اغتيال الحجيري.. ثأر يضع البقاع اللبناني على فوهة بركان مذهبي
26 مايو، 2016
استفاق البقاع اللبناني يوم الثلاثاء على عمليّة ثأرية ذات طابع مذهبي وسياسي، تشكل نذير شؤم من عودة البلاد المنقسمة سياسياً ودينياً إلى عين العاصفة الطائفية.
وتوترت الأوضاع الأمنية في بلدة عرسال شرقي البقاع، التي شهدت انتشار عشرات المسلحين، بعد الإعلان عن إقدام عائلة شيعية على الثأر من ابن بلدة عرسال السنية محمد الحجيري نجل المختار السابق في عرسال علي الحجيري (ملقب بأبو طاقية)، وسط حالة من التأهب الممزوج بالغضب.
وعثر على جثة محمد الحجيري، الذي كان قد خطف، قبل ظهر الثلاثاء، على قبر الجندي محمد حمية في مدافن بلدة طاريا غربي بعلبك، في عملية تبناها والد العسكري حميّة الذي أعدمته جبهة النصرة قبل أشهر من عملية تبادل الأسرى بين الجبهة والعسكريين المخطوفين من الجيش اللبناني.
وأعدمت “جبهة النصرة” الجندي حميّة في 20 سبتمبر/أيلول 2014، خلال المفاوضات بينها والدولة اللبنانيّة لإطلاق سراح المخطوفين، الذين أُطلق سراحهم لاحقاً خلال صفقة تبادل بين الجانبين في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2015.
واتُّهم “أبو طاقية” حينها أنه مسؤول عن نقل العسكريين المخطوفين من داخل البلدة إلى الجرود، ويرى معروف حمية، والد العسكري محمد، أن المختار الحجيري ضالع في جريمة قتل ولده قائلاً: إنه “عندما أسر العسكريون، وصل فوج المغاوير على بعد مئة متر وأبو طاقية طلب أن يستلموهم ولكن أتت الأوامر لاحقاً بتركهم”.
وتقول صحيفة السفير اللبنانية إن الشعور بـ “فائض القوة” لدى مصطفى الحجيري (أبو طاقية) كاد يؤدي إلى إفشال مفاوضات إطلاق العسكريين المختطفين عند “النصرة” في اللحظة الأخيرة، بسبب إصرار الرجل آنذاك على نيل ضمانات له ولعائلته، وهو الأمر الذي رفضه بشدة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
وهذه الأحداث تضع منطقة البقاع على فوهة البركان نتيجة البعد الطائفي الذي بدأ يُستثمر من قبل الجهتين، وتعيد فتح عدد من الجروح غير الملتئمة لدى السكان هناك أهمها إعدام عدد من المخطوفين لدى جبهة النصرة ومنهم محمد حمية، وجرح الوضع غير السوّي في عرسال وجرودها، وما ولّده من انعكاسات سلبية على العلاقة بينها وبين جوارها.
وأعلن معروف حمية أن ما حصل “نقطة في بحر”، قائلاً: “نحن من نفذ عملية قتل ابن الحجيري، أخذاً بالثأر لابننا الشهيد، ونحن من حمل الجثة ووضعها على القبر، والدور قادم على أبو طاقية وأخيه المختار وأبو عجينة. بيوتي مفتوحة للقوى الأمنية، وما زلت في منزلي، ومن يقتل أبو طاقية يخلّص البشرية من جرثومة”.
ويُتخوّف أن تؤدي عمليّة خطف الحجيري ومن ثم قتله، إلى رفع مستوى التوتر بين بلدة عرسال، ذات الأغلبية السنية، والقرى المحيطة، ذات الأغلبية الشيعية، خصوصاً أن التوتر وصل في بعض الأوقات لدرجة حصار بلدة عرسال من المحيط، واتهامها بأنها تحوّلت إلى إمارة لتنظيم “الدولة”، وسبق لوزير الداخليّة نهاد المشنوق أن وصف بلدة عرسال بأنها “محتلة”.
وهدد معروف حمية آل الحجيري بالقول: “إذا قاموا بردة فعل فالنار ستفتح عليهم كلهم”، مؤكداً في الوقت ذاته أن “السّنة أهلنا وإخوتنا، وثأرنا مع بعض الأشخاص من آل الحجيري وغيرهم”، وشدد على أن “الفتنة لن تقع في البقاع”.
وتزامناً مع مقتل الحجيري، سمعت أعيرة نارية في طاريا وفي حي الشراونة في بعلبك ابتهاجاً بعملية ما أسموه “الثأر”، في وقت أفيد عن انتشار مسلح في عرسال لأنصار مصطفى الحجيري، واتخذ الجيش اللبناني إجراءات أمنية مشددة على مدخل عرسال وحول منزل حمية في طليا، فيما علّق المختار السابق علي الحجيري على مقتل نجله بالقول: “إنّ القتلة ناس جهلة يعودون إلى القرون الوسطى وهم بلا كرامة وبلا حمية”.
أما بالنسبة إلى الخطوات المستقبلية، فأشار الحجيري إلى أنه “لو كان هناك دولة ما كان حصل ما حصل، وفي حال كانت هناك الدولة القاتل معروف وهو أعلن عن نفسه”، وشدد على أنه كان “أول من استنكر جريمة قتل العسكري الشهيد المظلوم محمد حمية”، متسائلاً: “هل هكذا يرد لنا الجميل.. لنا الله”.
وطالبت “الجماعة الإسلامية” في البقاع “كل القوى اللبنانية، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، بأن تبذل كل الجهود من أجل وأد الفتنة وعدم السماح لأحد أن يسعر نارها من أجل تقويض ما تبقى من هيكل الدولة لأهداف لا تخدم مصلحة لبنان ولا اللبنانيين”.
وأوضح المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، أنّه ليس قلقاً من احتمال أن تقود حادثة طاريا إلى عواقب أمنية وخيمة أو فتنة مذهبية، مشدداً على أن “قوى الجيش والأمن، بكل أجهزتها في جهوزية تامة، وهي تسيطر على الوضع”.
ويدخل الشغور الرئاسي عامه الثالث اليوم، ضارباً الرقم القياسي في تاريخ الأزمات الرئاسية في لبنان، من دون أن تلوح في الأفق مؤشرات حقيقية إلى انفراج قريب.
وغياب أي استراتيجيّة حكوميّة واضحة في التّعامل مع ملف مخطوفي جبهة النصرة عام 2014، يثير القلق بالنّسبة للحالة الجديدة في البقاع وما حولها، ويضع الدولة اللبنانية المتهالكة أمام تحد أكثر طائفية.