كيف يؤدي رُهاب الإسلام إلى التطرف؟
26 أيار (مايو - ماي)، 2016
هاف بوست مترجم –
كان الخوف من الإسلام والمسلمين اتجاهًا واضحًا منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة. في أوروبا، حظي هذا الاتجاه باحترام وهميّ باسم حرية التعبير.
ويشير تقرير صدر مؤخرًا عن مؤسسة فريدوم هاوس أنَّ رُهاب الإسلام المتنامي في أوروبا يهدّد الديمقراطية. هذا التقرير، كما ذكرت مقالة في صحيفة الشرق الاوسط، “قدّم صورة قاتمة لحالة القيّم الليبرالية في أجزاء من أوروبا، وسلّط الضوء على عدد من الاتجاهات المقلقة في 29 بلدًا في أوروبا الشرقية والوسطى، وكذلك دول الاتحاد السوفياتي السابق في آسيا الوسطى.”
وعلاوة على ذلك، وجدت دراسة أجراها مركز “جالوب” عام 2015، أنَّ 38 بالمئة من الأمريكيين يرفضون التصويت لمرشح مسلم “مؤهل تأهيلًا جيدًا” لرئاسة الولايات المتحدة. كما أظهر العديد من البريطانيين موقفًا مماثلًا عن طريق التعبير عن وجهة نظرهم بأن الإسلام هو “تهديد للديمقراطية الليبرالية الغربية“. من خلال رؤية هذا الاتجاه من رُهاب الإسلام من منظور التعددية الثقافية، ينقسم البريطانيون على النحو التالي: 38 بالمئة يقولون إنّه سيجعل بلادهم مكانًا أسوأ، في حين أن 37 بالمئة يعتقدون أنّه بلادهم ستكون مكانًا أفضل. وجاءت الأرقام الخاصة بفئة “لا أعرف”، و “لا يوجد فرق” 6 بالمئة و19 بالمئة، على التوالي.
نحن نشهد عدد من الأحزاب اليمينية المتطرفة وقادتهم في أوروبا الذين يذكّرون أولئك الذين يستمعون إلى الثرثرة التي تقول بأن الإسلام “غريب” على دساتير “الديمقراطية” لعدد من الدول الغربية. المؤمنون بهذا الشكل الجديد من “العنصرية” إما أنّهم لا يعرفون شيئًا عن حقيقة أنَّ الدولة الديمقراطية تكفل حقوق مواطنيها في ممارسة العقيدة التي يختارونها وتحميهم من طغيان أي جماعة عنصرية متعصبة، أو أنهم يعانوا من فقدان ذاكرة انتقائي بشكل متعمد.
في الآونة الأخيرة، في الولايات المتحدة تحديدًا، انتشرت كراهية الإسلام والمسلمين من خلال دونالد ترامب، الذي يتقن الخطابات المتعصبة الجاهلة والمعادية للمسلمين باسم تشويه سمعة الصوابية السياسية. ولكن منذ ظهور ترشيح ترامب في عصر ما يسمى “الرجال البيض الغاضبين” الذين يشعرون بأن النظام يعمل ضدهم، وفي نفس الوقت، الهجمات التي يرعاها أو يشجّعها ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في الولايات المتحدة وأوروبا، لم تتم مواجهة تهديد ووعيد ترامب ضد المسلمين بالاستنكار والرفض المطلوب.
لقد ظلّت التعددية الثقافية واحدة من السمات الأكثر إثارة للجدل في سياسات البلدان ذات الجاليات المسلمة مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا. كما أشارت إحدى الدراسات:
“لقد اتبعت مختلف البلدان مسارات متباينة من التعددية الثقافية. سعت المملكة المتحدة، على سبيل المثال، لتقديم حصة متساوية في النظام السياسي لمختلف الجماعات العرقية. في حين شجّعت ألمانيا المهاجرين لمتابعة حياة منفصلة بدلًا من منحهم الجنسية. بينما رفضت فرنسا سياسات التعددية الثقافية لصالح السياسات الاستيعابيّة.”
وتهدف هذه السياسات بشكل عام إلى المحافظة على تميّز الثقافات العرقية في تلك البلدان – باستثناء فرنسا. ولكن في الواقع، أصبحت تلك السياسات المبرر لقادة تلك الدول لعدم دمج الجاليات المسلمة في الثقافة السائدة، من خلال برامج التعليم والتدريب المهني التي تهدف إلى تعزيز قدرتهم على العمل، على سبيل المثال، وبالتالي تهميشهم في النهاية. من مسؤوليات القادة القيام بدور بارز في صنع سياسات التكامل ومن ثمّ التأكد من تنفيذها بجديّة. ولكنهم إذا لم تحقق هذه السياسات نتائجها المرجوة، تقع على عاتقهم مسؤولية تغيير تلك السياسات أو حتى تعديلها جذريًا. يقع معظم اللوم على تلك الحكومات بسبب الفصل الاجتماعي والاقتصادي المزمن للمسلمين عن المواطنين الأصليين. وقد أشار الأكاديمي الفرنسي جيل كيبيل في كتابه “الحرب من أجل العقول المسلمة: الإسلام والغرب“:
“لا دماء المسلمين التي سالت في شمال أفريقيا وهم يقاتلون الجنود الفرنسيين أثناء الحربين العالميتين، ولا عَرق العمّال المهاجرين الذين يعيشون في ظلّ ظروف معيشية مزرية، والذين أعادوا بناء فرنسا (وأوروبا) مقابل أجر زهيد بعد عام 1945، هي التي جعلت من أبنائهم، بقدر ما يهتم الفرنسيون أو الأوروبيون بشكل عام، مواطنين لهم كامل الحقوق.”
كما اقتبس كيبيل عن مؤلف كتاب بعنوان ” اللعنة على فرنسا”، مشيرًا إلى سُباب شائع في شمال أفريقيا يهين رجل وذريته. والمؤلف هو زعيم راديكالي لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، وهي جماعة مرتبطة بالإخوان المسلمين، ويكتب: “اهٍ يا فرنسا الجميلة! هل أنت مندهشة من أن الكثير من أبنائك يتهامسون مرددين “اللعنة على فرنسا، واللعنة على آبائكم؟”
على الرغم من أنَّ القادة الأوروبيين المستنيرين يرفضون الاعتراف بأي ربط بين سياسات التعددية الثقافية وإقصاء المسلمين الأوروبيين، إلّا أنَّ حقيقة الأمر هي أنَّ عددًا كبيرًا من المسلمين يعانون من انخفاض مستويات التعليم وارتفاع معدلات البطالة ومن ثمّ الإقصاء والتهميش داخل المجتمعات الأوروبية. في تلك الحالة، يقع المسلمون فريسة سهلة لأئمة جهلة وخطاب ديني تحريضيّ.
الانطباع العام وغير المدروس من جانب المواطنين الأصليين في البلدان المذكورة أعلاه هو أنَّ التعددية الثقافية قد فشلت في دمج المسلمين وبالتالي يجب التخلي عنها.
في الولايات المتحدة، كان إقصاء المسلمين منخفضًا نسبيًا لسببين هامّين. أولًا، أغلبية المهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة كانوا من المؤهلين في المجالات الفنية ولا يعانوا من تدني مستوى التعليم أو ارتفاع معدلات البطالة. ولذلك، فإن الغالبية العظمى منهم رفضوا الخطب التقليدية الغاضبة والشائكة من الأئمة المتطرفين في المساجد الأمريكية.
ثانيًا، والأهم من ذلك، أنَّ الثقافة السياسية الأمريكية كانت أسطورية في قبول الوافدين الجُدد من مختلف الثقافات والخلفيات العِرقية والأديان. ولكن في مرحلة ما بعد أحداث 11/9، خلق الخطاب المناهض للولايات المتحدة من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية ردة فعل في شكل رُهاب الإسلام. عندما أعلن بن لادن الحرب ضد الولايات المتحدة في عام 1996، وبعد أن تصدرت الدعوات المتقطعة من داعش لقتل الأمريكيين عناوين الصحف العالمية، أصبحت ظاهرة رُهاب الإسلام ممارسة شائعة بين السياسيين، وما يسموا بالمفكرين الاستراتيجيين و “المتخصصين” المناهضين للإرهاب في الولايات المتحدة.
ونتيجة لذلك، تحوّل المواطنون المسلمون في الغرب إلى لعبة، إن لم يكن رهينة في أيدي مَن يعانون من رُهاب الإسلام في الغرب وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية كذلك. لقد أصبح المسلمون ودينهم أهدافًا لخطابات رُهاب الإسلام، وفي الوقت نفسه يخبر تنظيم داعش المسلمين في الغرب أن الغرب يكره الإسلام. من خلال الاستخدام العالمي لوسائل التواصل الاجتماعي، يدعو تنظيم داعش المسلمين إلى قتل الغربيين. أنصار داعش يحوّلون مقاطع الفيديو الخاصة بأنصار رُهاب الإسلام في الغرب الذين ينددون بالمسلمين وولائهم للبلدان التي يعيشون فيها إلى أدوات قوية للتجنيد، وخاصة عندما يسيء أنصار رُهاب الإسلام إلى الدين الإسلامي والنبي محمد.
في مقال بعنوان “داعش يريد منكم أن تكرهوا المسلمين“، لاحظت صحيفة “ذا نيشن” ما يلي:
“رُهاب الإسلام هو شيء عنصري، بطبيعة الحال، ولكنه يصب أيضًا في مصلحة داعش، كما تفعل حُمّى الحرب. لقد كانت الجماعة الإرهابية واضحة تمامًا بأن استراتيجيتها هي القضاء على ما تسميه “المنطقة الرمادية” التي يعيش فيها المسلمون وغير المسلمين في وئام وتناغم. وتهدف إلى استفزاز الحكومات الغربية لتضييق الخناق على السكّان المسلمين، ومن ثمّ دفعهم في أحضان داعش. في مجلة دابق، أشادت داعش بلغة جورج دبليو بوش بعد أحداث 11/9: “لقد نطق بوش الحقيقة عندما قال:” إما أن تكون معنا أو تكون مع الإرهابيين.” أي إما أن تكون مع الحملة الصليبية أو تكون مع الإسلام.”
إذا تمّ انتخاب مرشح جمهوري رئيسًا للولايات المتحدة، واستمرت ظاهرة رُهاب الإسلام في التصاعد، فإنَّ حقبة ما بعد أوباما ستكون معقدة للغاية. قد يكون الرئيس الجمهوري حريصًا على نشر قوات برية للعراق وسوريا من أجل “محو” داعش. وفي حين أنّه ليس من المحتمل “محو” داعش، فإنَّ الدمار الذي أعقب ذلك في الشام سيصبح مكانًا لتكاثر نسخة أخرى أكثر قذارة من داعش. لا أحد يعرف مدى كثافة أو تراجع اتجاه رُهاب الإسلام في السنوات المقبلة في ظلّ إدارة الجمهوريين.
إذا كانت هيلاري كلينتون هي مَن سيتولى رئاسة البيت الأبيض، فإنَّ خطاب كراهية الإسلام داخل الولايات المتحدة من المرجح أن يتقلص. ومع ذلك، كتدخليّ ليبرالي تقليدي، فإنَّ هيلاري كلينتون عُرضة لإرسال قوات أمريكية إلى بلاد الشام، وإلى ليبيا، حيث يستمر داعش في النمو أيضًا. وقد أثبت التاريخ الحديث للتدخل الأمريكي في الشرق الأوسط أنه لم يخفّف من مدّ الإرهاب. ثمة ضحيتان للغزوات الأمريكية الأخيرة – العراق وأفغانستان – اللتان ظلتا البالوعات الأساسية للإرهاب، والفوضى وعدم الاستقرار. وبغض النظر عما يحدث، من المرجح أن يكثّف داعش دعوته تحت شعار: “إما أن تكونوا مع الحملة الصليبية أو تكونوا مع الإسلام“.
في المعركة ضد داعش وفي مسعى للقضاء على رُهاب الإسلام، نأمل أن يتذكر قادة الغرب كلمات الراحل مالكوم إكس: “إنَّ الغد ملك لأولئك الذين يعدّون له اليوم.”