uFEFFفورين أفيرز: “النفط” كان المعيار الاساسي لتقسيمات سايكس بيكو

21 مايو، 2016

محمد الشبراوي –

نشرت مجلة فورين أفيرز مقالا كتبته راشيل هافرلوك أستاذ الدراسات اليهودية واللغة الإنجليزية في جامعة إلينوي، عن العلاقة بين الاضطرابات الحالية في منطقة الشرق الأوسط وتداعيات اتفاقية سايكس بيكو التي وقعتها كل من بريطانيا وفرنسا في 1916، مشيره لأن النفط كان معيار هذه التقسيمات، وأنهما لم تكن عشوائية كما يشاع.

“هافرلوك” قالت إن العديد من المؤرخين يسيئون فهم المعاهدة التي قسمت الشرق الأوسط، فيرونها عملا عشوائيا من أعمال رسم الخرائط الاستعمارية، بينما الاتفاقية في الواقع، “تتعلق بالثروة البترولية”، فقد أدركت فرنسا والمملكة المتحدة، وكذلك ألمانيا، والإمبراطورية العثمانية، والولايات المتحدة، وجود حقول نفطية هائلة في الشرق الأوسط.

لهذا شكلت تلك الدول “كونسورتيوم لتقاسم البترول” قبل اندلاع الحرب، ومن خلال سايكس بيكو، وخططت كل من فرنسا والمملكة المتحدة لاستيعاب حصة ألمانيا، بعد هزيمتها، وبناء خطوط الأنابيب إلى الموانئ على طول البحر الأبيض المتوسط.

ولكن هذه البلدان لم ترغب أن تتشارك في خط أنابيب واحد، خوفا من أن ينهار تحالفهما يوما ما.

وقالت أن الدليل علي هذا هو ما توضحه خطط إنشاء خطي أنابيب منفصلين، أحدهما فرنسي من كركوك (العراق حاليا)، إلى طرابلس، (في لبنان حاليا)، والأخر بريطاني من كركوك إلى حيفا (في إسرائيل حاليا)، واللذان يظهران كيف قسم السير مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو المنطقة.

وعادة ما يقتبس المؤرخون ما قاله “سايكس” عام 1915 إلى وزارة الحرب البريطانية، وهو: “أود رسم خط من آخر عكا إلى آخر كركوك”، كدليل على أن الحدود التي رسمها كانت تعسفية، لكنه كان يصف في الواقع، المسار الذي كانت تعتزمه الحكومة البريطانية لخط الأنابيب.

ولذلك صحح هيربرت كيتشنر، وزير الدولة البريطاني لشئون الحرب، حديث سايكس قائلا: “أعتقد أن ما يعنيه السير مارك سايكس أن الخط سيبدأ من ساحل حيفا”.

ترسيم الحدود بناء على النفط

ويشير مقال فورين أفيرز لأن هذا هو ما حدث بعد الحرب، حيث جاء ترسيم الحدود لتحديد العراق كالدولة المنتجة للبترول، والأردن وسوريا باعتبارهما دولتي عبور، ولبنان وفلسطين، للتصدير.

وتعيد الكاتبة راشيل هافرلوك، للأذهان أن قوات الحلفاء، بدأت بعد فترة قصيرة من الحرب العالمية الأولى، تسعى للحصول على امتيازات بترولية في الشرق الأوسط. وحصلت شركة نفط العراق على امتيازات حقوق البترول في المنطقة.

ومع أنها سميت “شركة نفط العراق”، فلم يكن للشركة علاقة بالعراق، بل، كانت عبارة عن كونسورتيوم بين شركة أنجلو ابرشيان كومباني، التي صارت بعد ذلك شركة بي بي BP، وشركة كالوست جولبنكيان، الفرنسية (التي أصبحت شركة توتال في وقت لاحق)، وشركة ستاندرد أويل لتنمية الشرق الأدنى (صارت فيما بعد بعد إكسون موبيل)، وشركة شل.

وضمنت الاتفاقات عدم مطالبة السكان المحليين بالموارد التي يعيشون فوقها، ولم تحصل الدول التي تضم معظم البترول سوى على النسبة الأقل من مكتشفاته.

أيضا حينما لاحظ المستعمرون أن قبائل أهل الجبل في اليمن، والفدائيين الفلسطينيين، بدأوا يهاجمون خطوط الأنابيب لأنها أثارت الاضطرابات الإقليمية، وبعد محاولات عديدة لتخريب خطوط الأنابيب، كثف المسئولون في شركة البترول والحكومات الغربية المراقبة على الإقليم، وعسكرة المنطقة، وتشجيع النزاع العرقي والطائفي لإحباط الحركات القومية والشيوعية.

وقد دفعت الاضطرابات الحالية في الشرق الأوسط بالعديد من المراقبين إلى التساؤل عما إذا كانت سايكس بيكو قد بلغت نهايتها أخيرا.

وتقول الكاتب هافرلوك أن الصحفي الأيرلندي باتريك كوكبرن، بشر بنهاية المعاهدة أثناء عمله مراسلا من العراق، ولكنها ترى أن من الأفضل التساؤل عما إذا كان من الممكن أن تتحول الاتفاقية لتحقيق مزيد من الاستقرار والازدهار في المنطقة.

مشكلة الاكراد والنفط

وتوضح الكاتبة في مقالها بمجلة “فورين أفيرز” أن “الغاء امتيازات البترول قد يحمل المفتاح لهذا التحول”، وتضرب مثلا لذلك بحالة كردستان، ففي أعقاب حرب الخليج الثانية، توافد شركات البترول الخاصة إلى العراق.

واحتفظت شركة النفط الوطنية العراقية بالحق في ضخ الآبار الموجودة مع شركاء من اختيارها، ولكن سمح لهيئات محلية مثل حكومة إقليم كردستان باستكشاف آبار جديدة وإقامة شراكات من اختيارها، وكان ذلك نعمة للاقتصاد الكردي.

واتضح تأثير أسهم شركات البترول عندما ظهرت داعش في 2014. وقاتلت البيشمركة الكردية داعش ليس فقط انطلاقا من رغبة الأكراد في حماية أرضهم، ولكن حماية أيضا الموارد التي تحتويها.

وقالت إن الأكراد يطمحون منذ فترة طويلة إلى الاستقلال، ولكن سيطرتهم على البترول المحلي كان شكلا من أشكال السيادة، على الموارد بدلا من الأراضي، التي تمثل نموذجا للشرق الأوسط في مرحلة ما بعد سايكس بيكو.

وتقول إن الحالة الكردية توضح أن أصحاب المصلحة المحليين سوف ينشئون جيشا، بينما لن تفعل شركات البترول ذلك، وأن منطقة الشرق الأوسط التي تحددها السيادة المحلية على الموارد الطبيعية ستكون أكثر ثراء وأكثر أمنا.

فعندما خفضت الحكومة العراقية حصة كردستان من الموازن العامة في عام 2014، بدأت حكومة إقليم كردستان بيع البترول مباشرة إلى الأسواق العالمية، وبناء خط أنابيب إلى ميناء تركي، وبيع البترول الخام لإسرائيل في هذه الأثناء. ومن ثم، تغلبت المصالح المحلية على العداوة التركية الكردية التاريخية، والمقاطعة التي حجبت البترول العراقي عن إسرائيل منذ عام 1949.

ولا يعني ذلك أن الحالة الكردية لا تنطوي على مشكلات، حيث يعيش الأكراد في حالة حرب مع داعش وتحت مراقبة العراق وتركيا، وقد خرب المنشقون المحليون خط الانابيب الكردية التركية، عدة مرات، وكان لدى الشركة الوطنية العراقية لنفط الشمال سلطة وقف التدفق عبر خط الأنابيب الكردي وفقا لإرادتها.

أيضا ادى انخفاض أسعار البترول العالمية إلى زيادة حدة ديون كردستان، ويخوض الأكراد حاليا صراعا مع الحكومة العراقية حول ما إذا كان بترول كركوك يندرج تحت السيطرة الكردية أو العراقية.

 غير أن القضية، وفقا للكاتبة، لا تزال تقدم نموذجا لمرحلة ما بعد سايكس بيكو في الشرق الأوسط، فطالما يحتاج الأكراد لبترول كركوك، سوف يتيح الخلاف الحالي الفرصة لتوسيع نطاق ممارسة السيادة على الموارد للجميع في المنطقة، بغض النظر عن العرق أو الدين، حيث ينبغي توجيه الجزء الأكبر من أرباح بترول كركوك إلى دعم حياة جميع السكان في شمال العراق.

وتري أنه ينبغي أن تسمح بغداد لحكومة اقليم كردستان بالمطالبة بحقها في آبار كركوك، ولكن بشرط أن توافق الحكومة على تخصيص جزء من عائدات البترول لدعم المؤسسات العامة في شمال العراق.

وتدعو هافرلوك إلى عدم استنزاف الأرباح من الشرق الأوسط، مثلما حدث خلال الفترة الاستعمارية، أو السماح بعودتها إلى أيدي القادة الفاسدين، كما في عهد صدام حسين وتحت ظل جيلين من عائلة الأسد في سوريا.

وتؤكد ان النجاة في عصر داعش تستلزم تحرير الشعوب من تقسيمات سايكس بيكو، مع امتلاكها الإرادة والوسيلة لحماية أوطانها ومصالحها.