الإنجازات الوهمية لروسيا وأمريكا في سوريا


ناو اللبنانية –

على الرغم من أن وقف الأعمال العدائية في سوريا، أو ما تبقى منها، استمر منذ أواخر فبراير الماضي، هناك إجماع عام على أنَّ الحرب السورية لن تنتهي في أي وقت قريب. في ذلك الوقت كان لا يزال هناك وهم بأن عملية جنيف يمكن تنفيذها، بينما اليوم فمن الواضح أنه لا توجد إرادة لنجاح تلك العملية.

في هذا السياق، فإنَّ سياسات الولايات المتحدة وروسيا تبدو متناقضة. بالنسبة للعديد من المراقبين الإقليميين، ينبغي أن يؤدي الوفاق الروسي الأمريكي إلى انفراجة في سوريا. لا يزال هناك حالة في المنطقة تشير إلى أنه بمجرد أن تتفق “القوى العظمى”، سوف يتبعها كل شيء آخر. ولكن ما أظهرته كل من واشنطن وموسكو هو واقع مختلف تمامًا؛ وهو أن لديهم قدرة محدودة على حل الأزمة السورية.

في ضوء ذلك، ركّز كل جانب على متابعة برامج منفصلة. جعل الأمريكان مكافحة داعش على رأس أولوياته، وجهّزوا لحملة لاستعادة معقل التنظيم في الرقة، بدأت هذا الأسبوع.

الروس، في المقابل، واصلوا دعم نظام بشار الأسد، لكنهم أظهروا أيضًا أن الأسد لا يمكنه تغيير التوازن العسكري في السلطة لمصلحته. على سبيل المثال، لم تتدخل موسكو لمساعدة النظام في حصار حلب، على الرغم من أنَّ مثل هذا الإنجاز من شأنه أن يعطي الأسد مهلة أكبر لتجاهل جنيف وحلم إعادة احتلال كل سوريا.

ولعلّ هذا ما يفسّر إحجام الروس. بالنسبة لفلاديمير بوتين، النموذج المتجدد من الأسد هو النموذج الذي سيرفض تقديم أي تنازلات في المحادثات مع المعارضة. ولكنَّ هذه المحادثات، حتى لو لم تكن ناجحة على الفور، هي تذكرة روسيا لأهميتها السياسية العالمية. بالنسبة لموسكو أن تكون طرفًا فاعلًا في الدبلوماسية الدولية لحل الصراع السوري، فإن عليها أن تكون قادرة على دفع النظام السوري لقبول التسوية. وهذا ممكن فقط إذا شعر الأسد بأنه غير آمن.

ولذلك، فإنَّ الرقصة بين الأمريكان والروس تشير إلى عدم وجود أي تقدّم يلوح في الأفق في سوريا. يفضّل الرئيس باراك أوباما ترك منصبه مع شكل من أشكال النجاح ضد داعش، واستعادة السيطرة على الرقة سيمثل هذا الإنجاز. لكنه لا يريد أكثر من ذلك.

من الواضح أنّه على الجبهة الدبلوماسية، يمكن توقع القليل من الولايات المتحدة. ونحن في خضم موسم الانتخابات الرئاسية، ومحادثات جنيف، سيتم تمرير الدبلوماسية السورية إلى الإدارة الأمريكية المقبلة. وسيكون الرئيس الجديد بحاجة إلى الوقت للاستقرار، وبالتالي سيتراجع الأمريكان في سوريا حتى الربيع المقبل على أقرب تقدير.

وهذا لا يترك سوى بوتين. لقد كانت التوقعات أن بوتين سوف يطيح بالأسد غير واقعية، وإن كان لا أحد يعتقد حقًا أنَّ الروس متمسكين بالرئيس السوري. بدلًا من ذلك، يبدو أنهم يشعرون بأنه ما لم يرحل طوعًا، فإن ذلك قد يؤدي إلى انهيار المؤسسة العسكرية والأمنية في سوريا التي أمضوا خمس سنوات وهم يدافعون عنها. يشعر الروس أنَّ الإطاحة بالأسد ستؤدي إلى تقويض مصالحهم في سوريا.

ومع ذلك، هناك علاقة أكثر تعقيدًا يفكر فيها الروس؛ وهي العلاقة مع إيران. أوضح علي أكبر ولايتي، وزير الخارجية السابق الذي يشغل منصب مستشار آية الله علي خامنئي، في حوار مع صحيفة الأخبار اللبنانية أنَّ رحيل الأسد “خط أحمر” بالنسبة لإيران.

وهذا لا يعني أن روسيا وإيران على خلاف بشأن سوريا، لكنه يمكن أن يفسّر لماذا يرى بوتين مصلحته في السماح للإيرانيين وحلفائهم بأن يكونوا أكثر دموية هناك، لتبيّن لهم أنهم بحاجة لروسيا أكثر من حاجة روسيا لهم. ويبدو أن هذا تجلى بشكل خاص في معركة خان طومان الأخيرة، قرب حلب، حيث شارك فيها عدد من المقاتلين الإيرانيين، بمن فيهم كبار القادة العسكريين، وقُتلوا في النهاية.

خططت روسيا لتدخلاتها في سوريا بعناية وبشكل تدريجي. في الاستيلاء على تدمر، كان للروس والإيرانيين حصة في تعزيز مصداقية الأسد، وبالتالي ضمان نجاح هذه العملية. لقد أدركوا أن رد فعل الرأي العام الغربي إزاء تدمير التحف التاريخية كان أقوى من رد فعلهم لذبح المدنيين على أيدي النظام السوري. فلماذا، إذن، لا يدعمون مصداقية الأسد عن طريق استعادة السيطرة على الموقع القديم؟

ولكن مثل هذا القرار لم يكن واضحًا للجميع. حلب، على سبيل المثال، في حين أعلن الروس تأجيل الهجمات في ضواحي دمشق مثل الغوطة الشرقية هذا الأسبوع من أجل السماح لجماعات معينة من الثوار التي تعارض المتطرفين الإسلاميين لتحديد المناطق التي يسيطرون عليها. وبهذه الطريقة لن تتعرض هذه الأراضي لهجوم الطائرات الروسية.

هذه الاستراتيجية لتقسيم المعارضة ومحاولة استغلال الخلافات بين الإسلاميين والثوار المعتدلين قد تكون أكثر فعّالية من القصف الشامل. ولكنها تعني أيضًا أنَّ الروس على استعداد للسماح للثوار بالاحتفاظ بالأراضي التي يفضل الأسد أن يستولي عليها جيشه. الاستيلاء على الأراضي يعني إعطاء المعارضة المزيد من النفوذ في المفاوضات المستقبلية، وهو الأمر الذي لا يروق لنظام الأسد.

من المتوقع استمرار مثل هذه المناورة في الأشهر المقبلة، حتى يكون هناك المزيد من القدرة على التنبؤ من جانب واشنطن. أما بالنسبة لمحادثات جنيف، فهي تشبه الإمبراطور العاري والوعاء الفارغ لخلق ما يشبه العملية السياسية. ومع ذلك، تسمح لواشنطن وموسكو بالدّعاء بأنهما تسيطران على الأمور في سوريا. أملهما الوحيد هو أنه بحلول العام المقبل سيسمح لهم استنفاد قوى جميع الأطراف بوضع بعض الملابس على الإمبراطور العاري.