لماذا تريد المملكة العربية السعودية ضخ المزيد من النفط؟
26 أيار (مايو - ماي)، 2016
فورين أفيرز –
العالَم غارق بالفعل في النفط، ورُغم ذلك قد يشهد السوق تدفق المزيد من النفط الخام السعودي. هذا الشهر، بعد فشل “تجميد الإنتاج” بين مصدري النفط، أقالت المملكة وزير النفط المخضرم علي النعيمي، الذي كان محورًا أساسيًا واستثنائيًا في سوق النفط المتقلب. لقد أراد النعيمي القاعد، ولكن دعمه لتجميد الإنتاج تناقض مع موقف رؤسائه وربما هذا ما عجّل برحيله.
مع تعيين خالد الفالح، الرئيس التنفيذي السابق لشركة النفط الوطنية العملاقة أرامكو، أعلن السعوديون أيضًا عن تحول كبير في استراتيجية سوق النفط. لن تحافظ المملكة فقط على وتيرة سريعة في إنتاج النفط، بمقدار 10.2 مليون برميل يوميًا لكن ستزيد الإنتاج أكثر من ذلك. أمين ناصر، الرئيس التنفيذي الحالي لشركة أرامكو لم يتوقف عند هذا الحدّ، وقال إن السقف النظري لإنتاج النفط السعودي يصل إلى 12.5 مليون برميل يوميًا، ويمكن أن يزداد في المستقبل.
في بعض النواحي، كانت بوادر تحوّل استراتيجية النفط السعودية موجودة بالفعل، لا سيما مع دخول البلاد في معركة للحصول على حصة في السوق في مواجهة طفرة الصخر الزيتي الأمريكي، وإعادة ظهور إيران في السوق، إلى جانب وفرة النفط الخام من خارج منظمة “أوبك”. التحديات على المدى الطويل، مثل تهديد تجاوز سقف طلب النفط العالمي، ربما استجابة لتغيّر المناخ، ربما تشكّل طريقة التفكير في مقر أرامكو بالمنطقة الشرقية لمدينة الظهران. مع 260 مليار برميل احتياطي من النفط الخام لا يزال تحت الأرض، فإنَّ مخاطر الأصول المجمدة هو اقتراح مخيف في المملكة العربية السعودية.
وقود مجمّد
قرارات الإنتاج السعودية تخضع لمشاورات مضنية بشأن الوتيرة المثلى لنفاد الاحتياطي في المملكة. تعاير شركة أرامكو الإنتاج من الحقول الفردية بحيث يتم استنفاد النفط القابل للاستخراج تدريجيًا، على مدى ما لا يقل عن 30 عامًا. وهذا له تأثير كبير في السوق. منذ عام 2000، وصل إنتاج المملكة إلى نحو 13 بالمئة من المعروض العالمي، وهو حد اختياري أدى إلى ارتفاع أسعار النفط. وقد سمح ذلك للمنتجين مع “هامش” عالي التكلفة بمواجهة الطلب المتبقي من خلال ارتفاع أسعار النفط.
ولكن هذه الحسابات يمكن أن تتغيّر، إذا كان صنّاع القرار في السعودية يعتقدون أنّه سيكون هناك تهديدات لقيمة النفط الخام على المدى الطويل، وخاصة في قيمة النفط كوقود للنقل. في مثل هذه الحالة، يمكن للمملكة إعادة تقويم استراتيجية الاستنزاف الخاصة بها.
ثمة سيناريو خطير يأتي من جهود الاستجابة لتغيّر المناخ. لقد سعت بعض الدراسات التي تركز على المناخ لقياس كمية ” الوقود الاحفوري “القابل للحرق” كجزء من الاحتياطيات العالمية، نظرًا لهدف الحدّ من ارتفاع درجات الحرارة إلى درجتين مئويتين. ووفق دراسة حديثة، فإنَّ الالتزام بحد الدرجتين يعني أن منطقة الشرق الأوسط ستشهد المزيد من احتياطياتها المجمدة تحت الأرض، عند 38 بالمئة، أكثر من المعدل العالمي الذي يصل إلى 33 بالمئة. ويرجع ذلك إلى الحجم الكبير لموارد الشرق الأوسط قياسًا بالمعدل المتواضع للإنتاج حتى الآن. وعلى النقيض من ذلك، فإنَّ الولايات المتحدة قد تجد نفسها مع أصغر مستوى للاحتياطيات المجمدة. هناك 6 بالمئة فقط من احتياطيات النفط التقليدية الأمريكية “غير قابلة للحرق”، ربما بسبب الكمية الصغيرة نسبيًا من النفط المتبقي والمعدلات العالية من الإنتاج. من هذا المنظور، فإنَّ القرارات السعودية تبدو محفوفة بالمخاطر.
وبناءً على هذه الحسابات، فإنّه من مصلحة الدول المنتجة أن تتغلب على هذه الاتجاهات من خلال تكثيف الإنتاج وتقصير الفترة الزمنية لتحويل الاحتياطيات الموجودة تحت الأرض إلى أصول فوق الأرض. وهذا من شأنه، إذا لم يتغيّر أي شيء، الحدّ من ارتفاع أسعار النفط العالمية وزيادة الطلب. وبالنسبة للرياض، يمكن لهذا النهج أن ينقل المخاطر من الأصول المجمدة للمنتجين الأعلى تكلفة، بما في ذلك أمريكا الشمالية التي يمكن أن تخرج خططها للاستثمار عن مسارها بسبب توقعات انخفاض أسعار النفط.
زيادة الإنتاج قد تسمح أيضًا للمملكة العربية السعودية بالحدّ من مخاطر سيناريو “ذروة الطلب”. لقد أعرب النعيمي وغيره من المسؤولين السعوديين عن مخاوفهم منذ عشر سنوات على الأقل بشأن “أمن الطلب” سواء من العوامل المناخية أو من تصريحات واشنطن حول “الاستقلال في مجال الطاقة”. وقد كشفت البرقيات الدبلوماسية الأمريكية الصادرة عن ويكيليكس بعض هذه المخاوف، إلى جانب التصريحات العلنية للنعيمي، والمستشار محمد الصبان الذي توقّع أن الطلب العالمي سيصل إلى ذروته بحلول عام 2025.
من خلال فرض انخفاض الأسعار، قد تؤخر شركة أرامكو بداية ذروة الطلب، وإطالة هيمنة النفط على وسائل النقل في حين دفع المنتجين الأعلى تكلفة للخروج من السوق. الأسعار المنخفضة يمكن أن تدفع الاقتصادات الناشئة إلى زيادة اعتمادها على النفط عن طريق استثمارات معتمدة على مستويات أعلى من الطلب على المدى الطويل. وذلك لأنَّ النفط الرخيص يشجع أيضًا على الزحف العمراني. عندما تصبح المدن أقل كثافة، فإنها تتطلب المزيد من الطاقة، وتطول المسافات، وتصبح المنازل أكثر اتساعًا، وبالتالي تزداد ملكية السيارات الخاصة.
على الصعيد السياسي، قد ترى المملكة العربية السعودية أن القيام بدور أكثر هيمنة في أسواق النفط الخام العالمية هو شيء مفيد لوضعها الجيوسياسي. ويمكن أن يحسن التحوط ضد إيران بعد خروجها من العزلة الاقتصادية التي امتدت لعقود. المزيد من النفط يمكن أن يؤدي إلى إحياء علاقة “النفط مقابل الأمن” مع الولايات المتحدة. وعلى العكس من ذلك، فإنَّ الدور المتراجع في أسواق النفط قد يضعف من الأهمية الاستراتيجية للمملكة.
ارتفاع الطلب المحلي
هناك سبب آخر لزيادة إنتاج النفط من جانب المملكة العربية السعودية وهو الارتفاع الخطير في الطلب المحلي على النفط. إذا استمر هذا الاتجاه، فإنّه قد يجبر السعودية للتنازل عن قدرتها الإنتاجية الاحتياطية وتحويل النفط من التصدير إلى السوق المحلية في غضون عقد أو اثنين. المملكة العربية السعودية يمكن أن تتجنب هذه النتيجة إما عن طريق وقف نمو الطلب المحلي أو من خلال زيادة العرض. وتهدف إصلاحات دعم الطاقة الأخيرة في المملكة إلى الحدّ من الطلب. ولكن في حال لم تنجح تلك الإصلاحات، فإنَّ شركة أرامكو جاهزة لاستثمار ضخم. في عام 2015، توقعت أرامكو على موقعها الإلكتروني أنها ستقوم باستثمارات في رأس المال بقيمة 334 مليار دولار بين عاميّ 2015 و2025، مع تخصيص جزء كبير للتنقيب عن النفط والغاز.
وبالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تؤدي سياسات إصلاح الدعم الأخيرة إلى ارتفاع إيرادات النفط المحلية، والتي يمكن استثمارها في رفع الطاقة الإنتاجية. في يناير الماضي، اتخذت الحكومة السعودية خطوة غير عادية برفع أسعار الغاز الطبيعي والمياه والكهرباء والبنزين، والديزل، وهو ما يمثل على الأرجح أكبر انخفاض لها في استحقاقات الرعاية الاجتماعية للمواطنين منذ تأسيس النظام الحالي في السبعينات. وعلى الرغم من أن أسعار الطاقة في المملكة لا تزال إلى حد كبير دون مستويات السوق العالمية، فمن المتوقع أن تصل الزيادة إلى 7 مليار دولار في حين خفض النمو في الطلب المحلي على الطاقة. وهناك مصدر آخر لرأس المال عن طريق بيع غير مسبوق لجزء من شركة أرامكو السعودية في طرح عام أولي العام القادم.
عمل محفوف بالمخاطر
على الرغم من المزايا الواضحة، رفع الطاقة الإنتاجية للمملكة هي محاولة محفوفة بالمخاطر. أولًا، وفرة النفط يمكن أن تؤدي إلى انخفاض الأسعار لفترة طويلة، والإنتاج الضخم قد لا يستطيع التعويض عن الخسارة في الإيرادات. المكاسب في حصتها في السوق قد تترك المملكة العربية السعودية أسوأ من الناحية المالية. ثانيًا، ارتفاع الإنتاج الآن يعني نفط أقل في المستقبل. وتشير شركة بريتيش بتروليوم إلى أنّه وفق معدلات الإنتاج الحالية، فإنَّ احتياطيات المملكة من النفط الخام ستستمر 64 عامًا أخرى. وبالتالي، فإنَّ زيادة الانتاج يمكنها تقصير إطار تلك الفترة الزمنية.
ثالثًا، والأكثر إثارة للقلق، يمكن أن يتسبب ارتفاع الانتاج السعودي في فترة من الفائض العالمي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأضرار المناخية. وهذا يمكن أن يظهر بعدد من الطرق. من ناحية، قد يتكشف بطريقة رشيدة، ويردع المنافسين من الاستثمار في موارد التكلفة المرتفعة وإخراج المنتجين الأعلى تكلفة من السوق. من جهة أخرى، يمكن أن يتسبب في ذعر المنتجين الآخرين بشأن الأصول المجمدة، مما يطلق وفرة في النفط الرخيص من شأنها أن تبعد المستهلكين عن التكنولوجيات الخضراء. وهناك سيناريو آخر يمكن أن يرى الأمور تتأرجح في الاتجاه الآخر. من خلال رفع الإنتاج، يمكن أن تثير شركة أرامكو السعودية مخاوف المملكة من أن العالم يستعد للانتقال إلى ما بعد النفط، وعن غير قصد، تشجيع الاستثمار في تكنولوجيا بديلة مثل السيارات الكهربائية. هناك سيناريوهات أخرى محتملة أيضًا.
وعلى المدى الطويل، يدخل قطاع النفط في عصر محفوف بالمخاطر، خاصة في ظلّ أنَّ التقدّم بشأن تغيّر المناخ يهدّد هيمنة الوقود الأحفوري في سوق الطاقة العالمي. وعلى الرغم من عدم وجود بديل صالح للنقل المدعوم بالنفط، تسعى الحكومات بدرجة متزايدة إلى إيجاد وقود وتكنولوجيات بديلة، بغض النظر عن أسعار النفط. هذا الفهم من المحتمل أن يشجع بعض أصحاب الاحتياطيات الكبيرة، مثل المملكة العربية السعودية، لنقل النفط الخام إلى السوق قبل أن يتغيّر العالم.