لماذا يؤثر اختلاف الموقع على رد الفعل تجاه الأحداث الإرهابية؟

22 مايو، 2016

ميدل إيست آي –

يعتبر الإرهاب تهديدا في كل مكان. وبحسب أحد تقارير مجلة فورين بوليسي، وقعت أسوأ الأحداث الإرهابية في عام 2015 في الكاميرون، ومصر، والعراق، وكينيا، ونيجيريا، وسوريا، واليمن. وقد أعقب هذه السنة وقوع هجمات إرهابية في أماكن متنوعة مثل بلجيكا وباكستان وتركيا.

وعلى الرغم من أن معظم هذه الهجمات قد أدت إلى وقوع إصابات وحالات وفاة، إلا أن بعض الكتاب انتقدوا المعايير المزدوجة في التغطية الإعلامية لهذه الهجمات، وأكدوا على “الاختلاف الكبير لرد الفعل العام  تجاه القنابل في بلجيكا والهجمات في تركيا”.

طبيعة وإبراز الطريقة التي تغطي بها وسائل الإعلام الهجمات الإرهابية هي وسيلة جيدة للحكم على رد فعل الجمهور: فهل يتم نشر الخبر في الصفحة الأولى أم يتم إخفاؤه في الصفحة الثالثة عشر؟ ولكن هناك مجموعة من الاستجابات العامة الأخرى لهذه الهجمات الإرهابية، مثل تنظيم مسيرة تضامنية لزعماء العالم في أعقاب هجمات باريس، أو تنكيس الأعلام الرسمية على المباني الحكومية، أو إضاءة  المعالم التاريخية بألوان العلم الوطني للدولة المنكوبة.

كما يعتبر النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل استخدام الهاشتاقات على موقع تويتر وتغيير الصورة الشخصية على موقع فيسبوك لإظهار التضامن مع الحادث مؤشر قوي آخر على استجابة الجمهور للحادث الإرهابي.

ويجب أن يتم مقاربة جميع المؤشرات المذكورة أعلاه بدرجة من الحذر. إذ أن تقييم رد فعل الجمهور على حالة  الغضب من خلال رصد وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، يثير تساؤلات عن إمكانية استخدام الكمبيوتر. ليس ذلك فحسب، بل لا ينظر جميع الناس بالضرورة إلى وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها وسيلة مناسبة للتعبير عن التضامن.

البحث عن أرضية مشتركة

فيما يتعلق بردود الفعل الغربية التي تبدو مختلفة تجاه الأحداث الإرهابية في جميع أنحاء العالم، قد تلعب عدة عوامل مختلفة دورا في هذا الأمر، بما في ذلك مدى انتشار وتوافر الصحفيين في جميع أنحاء العالم. وأشار آخرون إلى عامل السرد العنصري. وانتهى ويل غور، الذي كتب في صحيفة الاندبندنت عن هجمات بروكسل في شهر مارس، إلى أن هناك “سرد عنصري واضح تماما … فنحن نقدر حياة الأشخاص الأوروبيين البيض أكثر من أولئك من أصحاب البشرة السمراء الذين يعيشون خارج حدود أوروبا”.

وثمة عامل آخر وهو التراث الثقافي والتاريخي المشترك للغرب، والذي قد يبدو متزايدا في أوقات المحنة. وكما أشار المقال المنشور في مجلة ذا أتلانتك قائلا: ” من المرجح أن يكون الأمريكيون قد سافروا إلى  باريس أكثر من سفرهم إلى بيروت أو القاهرة أو نيروبي، أو إلى أي عدد من المدن التي شهدت هجمات دامية. وإن لم يكونوا قد سافروا إلى العاصمة الفرنسية بأنفسهم، فمن غير المرجح أن يكونوا قادرين على مشاهدة مئات الأفلام والبرامج التلفزيونية التي تحدث هناك، ولم يكونوا ليذكروا أسماء المعالم التاريخية الموجودة هناك. وتعتبر باريس على وجه الخصوص رمزا لنوع من الثقافة الراقية”.

وعلى النقيض من ذلك، أشار الكاتب الصحفي ليز كوكمان الذي يعيش في تركيا في أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت في أنقرة إلى أن البلاد “لازالت تتأرجح على الخط الفاصل بين الشرق والغرب، مما يجعلها عصية على الفهم، فهي بلد مسلم ذات قيم محافظة على نحو متزايد، وتتطلع في نفس الوقت إلى  الاتحاد الأوروبي”.

“الأخرنة”

قد يرجع هذا النوع من عدم فهم البلدان غير الغربية جزئيا الى الجهل كما يشير كوكمان. كما أنه قد يرتبط أيضا بما يسميه إدوارد سعيد بـ”الأخرنة”. حيث يجادل سعيد بأن الغربيين يتخيلون الشرق باعتباره مكان أجنبي غريب، ويعملون على وصفه بطرق نمطية وأسطورية تعمل على إبراز وتعزيز اختلاف الشرق عن الغرب.

وقد وجدت صحيفة الإيكونوميست أنه في الفترة  من2000 إلى 2014 ، وقعت معظم حالات الوفاة الناجمة عن الأحداث الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وليس في الغرب. وفي الواقع، بحسب مجلة فورين بوليسي،  وقعت الهجمات الإرهابية الأكثر تدميرا في عام 2015 في نيجيريا (مع حصيلة قتلى تراوحت بين 150 إلى  2000 شخصا) وفي مصر (مع حصيلة قتلى  224 شخصا).

وقد بدت ردود الفعل العامة الغربية تجاه مثل هذه الأحداث أكثر تحفظا، ربما بسبب التركيز على “أخرنة” الدول غير الغربية، والتي تمكن الغربيين من قبول انخفاض مستوى الحماية في تلك البلدان بأريحية. وفي حين تعتبر الهجمات الإرهابية في الغرب ،مثل التي شهدناها في باريس وبروكسل، هجمات مروعة وغير متصورة، إلا أنها تعتبر في مناطق “أخرى” من العالم – من وجهة نظر غربية- للأسف  حقيقة مسلم بها.

وإلى حد ما، ربما يظهر مفهوم “الآخر” أيضا في صياغة أخبار الهجمات الإرهابية في الشرق الأوسط. ووفقا لاستعراض التغطية الصحفية لهجمات باريس في صحافة الشرق الأوسط، “في حين سيطر الرفض الكلي لعنف الإرهابيين على الصفحات الأولى من التغطيات الإخبارية، أثار عدد قليل من أوراق الصحف الأسئلة حول سياسات الحكومات الغربية في العالم ” . وقد رأت هذه الأسئلة وجود دور غربي في “تغذية الإرهاب” وأن مثل هذه الهجمات قد وقعت بعد “ظهور موجة من الإسلاموفوبيا في ألمانيا المجاورة لفرنسا”.

ولكن معظم التغطية الصحفية لهجمات باريس في منطقة الشرق الأوسط كانت مفعمة بالقلق والتعاطف. وقد نشرت قناة العربية الإنجليزية، ومقرها دبي، تقريرا شاملا يحمل أسماء قادة الشرق الأوسط ودول الخليج الذين يدينون الهجمات ويقدمون التعازي ويعرضون تقديم الدعم. وفي الوقت نفسه، نشرت صحيفة حريات التركية تحليلا قويا في الأيام التي تلت المجزرة، تشير فيه إلى أن هذه “لم تعد معركة داخل حدود منطقة الشرق الأوسط وبلاد ما بين النهرين فقط” وتدعو لوضع استراتيجية منسقة لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.

حتى بالنسبة لصحافة الشرق الأوسط، يمكن للغرب أن يكون “الآخر” وربما يوجد مبرر لذلك. والأمر الأكثر وضوحا هو: ربما بسبب اعتياد الشعوب في الشرق الأوسط على الحوادث المأساوية للإرهاب، يبدي الناس في الشرق الأوسط وأفريقيا مشاعر أكثر تعاطفا في استجابتهم لحوادث الإرهاب التي تقع في الغرب.

22 مايو، 2016