا هي ضرب من ضروب من اليأس)
تشريح دولة القرن الحادي والعشرين
هذا من الناحية النظرية يقودنا إلى حالة تاريخية مع تشابه محدود. في العصور السابقة، نُحتت المناطق والدول من قِبل القوى العظمى، وتحدّد مصيرهم عندما اتفقت القوى العظمى (أ) مع القوى العظمى (ب) على رسم خط في الأرض وتسميته “السلام.” بعد الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، كانت بولندا والمجر عالقة في المخيم السوفياتي، على الرغم من عدم وجود أي رغبة في أن يكونا هناك، في حين أنَّ اليونان تحالفت مع السوفيات أثناء الثورة، إلّا أنها ظلّت في المعسكر الغربي، وظل اليساريون اليونانيون خارج السلطة لمدة 70 عامًا (كان النصر المتأخر أشبه بخيبة الأمل).
تم تقسيم الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة، مع تحوّل بعض الدول إلى السوفييت في ظلّ تحرّرها من الاستعمار الأوروبي. وكانت سوريا في المعسكر السوفياتي، وكذلك مصر واليمن والعراق.
التاريخ في حركة تغيير دائمة؛ حيث يسقط الطغاة، ويُعاد رسم الخطوط الكبرى من قِبل القوى العظمى على الخريطة، كما حدث في عام 1989 بعد سقوط الشيوعية. ولكن بعد إعادة تنظيم أوروبا بعد عام 1990، لم تكن هناك أي اضطرابات جيوسياسية كبرى. وبدلًا من ذلك تمّ نحت حدود الدول. هذا حدث لأول مرة في حرب البوسنة، عندما تمّ تقسيم يوغوسلافيا إلى خمس دول. يمكننا أيضًا أن نرى ذلك في العراق، عندما تولى النظام السني إلى أن أطاح به الأمريكان وتقسيمه من خلال الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة والشيعة المدعومين من إيران، ومؤخرًا تنظيم الدولة الإسلامية. (وقد حدث ذلك أيضًا في أوكرانيا في عام 2014.)
في القرن العشرين استفادت القوى العظمى من الاضطرابات، مثل انهيار الإمبراطوريات، لسحب الدول في مدارها، لكن في القرن الحادي والعشرين يبدو أنه بدلًا من إعادة رسم خريطة، فمن الأسهل إنشاء دويلات من الدول الأممية المنقسمة بالفعل.
مأزق القوى العظمى في سوريا
هناك عاملان رئيسيان للوضع الحالي في الشرق الأوسط: انسحاب أمريكا بعد فترة من الفشل استعراض القوى الإمبريالية، وعدم وجود أي قوة سُنية شرعية كافية لحشد القوات. وهذا ترك الساحة لروسيا وإيران. في حين أن بعض المتعاطفين مع الثوار السورين يتوسلون لرعاتهم وحلفائهم لبذل المزيد من الجهد، ينبغي أن نتذكر أن إيران يمكن أن توفر الدعم والأسلحة دون الحاجة إلى الخروج من أي دولة قوية. إنها قوة مستقلة، أنفقت الكثير من الأموال من أجل استقلالها، وهو شيء لم تقم به المملكة العربية السعودية على الإطلاق، وربما يرغب حكّام تركيا في القيام به ولكن، بسبب علاقاتهم الثنائية مع الغرب، لا يمكنهم فعل ذلك.
وهذا لا يجيب على سؤال عما إذا كان الأسد يجب عليه تقبل الهزيمة أو شخص آخر، في ضوء كل الدماء التي أُريقت للدفاع عن سلطته. ربما كان الجواب أنّه سيظل في السلطة طالما ظلّ رعاته أكثر قوة واستعدادًا للتضحية بالأموال والدم في دفاعه من قدرة ورغبة خصومهم في الاستثمار والكفاح من أجل الإطاحة به.
هل وصلنا أخيرًا إلى نقطة في التاريخ عندما لا يستطيع الإغريق ولا الكتاب المقدس أن تخبرنا كيف تنتهي القصة؟ ربما يخبرنا تاريخ يوغوسلافيا كيف يمكن أن تتكشف الأحداث، كما حدث مع زوج المرشحة الديمقراطية الأوفر حظًا هيلاري كلينتون والرئيس الأمريكي آنذاك، بيل كلينتون. سلوبودان ميلوسيفيتش، غوغائي قومي آخر، نجا من حرب البلقان الأولى لبضع سنوات، قبل أن يؤدي تدخل حلف شمال الأطلسي في كوسوفو إلى زواله في نهاية المطاف.
فمن السهل جدًا وصف أمثال الأسد كضحايا للمؤامرات الإمبريالية، بينما هم في الحقيقة مجرد معذِبين متوحشين لأبناء شعبهم، وطغاة أحرقوا الوطن حتى لا يعيش فيه أحد سواهم. لا الأسد ولا أي قوة خارجية – المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وإيران أو روسيا – ينبغي أن يكون لها حق الاعتراض على إنهاء كابوس سوريا.
لا يبدو مستقبل الأسد مشرقًا، حتى لو كانت الجغرافيا السياسية وخطر التطرف تصب في صالحه الآن. لقد قال النبي محمد: “ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء.”