الحقيقة والسراب بعد رحيل علي النعيمي


جلوبال ريسك إنسايتس –

أُعفي وزير البترول السعودي علي النعيمي، الرجل الأكثر نفوذًا في منظمة أوبك، من منصبه بموجب أمر ملكي، في 7 مايو كجزء من عملية إعادة تنظيم شامل لجهاز الحكم السعودي. الآثار المترتبة على هذا القرار ذات أهمية تحويلية كبيرة، وتُعدّ لحظة محورية في تاريخ المملكة العربية السعودية وأسواق النفط العالمية.

إعادة هيكلة الحكومة

تميّزت فترة النعيمي كوزير للنفط والثروة المعدنية، وهو المنصب الذي تولاه منذ عام 1995، بصناعة السياسات الرصينة. وشهدت فترة ولايته قيام المملكة العربية السعودية، المنتج الترجيحيّ بمنظمة “أوبك”، بدور حاسم في تحقيق الاستقرار في أسواق النفط المتقلبة من خلال تنسيق تخفيضات الإنتاج في المنظمة، وعلى الأخص في عاميّ 1997 و2008. وفي الآونة الأخيرة، كان النعيمي هو مهندس الاستجابة السعودية المثيرة للجدل تجاه الطفرة التي شهدها الصخر الزيتي في الولايات المتحدة والتي أكّدت الدفاع عن حصتها في السوق على حساب ارتفاع أسعار النفط، ونجاح أو فشل تلك الاستجابة سيشكّل إرثه في النهاية.

بعد إعفاء علي النعيمي من منصبه، تمّ تعيين خالد الفالح، الرئيس السابق لشركة أرامكو، على رأس وزارة تشكّلت حديثًا باسم وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، وتضم هذه الوزارة الجديدة وزارة الكهرباء والطاقة تحت مظلتها. كما تمّ إلغاء وزارة الماء والكهرباء، وتسميتها بوزارة البيئة والمياه والزراعة، وتكليفها بالإشراف على الموارد المائية في المملكة. كما تمّ إنشاء هيئات أخرى، مثل الهيئة العامة للثقافة، في حين تمّت إعادة تسمية بعض الوزرات الأخرى، مثل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، واستبدال معظم الوزراء.

رؤية 2030

ينبغي النظر إلى إعفاء أو إقالة النعيمي وإعادة هيكلة الإطار البيروقراطي السعودي باعتبارها السلسلة الأولى من الإصلاحات السياسية والتنفيذية الرامية إلى تنفيذ رؤية 2030، وهي خطة اقتصادية تهدف إلى خفض القطاع العام المتضخم والاعتماد المفرط على عائدات النفط بحلول عام 2030. من بنات أفكار شركة ماكينزي وأفكار الأمير محمد بن سلمان، فإنَّ نطاق وطموحات رؤية 2030 تبدو مثيرة، وستغيّر جذريًا الحياة السعودية إلى درجة غير مسبوقة في تاريخ المملكة.

من المتوقع مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي بعد تنويع كامل للاقتصاد السعودي إلى حدّ أن قطاعات مثل السياحة والتعدين والبناء والرعاية الصحية ستمثل أكثر من 60٪ من الاقتصاد الوطني بحلول عام 2030. وتكاليف كل ذلك تصل إلى نحو 4 تريليونات دولار، وسيتم تمويلها جزئيًا من خلال اكتتاب عام لشركة أرامكو السعودية، وإنشاء صندوق للثروة السيادية، والقضاء التدريجي على الدعم السخيّ للمياه والوقود والكهرباء.

العقبات

عرض الأمير محمد بن سلمان تقييمًا متفائلًا لإمكانية المشروع، مؤكدًا أنَّ المملكة ستكون قادرة على العيش من دون النفط بحلول عام 2020 (وهو ادّعاء يصفه العديد من المراقبين السعوديين المخضرمين بأنّه خيالي)، لكنه لم يقدم سوى القليل من التفاصيل الملموسة فيما يتعلق بعملية التنفيذ. هناك شكوك وتساؤلات كثيرة حول كيف يمكن أن تستقطب المملكة أعدادًا كبيرة من السياح من غير فئة الحجيج؟

كيف سيتم إصلاح ثقافة الفساد وعدم الكفاءة الراسخة في القطاع العام السعودي؟ هل يمكن أن يجري بيت آل سعود إصلاحات كبيرة دون إغضاب المواطنين الذين اعتادوا لفترة طويلة على سخاء الحكومة؟ على أي حال، ما نعرفه هو أن إعلان الأمير محمد بن سلمان المتفائل أنَّ رؤية 2030 ستجعل المملكة العربية السعودية لا تهتم بأسعار النفط في وقت قريب هو أمر مشكوك في صحته في أحسن الأحوال، وأنَّ وضع سياسة نفطية متماسكة ومدعومة من قِبل عائدات كافية ستكون حاسمة في النجاح النهائي للخطة والوضع المالي للبلاد في السنوات القادمة.

حقبة جديدة في مجال النفط السعودي

غريب على النخبة الملكية السعودية ومؤامرات القصر الملكي، أدار النعيمي الموارد النفطية في البلاد إلى حد كبير بغض النظر عن اعتبارات السياسة الخارجية، مفضّلًا ترك ديناميكيات السوق تشكّل القرارات السياسية. تشير إقالته إلى وضع حد لحقبة تكنوقراطية من النفط السعودي وبزوغ عهد جديد انتقلت فيه مقاليد السلطة إلى الأمير محمد بن سلمان ولجنته للشؤون الاقتصادية والتنمية.

لقد تعزز صعود الأمير وإصدار النظام القديم في مؤتمر عُقد إبريل الماضي بمدينة الدوحة؛ حيث ألغى الأمير محمد بن سلمان الاتفاق الذي توسط فيه النعيمي لتجميد أعضاء “أوبك” إنتاج النفط على اعتبار أن إيران قد امتنعت عن المشاركة. من الآن فصاعدًا، من المرجح أن تكون السياسة النفطية تابعة بشكل متزايد لأهداف أوسع للسياسة الخارجية وتعمل كسلاح سياسي في خدمة صراعات المملكة الحالية ضد إيران في سوريا واليمن والخليج.

تعمل إقالة النعيمي والتعديل الوزاري على تقوية سلطة الأمير الشاب وتعزيز موقفه. العديد من الوزراء المعيّنين حديثًا، خالد الفالح على وجه الخصوص، يدينون بالولاء شخصيًا للأمير ولكبار أفراد الأسرة الحاكمة. وعلاوة على ذلك، فإنَّ حقيقة أن إعادة تنظيم طالت الجميع تشير إلى أن رؤية الأمير الإصلاحية تحظى بدعم ضمني من الملك سلمان، مما يدل على توافق في الآراء داخل العائلة المالكة، ومن المرجح ظهور المزيد من المركزية في السلطة في المستقبل.

المخاطر

في حين أن العديد قد أشادوا بجرأة الخطة ونطاقها، يمكن النظر إلى رؤية 2030 بشكل أفضل على أنها محاولة متأخرة وُلِدت من اليأس من جانب الطبقات الحاكمة السعودية من أجل معالجة المشاكل الهيكلية العميقة التي تكشفت في عصر انخفاض أسعار النفط. وبدون عملية تنفيذ واضحة وحاسمة، فإنَّ التناقضات الكامنة التي تجتاح المملكة العربية السعودية ستنمو وتصبح أكثر حدة.

ويشمل ذلك ارتفاع كبير في معدل الشباب مع احتمال ضئيل في العمل بالقطاع الخاص الذي يطالب بحصة أكبر من موارد الطاقة والمياه المتضائلة في البلاد. وتشمل الأسباب الأخرى لحالة القلق المغامرة العسكرية المكلّفة في منطقة مضطربة، فضلًا عن تدهور الوضع المالي بشكل حادّ، مع انخفاض متوقع في الاحتياطيات النقدية إلى 460 مليار دولار بحلول عام 2019 وسط ارتفاع مستويات الدين والعجز في الميزانية. وأخيرًا، مع إمكانية وصول سعر خام برنت إلى 40 أو 60 دولارًا في عام 2017، لا يوجد هامش للخطأ بعد الآن.

في النهاية، كان علي النعيمي ضحية لانخفاض أسعار النفط الذي ساعد في تنسيقها. ويبقى أن نرى ما إذا كانت المملكة ستصمد أمام تلك الأسعار في السنوات المقبلة، وهذا يعتمد إلى حد كبير على كفاءة ودهاء الأمير محمد بن سلمان.