‘ريما فليحان: كنا عايشين؟’

22 مايو، 2016

في معرض الحديث الدائم المتداول لدى الشارع السوري الموالي أو الرمادي، تتردد عبارة “كنا عايشين” كمؤشر لكم السلام والاستقرار والهناء ورغد العيش وفسحة الحريات التي كانوا يتمتعون بها في ظل القايدة الحكيمة!  ضمن مناخ من تكافئ الفرص والعدالة الاجتماعية والديموقراطيه التي تجسدت في استقرار الحكم الجمهوري عبر حكم رئيس طوال ثلاثين عام وانتقال سلس دستوري للسلطة الى ابنه بعد تعديل الدستور ديموقراطيا في مدة لم تتجاوز النصف ساعه ليتاح المجال لطبيب العيون المناضل بشار الأسد بالوصول ” الديموقراطي ” للحكم !!!

يتذكر هؤلاء تلك الأيام بتحسر، حين كانت اجهزة المخابرات تؤمن الأمن والأمان، ووحين كانت تضع حدا لكل من تسول لهم نفسهم تعكير ذلك الصفو والمجد الذي يعيش به الشعب السوري بأن يعبروا عن أي رأي مخالف لما تراه القيادة الحكيمة قبل أن يأتي هؤلاء المخربون الذي يطالون بالحرية ويعكروا ذلك التناغم !

نعم كنا عايشين، كنا عايشين حينما اغلقت أبواب سجن تدمر وصيدنايا والمزة وأقبية المخابرات على آلاف السوريين حيث عذبوا وأعدموا ومثل بهم لعشرات السنوات&8230;!

كنا عايشين أيضاً حين كنا ننتظر بالطوابير في الثمانينات لساعات وساعات لنحصل على علبة محارم وسطل من السمن !

كنا عايشين، حين كانت كلمة بسيطة في لحظة نزق تكفي لنقضي في السجون سنوات و سنوات..

كنا عايشين، حين حمل مئات الالاف من السوريين حقائبهم هرباً من الفقر وتوجهوا الى دول الخليج وامريكا الجنوبيا وافريقا سعياً وراء رغيف الخبز الذي فر منهم في بلدهم..

كنا عايشين، حين كنا نساق كالنعاج عنوة من أجل الهتاف للقائد الخالد الميت المقبور..

كنا عايشين، حين كانت صور عائلة الأسد تلاحقنا في الشارع والعمل والمدارس وحين كانت أخباره تطربنا طوال سماعنا لنشرة الأخبار ليكون مركز كوننا شئنا أم أبينا&8230;

كنا عايشين، حين كان هناك من يضع أسماء ممثلينا بمجلس الشعب دون علمنا، ويسقط في صناديق الأقتراع أصواتنا المزورة &8230;

كنا عايشين، حين كانت سرايا الدفاع وعناصر المخابرات تجول وتصول في الشوراع وتنتهك الحرمات دون حسيب أو رقيب

كنا عايشين، حين كانت اقامة العرس تحتاج لموافقة أمنية كما يحتاجها بيع الفلافل &8230;

ولا أنسى كيف أننا “كنا عايشين” حين كانت أجارات المنازل أكثر من راتب الموظف الذي لايمكن له أن يؤمن أكثر من رغيف الخبز وبعض الخضار بأحسن الأحوال، بينما كان رامي ومخلوف وأشباهه يقضمون البلاد وأرزاق العباد بل واحلامهم..

نظرية “كلنا عايشين” هي ذاتها التي حوكمت بها الثورة التي قام بها الحالمون الصادقون والتي يتم بموجبها اتهامهم بالتسبب بالخراب الذي وصلت اليه بلادنا، متناسيين بشكل فعلي كيف كان عيشنا هذا قبل هذه الثورة، وكيف ان ذلك المجرم الذي كان يقتات بأحلامنا ليكبر جبروته ويخنق حريتنا ليكرس قمعه ويقتل كلمتنا كما يقتلنا هو ذاته الذي يقتل السوريين مستخدماً كل أدوات الحرب من صواريخ وطائرات وبراميل متفجره ومعتقلات وأسلحة كيماوية، وهي ذاتها التي كنا نسدد ثمنها حين ” كنا عايشين” من خلال الضرائب التي تقتطع من رواتبنا لتقتلنا بعد ذلك حين رغبنا حقا بأن نعيش..

ينسى هؤلاء أن الثورة التي خرجت سلمية في عامها الأول كان يمكن أن تفضي الى اصلاحات دستورية واطلاق للحريات و تداول سلمي للسلطة، لو لم تقابل من قبل النظام بالعنف والانكار والرفض والتشويه وبفتح حرب على الشعب أدت الى مساحة من الفوضى كانت الباب لعبور تنظيمات تكفيرية للبلاد والى تبرير حمل السلاح لدى الشعب المقتول، وبالتالي يتحمل ذلك النظام مسؤولية كل الخراب الذي لحق بسوريا أرضاً وشعباً لأنه فضل بانانيته واجرامه أن يقاتل شعبه على أن يلبي تطلعاته للديموقراطيه والحريه والكرامة.

منذ أن وقف بشار الأسد في مجلس الشعب بعد بداية الثورة وأحداث درعا في المرة الأولى وسخر من ألم درعا و تحركات شارعها، كان واضخا أنه هذا النظام حسم أمره في التمسك بالحكم والبقاء على الكرسي حتى ولو اعتلى الجماجم والخراب ..

يعاني بعض من نسي هذه الحقائق من متلازمة استوكهولم حيث يتعاطفون مع الجلاد ضمن حالة من الخوف العميق الذي لم يتمكنوا من كسره وبقيوا اسراه، الخوف من التغيير والتطلع الى واقع مختلف، وبرتبط البعض الآخر بمصالح عميقة مع بقاء هذا النظام تتجسد في النفوذ والثروة، وتبقى الشريحة الثالثة التي اتخذت خانة اللاموقف واعتبرت ان ما يحصل لا يعنيها وان ما يعنيها فقط هو تحصيل لقمة العيش، هي ذاتها الشريحة التي لم تعنيها سابقاً كل جرائم النظام، هي ذاتها الشريحه التي لم تكترث يوما بالشأن العام وكرست دون أن تدري الاستبداد والفساد بان تتبع المثل الشعبي القائل ( يلي بياخد أمي بقله عمي)

ولا يعني ما أقول ان الجانب الآخر وهو الثورة كان الجانب الملائكي في كل الأوقات ، واعترف أن كثيراً من الأخطاء قد ارتكبت على مستوى الشارع والعمل السياسي والعسكري، وان هناك شخصيات طفت على السطح لا تبشر بالكثير، ولكننا على الاقل لدينا شجاعة الاعتراف بالخطأ والنقد.

شارع الثورة يمعظمه وبنخبته شارع حي أخلاقي يرفض الجريمة وينتقدها ويصرخ بأعلى صوته ضدها أياً كان مرتكبها وسواء كان ذلك المخطئ من المعارضة او المسلحين او النشطاء، بينما يغرق الشارع المقابل بصمت قاتل حين يرتكب النظام جرائمه البشعه، بل يتصدى ذلك الشارع ليدافع عن تلك الجريمة ويبدأ بالتسويغ لها وتبريرها.

يكفينا فخرا أن لدينا منطقة اسمها معرة النعمان تتظاهر ضد النظام والنصرة معاً ويستهدفها النظام والنصره معاً ولا تعرف الصمت او الرضوخ.  

لن اعود لنقاش موضوعية نظرية كنا عايشين بعد هذا لكنني واثقة من شيء واحد فقط سوريا ونحن سنعيش!