on
حركة العدل والمساواة بدارفور: هل بتر ذراعها الطويل؟
نشق عن منشق، وثأر يورث ثأرًا، هكذا يمكن تلخيص تاريخ حركة العدل والمساواة بدارفور. وفي مثل هذا اليوم، السابع عشر من مايو بالعام 2007، قامت حركة العدل والمساواة بالسيطرة على قاعدة للجيش السوداني إثر هجوم لها.
في إطار عملياته العسكرية التي بدأت منذ العام 2004، ومنذ سبعة أيام حلت ذكرى عملية الذراع الطويل الثامنة التي تعد العملية الأبرز في تاريخ الحركة والتي وقعت يوم العاشر من مايو بالعام 2008. اليوم، أين حركة العدل والمساواة؟، وهل من عملية ذراع طويل أخرى أم أن الحركة عفى عليها الزمن؟.
محطات هامة في تاريخ الحركة:
ظهرت الحركة في بدايتها كجزء من حركة تحرير السودان إلى أن عرفت السودان إصدار ما عرف باسم الكتاب الأسود في العام 1999، فبدأت إرهاصات الانشقاق من حركة التحرير ليعلن المؤسس خليل إبراهيم محمد حركة العدل والمساواة حركة مستقلة بذاتها في العام 2001. لم تنتظر الحركة كثيرًا حتى بدأت نشاطها العسكري في العام 2003 وتحديدًا باستهداف مطار مدينة الفاشر؛ مما ترتب عليه قتل مجموعة من رجال الشرطة والجيش والمدنيين وكذلك تدمير العديد من الطائرات والمنشآت.
التواجد العسكري للحركة منذ بدايته دفعها لتكون طرفًا فاعلاً في الحياة السياسية السودانية خاصة فيما يتعلق بأزمة دارفور؛ وعليه رفضت الحركة في مايو من العام 2004 التوقيع على اتفاق أبوجا الذي وقع بين أطراف الأزمة في دارفور.
ومن هنا جاءت بداية الانشقاق داخل الحركة حديثة النشأة، حيث رفض بعض أعضاء الحركة قرار القيادة برفض التوقيع على الاتفاق وانشقت عن الحركة منضمة إلى حركة تحرير السودان بقيادة مني أركوميناوي آنذاك، ولكن سيكولوجية الجماهير الموالية للحركة آنذاك والرافضة لقرار الحركة بعدم التوقيع دفعها لتعديل مسارها وتغيير قرار الرفض مؤقتًا حيث شاركت في مفاوضات السلام بشأن دارفور بالرعاية القطرية ووقعت مذكرتي تفاهم مع الحكومة السودانية آنذاك.
عادت الحركة مرة أخرى لقرار الرفض في العام 2006 برفضها التوقيع على اتفاق السلام بين الأطراف السودانية في شهر مايو، ولم تكتفِ بذلك بل قامت في العام نفسه بالهجوم على الخرطوم، وعملت منذ بدايات العام 2007 على تجنيد الدارفوريين من الأصول العربية للوقوف ضد النظام السوداني ونزع الشرعية الدولية منه مجمدة مشاركتها في مفاوضات السلام، ورافضة وثيقة الدوحة بشأن دارفور التي وقعت في يوليو 2011 بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة، الأمر الذي دفع بمؤسس الحركة نحو ليبيا في منتصف العام 2010.
بعدما قامت الثورة الليبية ضد معمر القذافي بالعام 2011 اضطر خليل إبراهيم للعودة مرة أخرى للسودان. وما إن مكث في موطنه، وعقب خمسة أشهر بعد توقيع الاتفاقية وتحديدًا في ديسمبر من العام 2011 قتل مؤسس الحركة خليل إبراهيم إثر غارة جوية من الحكومة السودانية، وورث عرش الحركة خلفًا له أخوه جبريل إبراهيم.
أبرز القيادات:
المؤسس خليل إبراهيم:
كونه شغل ثلاث حقائب وزارية أمر لم يمنعه من ممارسة نشاطه كأحد القيادات الإسلامية البارزة في السودان.
ولد خليل إبراهيم في العام 1958 بقرية الطينة شمال دارفور، درس بكلية الطب بجامعة الخرطوم وتخرج منها بالعام 1984، وعين بعد ذلك وزيرًا للتعليم عهد حكومة الإنقاذ بإقليم دارفور، استقال من منصبه في العام 1990، وعمل بعد ذلك وزيرًا للصحة ثم وزيرًا للشؤون الهندسية.
بدأ نشاطه في الحركة الإسلامية منذ بداية دراسته في المرحلة الثانوية، تدرج بها وخرج منها بالعام 1993 منضمًا إلى الجبهة الشعبية لتحرير السودان. وما إن حدث الخلاف بين البشير والترابي في العام 1999، اختار أن يلعب في فريق الترابي، مصدرًا آنذاك الكتاب الأسود دون أن يضع اسمه عليه، ولكن إثر الادعاءات بكون الترابي هو مؤلف الكتاب أعلن خليل أنه من قام بذلك.
استمر في نشاطه بعد الانشقاق وتأسيس حركة العدل والمساواة إلى أن تم اغتياله في العام 2011 من قبل الحكومة السودانية.
جبريل إبراهيم ووراثة الموت:
بين شقيقٍ قتل في ثورة دارفور؛ المهندس «عبد الله إبراهيم»، وآخر مغتال من قبل الحكومة السودانية؛ الطبيب «خليل إبراهيم»، ورث الاقتصادي جبريل إبراهيم قيادة حركة العدل والمساواة السودانية.
ولد جبريل بالعام 1960 بقرية الطينة شمال دارفور، دراسًا بها حتى مرحلة الثانوية، حيث انتقل إلى العاصمة «الفاشر» وبعدما أتم تعليمه الثانوي درس إدارة الأعمال بجامعة الخرطوم، ثم ماجستير ودكتوارة من جامعة ميجي باليابان، ليبدأ حياته العملية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالسعودية.
بدأت علاقته بالحركة الإسلامية منذ العام 1972 وكان آنذاك طالبًا في الصف الأول الثانوي، وتدرج بها حتى حدث الانشقاق بين الترابي والبشير بالعام 1999 فغادر إلى الإمارات وطرد منها متوجهًا إلى بريطانيا.
تواجده بالخارج سهل له الحصول على منصب أمين العلاقات الخارجية بحركة العدل والمساواة، وكذلك دراسته للاقتصاد مهّدت لتوليه المستشار الاقتصادي للحركة، وبعد اغتيال أخيه انتخب في شهر يناير من العام 2012 زعيمًا للحركة.
معًا لإنجاز مشروع الشهيد:
جاء انتخاب جبريل خليل زعيمًا للحركة ليدلّل على مدى مؤسسية الحركة وقدرتها على سد الفراغ القيادي. ولكن على الرغم من ذلك، مثلت الانتخابات انتقادًا واسع المجال للحركة، حيث رأى البعض آنذاك أن القيادة موروثة وستظل في آل إبراهيم، ولعل ما دلل على ذلك كون المؤتمر الذي انتخب به حمل شعار «معًا لإنجاز مشروع الشهيد»، ولكن جبريل نفى ذلك الأمر مشيرًا إلى أنه وارث للموت لا القيادة.
خرج المشروع بـ 24 توصية من شأنها تحديد مسار الحركة في السنوات التالية للمؤتمر، جميعها تقرّ حقيقة واحدة وهي أن الحركة مستمرة في مسارها من أجل إسقاط النظام السوداني.
الانشقاق يولد انشقاقًا
تعد الانشقاقات السمة الأبرز في تاريخ دارفور، وطبعت تلك السمة بصورة بارزة على الحركات المسلحة هناك، فقد شهدت حركة العدل والمساواة دائرة مفرغة من الانشقاقات.
ففي بدايات العام 2004، جبريل عبد الكريم باري بالتعاون مع خليل عبد الله، قاموا بإنشاء الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية، والتي انشق عنها محمد صالح حربة وأعلن تأسيس حركة العدل والمساواة القيادة الميدانية، وكما فعل حربة فعل معه، حيث انشق عنه عبد الرحيم أبو ريشة حركة العدل والمساواة جناح السلام في العام 2006، وبالعام 2007 انشقت مجموعة بقيادة إدريس أزرق عن جماعة أبو ريشة مكونة حركة العدل والمساواة الديمقراطية.
ولكن الانشقاق الأبرز في تاريخ الحركة يتمثل في «مجموعة التصحيح» والتي أعلنت انشقاقها عن الحركة في بدايات العام 2012 قبيل انتخاب جبريل قائدًا للحركة، وقد برر المنشقون فعلهم بكون الحركة الأم انحرفت عن مسارها القومي، وعليه رأت مجموعة التصحيح التي شملت أكثر من عشرين منشقًا أنه من الأفضل اللحاق بركب رغبتهم وثيقة الدوحة للسلام ونبذ العنف لحل أزمة دارفور.
قابلت الحكومة السودانية آنذاك تلك المجموعة بالترحيب؛ الأمر الذي أدى إلى تنصل الحركة الأم من تلك المجموعة والقول بأنهم صنيعة حكومة أو كما وصفوها وفقًا لتصريح لـ أحمد سليمان آدم أحد قيادات الحركة «مسرحية حكومية».
وعلى الرغم من كون تصريحات المنشقين وصفت أوضاع الحركة بأنها غير مقبولة كما جاء على لسان كرمة أمين أحد المنشقين«يجب ألا يعمى الآخرون عن حقيقة أن الأوضاع داخل الحركة صارت غير مقبولة»؛ إلا أن الحركة استطاعت كغيرها من الحركات الإسلامية أن تتدارك هذا الانشقاق وتكمل مسيرتها.
عملية الذراع الطويل
مرت ثماني سنوات على عملية الذراع الطويل التي تعد العملية الأبرز في تاريخ الحركة بالعام 2008 يوم العاشر من مايو، بل تعدّ أكبر العمليات التي ضربت العاصمة المثلثة «الخرطوم» –لقبت بالعاصمة المثلثة حيث تشمل ثلاث مدن رئيسية: مدينة الخرطوم باعتبارها العاصمة السياسية، وأمدرمان باعتبارها العاصمة التاريخية، والخرطوم بحري لأهميتها الاقتصادية، بعد ما يسمى بهجوم المرتزقة في العام 1976.
تعود جذور العملية إلى حصار المعارضة التشادية للرئيس «ديبي» وتدخّل حركة العدل والمساواة لفك هذا الحصار. وكانت رؤية ديبي للأمر أنه مخطط من الحكومة السودانية لتقليب المعارضة عليه؛ وعليه فكر في الثأر، فتعاون مع حركة العدل والمساواة وقدم لهم يد العون، لتقوم الحركة بالتحرك نحو العاصمة التاريخية للسودان، أمدرمان، بعتاد تضاربت الأرقام حوله ما بين 100 إلى 300 عربة دفع رباعي محملة بالأسلحة.
ما إن دخلت قوات حركة العدل والمساواة أمدرمان عملت على السيطرة على قاعدة عسكرية للجيش السوداني ثم انقسمت إلى جزئين: قوة توجهت نحو القصر الرئاسي وأخرى نحو مبنى الإذاعة والتلفزيون. في ذلك الوقت أعلن الجيش السوادني حظر التجول وأن الجيش تمكن من دحر حركة العدل، الأمر الذي نفي من قبل الحركة مشيرة إلى أن المعركة ما زالت مستمرة. وعلى الرغم من عدم تحقيق الحركة هدفها بإسقاط النظام السوداني، إلا أنها تمكنت من إسقاط نحو 136 قتيلًا من بينهم 30 مدنيًّا والبقية من الجيش والشرطة السودانية.
هل من ذراع آخر؟
واقع الحركة تلك الفترة يدفعها نحو احتمالين ربما لا ثالث لهما؛ إما أن تستمر في محاربة النظام السوداني، أو تتنحى جانبًا وتقبل بقواعد الواقع وتجلس على طاولة المفاوضات.
ولكن ربما سمة استحضار الماضي البارزة في عرف قيادات الحركة تدفعها نحو اختيار الاحتمال الأول مستمرة في الوقوف ضد النظام. ولعل ما يدلل على هذا، البيان الذي أصدره جبريل إبراهيم يوم الثالث عشر من مايو الحالي ونشر على موقع الحركة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» مشيرًا إلى أن الحركة والجبهة الثورية بإمكانها تنفيذ على شاكلة الذراع الطويل في الفترات القادمة.