‘داخل وحدات الحشد الشعبي: هل تغيّرت العلاقة بين السُنة والشيعة في العراق؟’

25 مايو، 2016

ناشيونال إنترست –

بالنسبة للعديد من المراقبين، كانت قوات الحشد الشعبي هي الميليشيات التي أدت إلى نهاية العراق، بقدر ما أدى ظهور داعش إلى الفوضى التي لا نهاية لها في البلاد. تسير السردية الشعبية على النحو التالي: تشكّلت المنظمة شبه العسكرية في أعقاب دعوة آية الله العظمى علي السيستاني في يونيو عام 2014 للعراقيين لحمل السلاح ضد هجوم داعش.

ولكن بدلًا من إنقاذ العراق، استخدمت الجماعات المدعومة من إيران هذه الدعوة لمضاعفة قوتها. كما واصل الجيش العراقي التعثر من هزيمة إلى أخرى، وصعدت قوات الحشد في المناطق ذات الأغلبية السُنية، مما أدى إلى حمّام دم طائفي.

الحلفاء السابقون للولايات المتحدة وشيوخ القبائل الذين شكّلوا العمود الفقري لصحوة الأنبار، وقعوا تحت حصار داعش وقوات الحشد، بينما كانت حكومة العبادي المحاصرة خاضعة لإيران.

بالرغم من أنها قصة دراماتيكية في نواح كثيرة، إلّا أنه يجري تبسيطها على نحو مفرط. وبادئ ذي بدء، تشكّل وحدات الحشد الشعبي نحو أربعين جماعة ذات أجندات مختلفة. وقد أعطى هذا التنوع قوة كبيرة لوحدات الحشد من حيث الأرقام. ولكن في حين تبدو قوات مقتدى الصدر على استعداد للصدام مع الجماعات المدعومة من إيران، يمكن أن تصبح نقطة ضعف كذلك.

في نهاية أبريل الماضي، سافرتُ إلى العراق للمرة الثالثة منذ أكثر من عام للعمل على فيلم وثائقي مستقل عن الحياة في العراق. كنت باستضافة “عتبة”، وهي منظمة تدير الأماكن المقدسة بالعراق. أرادوا أن يروني جانب من الحرب بشكل أكثر دقة مما يتم تصويره عادة.

في الواقع، كنتُ قد كتبتُ مقالة طويلة عن القبائل السُنية في العراق منذ عام 1979 وحتى يومنا هذا، وكنتُ أفكّر في تاريخ العراق المتشابك. بروز الطائفية يتأرجح صعودًا وهبوطًا في العراق، وليس هناك سردية سائدة الآن كما كان في عام 2006. ولنأخذ مثالًا واحدًا فقط من التاريخ، انتفاضة القبائل السُنية في الرمادي عام 1995 ضد النظام والتي تُعدّ حلقة هامّة ولكنها منسيّة في الغالب. وبالمثل، فإنَّ التوتر بين قبيلة الجبور وصدام حسين في مطلع التسعينات يوضح التحالفات المعقدة والمتغيّرة في السياسة العراقية. هذه الحلقات تتردد أصداؤها اليوم فيما يرقى إلى حروب أهلية داخل العشائر السُنية، وهو أحد الأسباب التي تجعل أمريكا لا يمكنها ببساطة إحياء صحوة الأنبار.

ومع ذلك، لا يمكنك إجراء مقابلات مع الأفراد في المنظمات العسكرية خلال الحرب وتتوقع أن تكون الإجابات خالية من التحيّز أو محاولات لتشكيل سردية إعلامية معينة. وعلى الرغم من ذلك، كان واضحًا من المقابلات التي أجريتها مع عناصر وحدات الحشد أنَّ الشهادات لم يتم إعدادها قبل المقابلة، رُغم أنَّ العديد منهم غلبت عليهم النزعة الوطنية في بعض الأحيان.

على سبيل المثال، هناك شهادات مرتبطة بالخلفية السياسية والجغرافية للمتحدثين؛ فقد أوضح سُني من قبيلة البومحل أن قبيلة القاربولي كانت “منحازة لتنظيم داعش” (كانت هناك عداوة طويلة بين القبيلتين بعد عام 2003) كما أعرب القائد العام لسرايا الخراساني المدعومة من إيران عن قناعته بأنَّ الولايات المتحدة تدعم داعش بشكل كامل.

تمّت إعادة ترجمة المقابلات مع الأعضاء السُنة بوحدات الحشد في لندن من قِبل صحفي سُني من محافظة ديالى، الذي تحقق أيضًا من أن المقابلات حدثت دون إجبار لأي طرف. المثير للاهتمام كانت زيارة وحدات الحشد المسيحية، المعروفة باسم “الأسود” من فرقة بابل، ومقرها في بغداد. أكّد المتحدث باسم تلك الوحدات بطريقة تشبه تشرشل تقريبًا الكيفية التي خاض بها رجاله معركة نبيلة من أجل الحضارة والتراث العراقي. كانت الأجوبة ذكية، بالتأكيد، ولكن تذكر مذبحة المسيحيين العراقيين من قِبل تنظيم القاعدة في عام 2010 في كنيسة قريبة، كيف يمكن أن نختلف في ذلك؟

كنت أتحدث الى أربعة عشر عضوًا في وحدات الحشد من أربع وحدات مختلفة، ثمّ عدتُ إلى البيت مع بعض الاستنتاجات الأوليّة. لقد أدت وحشية تنظيم داعش إلى إنشاء تحالفات عابرة للطائفية سيكون من الصعب تغييرها. ومثل وحشية تنظيم القاعدة حينما أجبر شيوخ السُنة للهجوم على الوحدات الأمريكية، ارتكب داعش خطئًا أكبر من خلال إجبار العديد من المشايخ لمواءمة أنفسهم مع وحدات الحشد. قد يكون البغدادي أنشأ تحالفًا طائفيًا شاملًا على نقيض هدف الزرقاوي لتقسيم السُنة والشيعة في حرب لا نهاية لها من الفوضى. لكن الفضل الحقيقي يذهب إلى آية الله العظمى السيستاني الذي دعا مرارًا وتكرارًا لتعاون طائفي شامل.

في ربيع عام 2015، قال خالد علي الجبوري، رئيس بلدية الحويجة:

“في يوم من الأيام كانت إيران عدونا، ولكن الآن إيران تساعدنا على محاربة عدونا”.

تذكروا أنَّ هذا هو رئيس بلدية الحويجة، وهي المدينة حيث قُتل الجنود العراقيين السُنة في عام 2012. عندما قال الجبوري إنَّ إيران كانت “عدونا” كان وقت الحرب بين إيران والعراق، عندما حارب خمسون ألف على الأقل من أنصار الجبوري رجال آية الله.

ولذلك، فمن غير المعقول أنَّ وحدات الحشد الشعبي أصبحت أكثر شمولًا في ظل تراجع داعش. ومنذ سبتمبر عام 2014، وصلت أول دفعة من مقاتلي العشائر السُنية من قبيلة جبور إلى أعضاء جماعة عصائب أهل الحق في قرية الضلوعية. وكما لوحظ حينها، كانت قبيلة جبور على علاقة طويلة ومعقدة مع كل من صدام والحكومات العراقية في مرحلة ما بعد عام 2003.

ولكن اختيارهم لعصائب أهل الحق كحليف يبدو غريبًا، نظرًا لسمعة الجماعة المثيرة للجدل؛ وهو مؤشر على مدى سرعة تغيّر الأمور. قبل فترة طويلة، كان الإعلام الاجتماعي العراقي يفيض بقصتين غير منطقيتين تمامًا. ابنة شيخ سُني، أمية جبارة، قُتلت أثناء تبادل لإطلاق النار مع داعش في الصيف الدموي لعام 2014، وأم قصي، امرأة سُنية أخرى من صلاح الدين، آوت خمسة وعشرين جنديًا شيعيًا تمكّنوا من الهرب من مجزرة سبايكر. بالنسبة للبعض، أصبحت هذه المرأة رمزًا للوحدة الوطنية.

وبطبيعة الحال، بعد عشر سنوات من تفجير مزار العسكري الشيعي، والغضب الطائفي لا يزال يطارد المجتمع العراقي. وكما قال رجل عراقي لي: “السُنة لن يعودوا أبدًا إلى جرف الصخر”، وهي بلدة تحرّرت من داعش في عام 2014.

في الوقت نفسه، يمكننا القول إنَّ الكثير من السُنة أثاروا الرعب من وصول وحدات الحشد إلى مدينتهم، وكانت مدينة الموصل المثال الأبرز على ذلك. وبالمثل، كان هناك عدد من الفظائع الموثّقة التي اُرتكبت من قِبل بعض وحدات الحشد، وقد أعلنت وزارة الداخلية عن مسؤوليتها عن واحدة من تلك الفظائع.

ولكن حتى هذه القصة ليست بهذه البساطة. في عام 2015، كانت هناك تقارير من تشير إلى أنَّ وحدات الحشد حرقت المنازل في تكريت بعد طرد داعش من المدينة. اتضح فيما بعد أن الكثير من هؤلاء الذين يدمرون الممتلكات كانوا من السُنة من قبيلة جبور الذين ينتقمون من أفراد قبيلة البو عجيل، ووجهوا إليهم تهمة دعم داعش. وفي وقت لاحق، زار زعيم منظمة بدر، هادي العامري، شيخ من قبيلة البو عجيل لمناقشة تلك الحوادث، فيما قال الشيخ أنّه كان “لقاءً مثمرًا“.

وعلى النقيض من تلك الحوادث، عندما تحدثت مع القائد علي الياسري من سرايا الخراساني المدعومة من إيران، قال لي إنّه متحمس بصدق تجاه السُنة في صفوف وحداته “الذين عانوا في ظل حكم صدام” وقاتلوا بشجاعة كبيرة.

الآن هناك مجموعة من وحدات الحشد لديها عدد كبير من السُنة، مع وحدة واحدة ممولة من قِبل منظمة “عتبة” ووزارة الدفاع، ولواء علي الأكبر، الذي يضم بين صفوفه نحو 20 بالمئة من السُنة. وحدات أخرى، مثل (تدعمها وزارة الدفاع أيضًا) لواء أبو الفضل العباس، يضم بين صفوفه 10 بالمئة فقط من السُنة، ولكن وحدات الحشد السُنية في تلك الوحدات التي تحدثنا إليها في جنوب الأنبار كانت موالية لجماعاتها.

السبب في ذلك هو أنَّ لواء أبو الفضل العباس قد أعطاهم المساعدات الغذائية والبطانيات. وهذا ليس مستغربًا: كونه مدعومًا من الأضرحة، كان لواء أبو الفضل العباس يتبع أوامر السيستاني لحماية السُنة، الذين كانوا (بالنسبة للسيستاني) “ليس فقط إخواننا، ولكن مثلنا تمامًا.” كما اشتمل الكثير من الأعمال الأخيرة لمنظمة “عتبة” على مساعدة النازحين داخليًا.”  

في مدينة النخيب، تحدثتُ إلى شاب مقاتل في لواء أبو الفضل العباس من قبيلة البومحل (قبيلة الصحوة الأصلية) الذي قد شارك مؤخرًا في الهجوم على بلدة هيت شمال غربي الرمادي. مقاتل آخر، أيضًا من قبيلة البو محل، أكّد أنه كان يقاتل إلى جانب قبيلة الجحيفة، وهي قبيلة تخوض صراع طويل مع الجهاديين السلفيين في مدينة حديثة. وسألته عن الولايات المتحدة والصحوة، وكان جوابه قاتمًا:

“انهارت الصحوة، ولم يعد لها وجود بعد الآن. قبل عام 2014، بدأ تنظيم داعش من خلال هجمات سرية، واغتيال الأشخاص، وضرب نقاط التفتيش. وأعتقد أن الائتلاف في البداية كان معنا وقد أبلينا بلاءً حسنًا حينها، ولكن في نهاية المطاف تخلوا عنا. لذلك لم يتبق لنا سوى دعم القبائل والجيش في مدينة حديثة.”

وحدات الحشد السُنية، التي شهدت أكثر من عقد من الحرب، يمكن أن تشكّل نواة صحوة ثانية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يكون أكثر مرونة من الثورة السُنية الأولى ضد الإرهابيين في العراق: حركة على غرار الصحوات العراقية المحلية (بدلًا من حركة بمبادرة من واشنطن) يمكن أن تبقى في السلطة، وخاصة أنَّ جماعات مثل لواء أبو الفضل العباس تقول إنه سيتم دمجها في القوات المسلّحة، في حال عدم إعطاء الأمر.

هناك جدال بين المؤرخين حول ما إذا كان المالكي ورفاقه قد خرقوا الهدنة مع البعثيين السابقين، وحصلوا على داعش في المقابل. بالنسبة للكثيرين، الطريقة التي تعامل بها المالكي مع الصحوة كانت غبية، وعدد قليل فقط من شيوخ العشائر أيّدوا رئيس الوزراء بعد اعتقال السياسيين السُنة في عام 2011 وما بعدها. ولكن عند قراءة عن الزعيم القبلي العلواني من الأنبار الذي ارتبط بمجزرة الشيعة قرب مدينة الحلة في عام 1991، فإنه من الصعب القول بأنَّ الغرب قد ضغطوا من أجل المصالحة.

وهذا لا يعني أننا يجب أن نرمي المصالحة في مهب الريح دون تمحيص سلوك العراق في مكافحة الارهاب. يجب أن يعامل العراق الإرهابيين الأسرى وفقًا للاتفاقيات الدولية، ولكن صوتنا مقيّد في العراق.

القائد الميداني في لواء أبو الفضل العباس المطلع على تقارير وسائل الإعلام عن وحدات الحشد، أكّد لنا أنَّ “أيًا كان ما سمعتموه، نحن لا نعذب الأسرى”. وبالمثل، تحدث قائد سرايا الخراساني عن “محاكمات” السُنة الذين دعموا” داعش” بعد الحرب. يجب علينا أن نتحلى بالتفاؤل ونواصل دعم الشركاء المنفتحين لسماع كيفية تعزيز حقوق الإنسان التي هي جزء أساسي من محاربة الإرهاب.

وبطبيعة الحال، منذ أن أخبر أحد نواب البرلمان الإيراني قيادة سرايا الخراساني في الآونة الأخيرة أنها ستكون النسخة العراقية من الحرس الثوري الإيراني، من الواضح أن هناك العديد من الجوانب لوحدات الحشد. وفي نهاية مناقشة طويلة حول السياسة العراقية مع الياسري، سألته إذا ما كان المستثمرون العربيون سيكونون في أمان للعمل في العراق. فقال: “بالطبع،” وابتسم. “أنت آمن معنا هنا، أليس هذا دليلًا كافيًا؟” هل يمكن أن يتسرب الوفاق في العلاقات الدولية الإيرانية إلى العراق؟

يبدو أنّه من غير المحتمل حدوث ذلك الآن، ولكن في العراق يمكن أن تتغيّر الأمور بسرعة. إذا كان شخص ما قد قال لي في عام 2014 أنَّ الجيش العراقي المتفكك والمدمر سيتقدّم نحو الموصل، كنت لن أصدقه حينها. لكنَّ الفوضى السياسية الحالية في المنطقة الخضراء تبيّن أن الأحداث في العراق يمكن أن تتحرك بشكل أسرع مما تتوقع واشنطن أو طهران.

ما يهمّ الآن هو أنَّ التحالف الناشئ بين السُنة والشيعة في العراق لديه قوة عراقية، وهي وحدات الحشد. الحكومة العراقية سترفض بشدة أي محاولة لتسليح نسخة جديدة من الصحوة، وحتى الآن تمّ رفض خطة الحرس الوطني بشأن سُنة العراق. الرومانسيون من حركة الصحوة يمكن أن يشكو من هذا الوضع، ولكن هذا هو الواقع الجديد. وفي الوقت نفسه، في عملية الفلوجة الحالية، تقع قبيلة الجميلات السُنية تحت قيادة الزعيم جمعة الجميلي، جنبًا إلى جنب مع المقاتلين من عشيرة البو عيسى. وقد أشاد رئيس بلدية المدينة، عيسى ساير العيساوي، من قبيلة البو عيسى، بمشاركة السُنة في وحدات الحشد.

لقد أصبحت السياسة العراقية مجزأة وفي حالة جمود الآن. ولكن مثلما هناك علاقات جديدة ومتوترة بين السُنة والشيعة في الحرب على داعش، ليس هناك أي شيء بسيط في العراق. رجل الدين الراديكالي مقتدى الصدر يؤيّد بشكل فعّال إصلاحات رئيس الوزراء العبادي. وهادي العامري، حليف الحرس الثوري الإيراني، تفاوض مرارًا مع الاتحاد الوطني الكردستاني على مدينة كركوك المتنازع عليها. ووحدات سرايا الخراساني منحازة بوضوح إلى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. ما الدرس المستفاد هنا؟ ربما فهم الديناميكيات السياسية الداخلية داخل الطوائف والأعراق هو أكثر أهمية لمنع الأزمة المقبلة في العراق من فهم الفرق بين السُنة والشيعة.

25 مايو، 2016