في تركيا… الجنسية عراقي والتهمة سوري

22 مايو، 2016

لا شك في أن الحكومة التركية احتضنت مئات الآلاف من اللاجئين السوريين وآلاف العراقيين، وســــاوتهم بمواطنيها في كثير من الخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية.

ولا شك أيضا أن هناك تجاوزات بحقوق اللاجئين باتت تتصاعد في الأشهر الأخيرة، ما يسيء لإنجازات الحكومة التركية، ويعطي فرصة للراغبين بالصيد في الماء العكر، للتقليل من رصيد تركيا في مجال رعاية اللاجئين السوريين، وهو موقف أخلاقي وينبع من روابط تضامن صادقة وليس مصلحيا.

لن نتحدث عن قضية إغلاق الحدود منذ عام، فهي تبقى محل نقاش، ولن نتحدث عن إطلاق النار على اللاجئين الذين يحاولون عبور الحدود، رغم أنها قضية مستمرة منذ نحو عام، وأدت إلى مقتل عشرات النساء والأطفال، حتى أن بعض القضايا رفعت ضد حرس الحدود في محاكم أنقرة، قبل أن تصدر منظمة “هيومان رايتس ووتش” تقريرها الأخير الذي وثق حالات الضحايا.

ما سأتحدث عنه هو حالة جديدة تظهر ارتباكا في تطبيق القوانين الخاصة باللاجئين، وتعسفا في تفسيرها، وتهديد حياة اللاجئ في جانب آخر..

قصتنا عن الزميل الكاتب العراقي والباحث الخبير رائد الحامد، الذي دخل مع عائلته لتركيا عبر الحدود السورية قبل عامين، قادما من مدينة راوة العراقية، حينها عبرت مجموعة من نحو ألف شخص الحدود السورية التركية، بينهم عراقيون وسوريون تركمان وعرب، وكالعادة توجهوا إلى مكتب اللاجئين ليحصلوا على هويات الأجانب، ومنحت عائلته هويات لاجئين كتب عليها “هويات للأجانب” (يابنجي)، ولكن الموظف المسؤول سجل في النظام الداخلي أنهم سوريون، رغم أنه نقل البيانات الشخصية لهم من هويات عراقية!

ظل الزميل رائد الذي يقارب عمره الستين عاما يستخدم هذه الهوية هو وعائلته، فهي هوية لا يظهر فيها أي إشارة إلى أن صاحبها سوري، بل أجنبي فقط كما هو التعريف المكتوب، دخل الأولاد المدارس بها، وأقاموا لعامين ومعهم آلاف العراقيين اللاجئين بهذه الهويات نفسها، في محافظة اسكي شهير، إلى أن وقع ما لم يكن متوقعا، فخلال سفره من انطاكيا نحو غازي عنتاب أوقفته الشرطة، وقام بإظهار هوية الكمليك وجواز السفر العراقي، وعند التدقيق بالهوية ظهر للشرطة أنها سورية، وان جواز سفره عراقي، هنا اتهم بالتزوير!

رغم أن التزوير يفترض أن يكون للحصول على هوية تملك ميزات ما وليس هوية سورية لا تختلف عن العراقية بالنسبة للأجنبي في تركيا! ولعل المفارقة أن مدينة راوة التي ينتمي لها الزميل رائد هي مدينة حدودية قرب الحدود السورية العراقية، وجزء من أبنائها يحمل الجنسية السورية، بل إن بعضهم من كبار مسؤولي الحكومة السورية كفوزي الراوي، وآخرين، فيا لها من حدود وجنسيات وهمية قسمت الوعي وبترت الروابط وقسمت الوشائج كما الأرض.

ورغم محاولات توضيح رائد وشرحه للشرطة أنه أعطى الموظف هوية عراقية وحصل على «كملك» وهوية لاجئين سورية، بدون أن يدري ولا حتى يوضح عليها بالكتابة، إلا أن العقلية البيروقراطية وحواجز اللغة تعيق أي تواصل مجد، فتم نقله لمركز الترحيلات وأرسلت أوراقه لأنقرة لترحيله، لكن إلى أين؟ إلى بغداد.

اللافت أن أبجديات الأعراف الدولية تقول إن اللاجئ لا يرحل لبلده، إلا بعد استيفاء إجراءات قانونية وتوكيل محام، والأهم والأخطر، أن ترحيل شخص لمكان يشكل خطرا على حياته يعتبر انتهاكا، نادرا ما تقوم به أي دولة ملتزمة بقوانين اللاجئين، عدا عن كونها دولة ملتزمة بقانون المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فما بالك إذا كانت دولة شرق أوسطية تدرك حساسيات نزاعات هذه المنطقة، خصوصا الحرب الأهلية في العراق، فكثير من العراقيين السنة هربوا أصلا من حكومة بغداد ومليشياتها، وأحكامها الطائفية، لذلك لا يتم إبعاد أي لاجئ حال اقتضى الأمر إبعاده إلا إلى أربيل وليس بغداد..

بعد عدة اتصالات وزيارات لمركز الاعتقال مع المحامي، تم إيقاف تنفيذ الإبعاد، لكن السؤال هل سيضطر كل عراقي هارب لأسباب سياسية من مناطق حكومة بغداد أن يطلب التوسط من مسؤول حكومي حتى يتم احترام حقوقه كلاجئ؟ أم إن القانون للأقوياء فقط؟ هل تستطيع الحكومة التركية تطبيق القانون نفسه على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي المقيم في اسطنبول والمطلوب اعتقاله من حكومة بغداد؟ طبعا لا، إذن لماذا لا ينظر بالعين نفسها لباقي العراقيين السنة المهددين بالترحيل في تركيا، إذا كان الهاشمي ممثلهم السياسي الأبرز في بغداد قد ضاقت به بغداد وحكومتها؟

الجواب ببساطة حصلت عليه عندما علمت أن شخصا عراقيا محتجزا هو الآخر في انطاكيا بعد أن ألقت قوات حرس الحدود التركي القبض عليه، وهو يحاول عبور الحدود التركية، المفارقة هو أنه من راوة أيضا، ودخل الحدود للالتحاق بعائلته التي تسكن أيضا في محافظة تركية، ولديها هوية الكمليك الخاصة بالأجانب، وكذلك الشرطة ابلغوه بان سيتم ترحيله لبغداد هو وخمسة عراقيين من محافظات سنية اعتقلوا لدى عبورهم الحدود قبل أيام، للحاق بعائلاتهم في محافظات تعج باللاجئين العراقيين كمحافظة اسكي شهير.

ولكنَ هؤلاء المحتجزين لا يملكون أي علاقات تمكنهم من إيقاف الترحيل، وفي الوقت نفسه لا يعاملون وفق القوانين المتعارف عليها، التي تضمن حق لم الشمل الأسري وعدم الإبعاد القسري لبلدان تشكل تهديدا على حياة الإنسان، وبطل البيروقراطية والارتباك في تفسير القوانين، فإن كثير من اللاجئين قد يسلمون لحكومات هربوا منها، وهذه قضية باتت تتفاقم في الآونة الأخيرة، حيث تشير الأرقام إلى ترحيل نحو مئة عراقي لبغداد اعتقلوا لدى محاولتهم عبور الحدود، ولعل الأمر الآخر الذي يظهر عدم المساواة بالقوانين، هو تمييز العراقيين من أصل تركماني ومنحهم اللجوء على عكس العرب!

فالتركمان بالنسبة لتركيا لا يخضعون للتصنيف بحسب جنسيات سورية أو عراقية وهم عابرون لخرائط الحدود السورية والعراقية بل والتركية أيضا!