‘متاهة الشام: الاستعداد لحرب الأنفاق في العراق وسوريا’
23 مايو، 2016
وور ان ذا روكس –
في العام الماضي، حفر أعضاء تابعون لجبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، نفقا يؤدي إلى مبنى مخابرات القوات الجوية السورية في حلب وقاموا بتفجير قنبلة كبيرة في محاولة لتدمير المبنى. وقد كان هذا الحدث الذي تناولته وسائل الإعلام العالمية حدثا نادرا في الحرب الأهلية السورية الحالية.
وكما أطلق بنيامين رنكل تحذيره في العام الماضي، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن يستعدوا لحرب أنفاق مستقبلية. وكانت مقالته نظرة عامة ومفيدة على مختلف الفاعلين الذين يشكلون تهديدا باستخدام الأنفاق للتنكر للمزايا التي توفرها القوة الجوية وغيرها من التقنيات الأخرى المتوفرة لدى الجيوش الغربية.
وفي الوقت الذي ترفع فيه الولايات المتحدة من درجة تدخلها العسكري في العراق وسوريا، فإن هناك ما يبرر إمعان نظرة أكثر تفصيلا على الأهمية العسكرية لمثل هذه الأنفاق. واعتبارا من شهر فبراير من هذا العام، كان هناك ما يقرب من 4500 عنصرا من القوات الأمريكية في العراق.
وبغض النظر عن مدى أهمية زيادة التدخل في النزاع، فإن إرسال الولايات المتحدة وحلفاؤها عددا متزايدا من الجنود الى المنطقة تعتبر حقيقة واقعة. ومهما كانت نوايا القادة الأمريكيين، فإن هذا الوجود العسكري الموسع من شبه المؤكد أن يؤدي إلى مزيد من التصادم مع مجموعة متنوعة من القوى المعادية.
وقد استخدمت كل من جبهة النصرة، والدولة الإسلامية في العراق والشام، والحكومة السورية، وفصائل أخرى في الحرب الأنفاق من أجل إحداث تأثير كبير طوال فترة الصراع. وبالتالي يجب على الجيش الأمريكي والفصائل المتحالفة معه أن يفهموا حرب الأنفاق ويستعدوا لها.
خريطة الأنفاق في العراق وسوريا
استخدم كل من قوات النظام والمعارضة السورية شبكة واسعة من الأنفاق في محيط دمشق. ونظرا لموجات التحول المستمرة في المعركة، أصبحت هذه الأنفاق أجزاء محايدة من ساحة المعركة، وليست ممرات لتنقل جانب أو آخر. وقد تم اختيار فرق تصل إلى 300 مسلحا مجهزين بمعدات الحفر من أجل حفر هذه الأنفاق.
ويقال إن الجيش السوري الحر قد استعان بمهندسين معماريين لتصميم نفق استخدمه في التسلل إلى قاعدة عسكرية حكومية قرب بلدة عربين.
وخارج العاصمة السورية، ادعت قوات النظام أنها قد دمرت شبكة من الأنفاق قرب حرستا في شهر يونيو عام 2015. واشتملت شبكة الأنفاق الكبيرة هذه على أنفاق يصل طولها إلى 200 مترا مجهزة بإضاءة وفتحات تهوية.
وفي وقت لاحق من ذلك العام، أنشأ تنظيم الدولة الإسلامية سلسلة معقدة من الممرات في بلدة سنجار الحدودية خلال معركته مع القوات الكردية. وقد تم بناء هذه الممرات على الأرجح عن طريق مطارق كبيرة وأدوات يدوية، وتميزت هذه الأنفاق بوجود نقاط محصنة بأكياس الرمل للحماية من قصف الغارات الأمريكية. كما أحدثت الجماعة الإسلامية أيضا فتحات في الجدران بين المباني لتسمح بالتنقل الآمن فوق الأرض في مواجهة الغارات الجوية الأمريكية المدمرة.
وكجزء من دفاعات تنظيم الدولة الإسلامية الواقعة جنوب الموصل، شيدت الجماعة “مدينة داخل المدينة” تحت الأرض لحماية مقاتليها ضد تقدم القوات الحكومية العراقية.
أنفاق هجومية
لم تستخدم مختلف الفصائل المتحاربة في سوريا والعراق الأنفاق المحفورة تحت الأرض كإجراء دفاعي أو إجراء لحماية القوات وفقط، ولكنها استخدمتها أيضا لنقل القوات والمتفجرات ضد أعدائهم. وعندما هدد تنظيم الدولة الإسلامية العاصمة العراقية في أواخر صيف العام 2014، استخدام التنظيم طرقا تحت الأرض ترجع إلى عهد صدام من أجل التملص من قوات الأمن العراقية، والاختباء من طائراتهم، وحرمانهم من الاستناد إلى منطقة آمنة.
وفي معركة حمص في شهر نوفمبر عام 2015، شيدت جبهة النصرة ممرات يصل طولها إلى 15 مترا تحت سطح الأرض، وبعضها امتد ليغطي مسافة 3 كيلومترات. وبحسب قوات الحكومة السورية، كان الغرض الرئيسي من هذه الأنفاق هو السماح للمسلحين بمهاجمة تحصينات النظام عن طريق المناورة بطريقة مغطاة.
وفي جهود توصف بأنها جبارة، قيل إن جماعة معارضة أخرى قضت سبعة أشهر في بناء نفق تحت قاعدة للجيش السوري في وادي الضيف. وبدلا من استخدام الأنفاق لنشر القوات، استخدمتها المعارضة لتفجير ما يقرب من 60 طنا من المتفجرات في شهر مايو 2014 مما أسفر عن مقتل 20 جنديا على الاقل. وعن طريق السير على خطى الجماعات الأخرى، فجّر تنظيم الدولة الإسلامية ستة أطنان من المتفجرات تحت مقر الجيش العراقي في مدينة الرمادي في شهر مارس من عام 2015. وقد أمضى المسلحون شهرين في حفر نفق طوله 240 مترا تحت المقر. كما استخدمت قوات النظام السوري الأسلوب نفسه من المناورة مع قوات المعارضة.
انعكاس ذلك على القوات الأمريكية
على الرغم من أن القوات الأمريكية قد شاركت فقط في عمليات قتالية برية محدودة في العراق وسوريا، إلا أن شبكات الأنفاق الممتدة تحت الأرض في جميع أنحاء المنطقة تشكل خطرا محتملا. حيث يشارك كل من تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة حاليا في الأعمال العدائية الفعلية ضد الولايات المتحدة، ويحافظ النظام السوري على اتفاق وقف اطلاق النار الهش مع القوات الأمريكية. ويتكون التكنيك الأمريكي الحالي في مكافحة الأنفاق من استخدام الذخائر الموجهة بدقة لاستهداف الفتحات التي يمكن رؤيتها من الجو، ويمكن الاستفادة من هذا النهج عندما لا تكون هناك قوات برية على الأرض. وفي الوقت الذي تكثف فيه الولايات المتحدة عملياتها المباشرة مثل عمليات إنقاذ الرهائن والمداهمات لاعتقال زعماء تنظيم الدولة الإسلامية، فإن تدمير الأنفاق عن طريق الضربات الجوية لن يكون كافيا.
ومع استمرار الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة، من المرجح أن ينقل تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من الجماعات أصوله الأكثر قيمة إلى تحت الأرض. وعلى الرغم من أن القوات الأمريكية قد واجهت تحصينات مشابهة تحت الأرض في نزاعات أخرى، كما حدث في فيتنام وأفغانستان، لازالت هناك بعض الذكريات المؤسسية لمواجهة هذه التجارب.
وعلى الرغم من أن أساليب التخلص من هذه الأنفاق تعتبر ثابتة، إلا أن العمل تحت سطح الأرض في بلاد الشام سوف يتطلب مجموعة متنوعة من الاعتبارات الفنية والتكتيكية الفريدة من نوعها.
فمن حيث التدابير الاستخباراتية، يجب على القوات الأمريكية أن تضمن زرع أجهزة استشعار في المواقع القتالية التي بها شبكات أنفاق متداخلة لتحديد الجهود الهجومية للأنفاق. وحالما يتم اكتشاف أي نفق تحت الأرض، يمكن للقنابل المعنية أن توقف جهود البناء. وسوف تثبت المتفجرات الحرارية وأجهزة الاستشعار المزروعة جيدا أنها فعالة للغاية عندما يتم زرعها عند نقاط الدخول والخروج. وتسمح هذه التقنية بالتعرف على أنماط الحركة عن بعد بالإضافة إلى كونها يمكنها أن تحدد بدقة مداخل النفق ذات الحركة المرورية المستمرة، والتي من المحتمل أن تكون محل تركيز العدو. ونظرا لاستخدام تنظيم الدولة الإسلامية المتكرر للعبوات الناسفة وغيرها من الخدع، يجب على القوات الأمريكية أيضا أن تتجنب الفتحات التي لا تبدو مهمة.
وقد مولت وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة الجهود المبذولة لتصميم نظم الكشف عن الأنفاق دون الاستعانة بنظام الأقمار الصناعية.
وتعتبر هذه التقنيات مهمة للغاية إذا كانت قوات الولايات المتحدة تريد أن تعمل على نحو فعال تحت الأرض. كما سوف تشكل شبكات الاتصالات التي تمر تحت الأرض تحديا خطيرا لجهود القوات الأمريكية.
مستقبل الأنفاق
حتى إذا ظلت جهود الولايات المتحدة في العراق وسوريا جهودا محدودة، فإن التهديد المحتمل الذي يشكله استخدام العدو لهذه الشبكات الموجودة تحت الأرض ذو عواقب وخيمة. وقد استخدمت كل الفصائل الرئيسية المنخرطة في الأعمال العدائية المستمرة مثل هذه الأنفاق لتحقيق نتائج كبيرة. وإذا كانت الولايات المتحدة لا تمتلك قوات برية تعمل على الأرض من أجل استعادة السيطرة على المدن المحتلة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية مثل الموصل، فإن حلفائها العراقيين بالتأكيد لديهم قوات برية، وقد واجهوا بالفعل مقاتلي العدو المنتشرين تحت الأرض “كالفئران”.
وقد بدأت الولايات المتحدة وغيرها من دول قوات التحالف أيضا في تحديد وقصف شبكات أنفاق تنظيم الدولة الإسلامية الموجودة بالقرب من المدينة. ومع زيادة الانخراط في الصراع، من المحتمل أن تتطلب الجهود المستقبلية للقبض على قادة التنظيم أو تحرير الرهائن العبور والقتال تحت الأرض من قبل القوات الأمريكية.
ويعتبر الاستعداد المسبق في هذا الصدد عنصرا حاسما في نجاح العمل تحت الأرض، لذلك يجب على القوات الأمريكية أن تعد نفسها بشكل صحيح بما يلزم من الاستخبارات، والذخائر، والتدريب للمناورة والقتال تحت الأرض.