on
كيف تعيش إسرائيل ذكرى إغلاق خليج العقبة
فى صبيحة يوم 23 مايو 1967م، خرجت صحيفة الأهرام وفي صفحتها الأولى مانشيت يقول: «عبد الناصر يعلن إغلاق خليج العقبة»، وقد أعلن عبدالناصر قرار إغلاق خليج العقبة رسميًا أثناء زيارة قام بها يوم 22 مايو 1967م، لمركز القيادة المتقدمة للقوات الجوية بصحبة المشير عبدالحكيم عامر، النائب الأول لرئيس الجمهورية نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وزكريا محيي الدين وحسين الشـافعي وعلي صبري، نواب رئيس الجمهورية وشمس بدران، وزير الحربية وكان هناك الفريق أول صدقي محمود قائد القوات الجوية والفريق أول عبد المحسن مرتجى، وفي هذه الزيارة قال عبد الناصر إن سيادتنا على مدخل الخليج لا تقبل المناقشة.
الأهمية الإستراتيجية للخليج
ترجع الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية لخليج العقبة الذي يقع في الطرف الشمالي من البحر الأحمر بين شبه الجزيرة العربية شرقًا وشبه جزيرة سيناء غربًا، وتطل عليه أربع دول عربية هي فلسطين في الشمال بساحل يبلغ طوله 11 كم، والأردن في الشمال الشرقي بساحل يبلغ طوله 17 كم، ومصر في الغرب بساحل يبلغ طوله 20 كم، والسعودية في الشرق بساحل يبلغ طوله 140 كم، أما الخليج نفسه فيبلغ طوله 188كم وعرضه من 10 – 25 كم، وهو يكاد يكون مغلقًا جغرافيًا بجزيرة تيران وجزر صنافير وأبو شوشة ويرقان والصخور والشعب المرجانية، ولا يتجاوز عرض الممر المائي الآمن الصالح للملاحة حوالي 1.5 كم، وهو محصور بين مضايق تيران وساحل سيناء.
كما ترجع أهميته إلى كونه يربط دول شرق المتوسط وخاصةً الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين مع شرق وجنوب أفريقيا وآسيا وأستراليا ونيوزلندا وإندونيسيا، ولذلك أقامت إسرائيل على سواحله مدينة إيلات في مكان قرية أم الرشراش الفلسطينية، وقد قامت القوات الصهيونية باحتلالها في 10 مارس عام 1949م، بعد انتهاء القتال في 18 يوليو عام 1948م، وبعد توقيع اتفاقية الهدنة مع مصر في 24 فبراير عام 1949م، لتكون قاعدة إسرائيل على البحر الحمر ومركزها للسيطرة عليه، ونقطة انطلاقها في إحداث شلل الاقتصاد المصري وإقامة قناة موازية لقناة السويس ومرفأ لغواصات الدولفين النووية الصهيونية التي تشكل تهديدًا مزمنًا لبوابة مصر الشرقية البحرية، وسور برلين بين آسيا العربية وأفريقيا العربية وسدًا في وجه حجاج المغرب العربي، ورمزًا لتدويل البحر الأحمر، وذلك بالإضافة إلى فك العزلة السياسية عن إسرائيل وفتح أسواق لمنتجاتها وجلب المواد الخام اللازمة لصناعتها ومصدرًا للثروة البحرية والأسماك.
لذلك كان خليج العقبة وخليج السويس وقناة السويس هدفًا إستراتيجيًا في السياسة الإسرائيلية وفي كل الحروب التي خاضتها إسرائيل. وقد تم فتح الخليج أمام السفن الإسرائيلية بعد العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956م، بعد وضع مضايق تيران وشرم الشيخ تحت إشراف قوات الطوارئ الدولية، لكن وبعد نكسة 1967م، احتلت إسرائيل المضايق والخليج وسيناء كلها وبذلك أصبحت الملاحة في البحر الأحمر مفتوحة أمامها وما زالت حتى اليوم مفتوحة أمامها، خاصةً بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978م.
كواليس القرار
إذا أرادت إسرائيل أن تهدد بالحرب فنحن نقول لها: أهلًا وسهلًا.
الرئيس جمال عبدالناصر
عبد الناصر في رسالة قصيرة لإسرائيل: «إذا أرادت إسرائيل أن تهدد بالحرب فنحن نقول لها: أهلًا وسهلًا»، وعلى خلفية ذلك قام المشير عبدالحكيم عامر بإلقاء بيان القوات المسلحة آنذاك متضمنًا 7 بنود هي:
أولاً: يقفل مدخل خليج العقبة اعتبارًا من باكر 23 مايو 1967م، أمام جميع السفن التي تحمل العلم الإسرائيلي، وكذلك ناقلات البترول على اختلاف جنسياتها والمتجهة إلى إيلات.
ثانيًا: يسمح للسفن الخارجة من الخليج على اختلاف جنسياتها بالخروج منه.
ثالثًا: يقوم لنش طوربيد نهارًا، والسفينة رشيد ليلًا بمعارضة السفن التي تحمل العلم الإسرائيلي وكذلك ناقلات البترول من الجنسيات المختلفة المتجهة إلى إيلات في منطقة جنوب خليج العقبة لتحذيرها من دخول الخليج.
رابعًا: إذا لم تستجب إحدى السفن المذكورة إلى تحذير لنش الطوربيد نهارًا أو السفينة رشيد ليلًا، يقوم لنش الطوربيد أو السفينة رشيد بإبلاغ قائد منطقة شرم الشيخ باسم السفينة وموعد وصولها إلى «مضيق تيران».
خامسًا: عند وصول إحدى هذه السفن إلى «مضيق تيران» تقوم المدفعية بضرب طلقة إنذار أمام السفينة وتحذيرها بواسطة محطة الإشارة البحريـة، ويصير تكرار الضرب والتحذير أمام السفينة مرة أخرى إذا لم تستجب للطلقة الأولى.
سادسًا: إذا لم تستجب السفينة إلى طلقتي الإنذار يصير ضرب السفينة بغرض تعطيلها أولاً ثم إغراقها إذا لم تمتثل بعد ذلك.
سابعًا: يصرح بالمرور للسفن التي تحرسها سفن حربية، ولا يتم الاعتراض أو الاشتباك مع السفينة أو السفينة الحربية، حتى لو كانت السفينة المحروسة ترفع العلم الإسرائيلي.
ولم يمض أقل من شهر لإعلان إغلاق المضيق لتأتي حرب عام 1967م بين إسرائيل ومصر وسوريا والأردن، انتهت بانتصار إسرائيل واستيلائها على قطاع غزة والضفة الغربية وسيناء والجولان.
لماذا أصبحت تيران وصنافير جزءًا من المعركة؟
تيران وصنافير، جزيرتان أصبحتا محل الأنظار بعد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية التي أثارت جدلًا كبيرًا. الجميع أضحى يتسابق إلى محرك البحث جوجل وإلى الخرائط والمراجع كي يحسم المسألة في رأسه بحقائق التاريخ والجغرافيا.
لكن يبقي الثابت حتى الآن أن تلك الجزيرتين لهما أهمية إستراتيجية كبيرة ومن يتحكم فيهما بإمكانه التحكم في مضيق تيران الذي كان إغلاقه في عام 1967م، سببًا لاشتعال حرب يونيو 1967م.
تعود أهمية الجزيرتين إلى قيمتهما الكبرى في التأمين الدفاعي الإستراتيجي للجزء الجنوبى لشبه جزيرة سيناء والمياه الإقليمية المصرية قبالة شمال الساحل الشرقي لمصر على البحر الأحمر، وبالتالي إغلاق خليج العقبة بالكامل في حال اندلاع أي حرب مع إسرائيل يعد معضلة كبيرة لدى إسرائيل.
وبالنسبة لإسرائيل فالجزيرتان تضمن من خلالهما الاحتفاظ بالممرات الملاحية الواضحة للاستيراد والتصدير، كما أنهما يتحكمان في حركة المرور من و إلى ميناء إسرائيل الجنوبي في إيلات، ومضيق تيران الذي تشرف عليه الجزيرة هو الممر البحري المهم إلى الموانئ الرئيسية من العقبة في الأردن وإيلات في إسرائيل.
ومن ناحية أخرى تعد جزيرتا «تيران وصنافير» من أكثر الجزر حول العالم جذبًا للسائحين، فهي مقصد لمحبي رياضات الغوص لصفاء مائها وجمال تشكيلاتها المرجانية، إذ تنتشر بهما الشعب المرجانية والأسماك النادرة، ولهما برامج سياحية باليخوت مع شرم الشيخ، لذلك فإن موقعهما المتطرف في البحر الأحمر بعيدًا قليلًا عن جنوب سيناء جعلهما هدفًا دائمًا للاحتلال.
ما الذي ستخسره مصر؟
ويكون للدول الشاطئية حق صياغة اللوائح والقوانين التي تكفل سلامة الملاحة في المضايق ومنع التلوث ومنع الصيد وتحميل أو إنزال أي سلعة أو عملة أو شخص مخالف لقوانين وأنظمة الدولة الشاطئية الجمركية أو الضريبية أو المتعلقة بالهجرة أو الصحة، على أن يتم الإعلان سلفًا عن هذه القوانين (المادة 42). وينبغي على الدولة الشاطئية أن تتعاون على إقامة وصيانة ما يلزم من وسائل تيسير الملاحة وضمان السلامة، على أن يقابل ذلك رسوم تفرضها الدولة الشاطئية على المرور في المضيق، وفيما يخص مضيق تيران باعتبار أن مياهه خاضعة للسيادة المصرية هو مضيق مصري.
وفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة فإن سيطرة على مصر جزيرتي تيران وصنافير كان يعطي لها الحق في التحكم في كافة الأنشطة التجارية التي تمر إلى أفريقيا والجزيرة العربية وإسرائيل؛ وبالتالي تنازل مصر عن هذا المضيق والجزيرتين يعطي ضوءًا أخضر لخسارة السيادة المصرية على الشرق الأوسط للأبد. اليوم تكسب إسرائيل أرضًا جديدة وتدخل السعودية بشكل عملي في اتفاقية السلام الذي عبّر عنه الرئيس السيسي بأنه «دافئ» مع إسرائيل، لكن ربما ليس في درجة دفء الدماء المصرية التي نزفت على تلك الجزيرتين.