غرامات التظاهر بمصر .. “ردع” للمتظاهرين” و”دخل جديد” للحكومة

27 مايو، 2016

10 الاف دولار لكل متظاهر بإجمالي 1.5 مليون دولار لـ 150 مسجون

محمد الشبراوي –

 تحولت الغرامات والكفالات للمتظاهرين والمعتقلين في مصر بعد انقلاب 3 يوليو 2013 إلى مسوغ قانوني كوسيلة جديدة للتنكيل بالمعارضة؛ وفي الوقت الذي يتم فيه تخفيض قيمة الغرامات المفروضة على رموز نظام الرئيس المخلوع مبارك، أمثال رجل الأعمال أحمد عز، تقر المحاكم في الوقت نفسه كفالات وغرامات مالية كبيرة على المعتقلين يصفها محاموهم بالانتقامية والتعجيزية.

اخر ضحايا هذه الغرامات الباهظة، هم متظاهرو “يوم الارض” إبان الأحداث المعروفة إعلاميًا بـ “مظاهرات تيران وصنافير”، الذين حكمت عليهم محكمة مصرية بالسجن 5 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه (10 الاف دولار) لكل منهم، ثم ألغت الحبس وابقت على الغرامة المرتفعة التي لا يقدرون على سدادها.

وجاء رفض رئيس محكمة جنح مستأنف شمال الجيزة، أمس الخميس، طلبات 47 متهمًا بالتظاهر في 25 إبريل الماضي، بتقسيط قيمة الغرامة التي تبلغ قيمة 4 ملايين و700 ألف جنيه لجميع المتهمين، ليشكل معضلة إضافية لهم.

يذكر أن محكمة النقض قد خفضت في نوفمبر 2014 غرامة على رجل الأعمال أحمد عز في قضية احتكار الحديد وقضايا فساد إلى 10 ملايين جنيه بعد أن وصلت إلى 100 مليون جنيه.

وأثارت مبالغ الغرامات الضخمة المطلوب سدادها جدلًا بين من ينادي بتجميع المبلغ الضخم الذي يعادل 470 ألف دولار ألف جنيه، ومن يعتبر الدفع يعتبر “خضوع لقمع الدولة” قد يؤدي لاستمرارها في ربط الإفراج عن المعتقلين بغرامات ضخمة مستقبلا.

وعلق المحامي سامح سمير مؤيدا هذا الرأي، قائلا: “آه الحبس زفت ويوم بيفرق بس إحنا كده بنقولهم خدوا إتاوات أكتر وإحنا مليونيرات وهندفع ولا يهمكم”. مضيفًا: “ربنا يصبر الشباب وأهاليهم وطبعًا كل واحد حر في اختياره هيتصرف إزاي.. بس أنا عن نفسي لو محبوس أفضل إني أستنى شهرين ومدفعش ربع المبلغ ده”.

ردع التظاهر

ووصف محامون لـ “إيوان 24” الحكم بغرامة باهظة على المتهمين بالتظاهر بأنه “يستهدف ردع المتظاهرين” لاحقا، ورسالة لهم بعواقب التظاهر لأنه حتى ولو تم إلغاء الحكم بالسجن في الاستئناف او النقض فسوف يواجهون غرامة يعجزون عن دفعها.

وقال المحامي “حنيش”، أن حكم المحكمة بأقصى غرامة كبيرة بأن “هدفها ردع الحراك السياسي في الشارع، وترهيب المعارضين لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية”.

واعتبر أن الحكم على المتهمين بأقصى قيمة غرامة مقررة في القانون “وضع المتهمين في ورطة بسبب ضخامة المبلغ وانقضاء شهر كامل على حبسهم، ما قد يدفع عدد كبير منهم غير قادر علي الدفع على اختيار (الإكراه البدني) لإكمال شهرين أخرين ثم الخروج دون دفع الغرامة الباهظة”.

ويؤكد المحامي محمد رشوان محامي بعض المتهمين، أن القانون ينص على أنه في حالة تعسر المتهم عن دفع الغرامة، يتم حجزه، ويقوم بالعمل في “الخدمة العامة تابعة للحكومة، أو تابعة لوزارة الداخلية، لمدة 3 أشهر، بعد عمل “محضر تبديد” له.

ويضيف: “من حق المتهم نقض الحكم، ويطلب في شق مستعجل وقف تنفيذ الحكم لحين الفصل في النقض، ولكن المشكلة القانونية هنا أن أحكام الغرامة واجبة النفاذ، ما يعني أن عدم التنفيذ يعقبه الاحتجاز لحين تنفيذ “الخدمة العامة”.

أما المحامي “حليم حنيش فيقول أنه في حال عدم دفع قيمة الغرامة سيجري حبس المتهمين مدة أقصاها ثلاثة أشهر تندرج في قانون الإجراءات الجنائية المصري تحت بند “الإكراه البدني”، ويتم بعد قضاء المدة إسقاط قيمة الغرامة عن المتهمين نهائيا.

واشارت المحامية “فاطمة سراج” أن “بعض المتهمين كانوا ينوون اللجوء لتقسيط المبلغ، وآخرون سيقدمون “تعذر” عن الدفع ويكملون ثلاثة أشهر في الحبس”، مشيره لأنه “حتى بعد قضاء هذه العقوبة سوف يكونوا مطالبين بسداد الغرامة، وإذا امتنعوا قد يتم الحجز على ممتلكاتهم”.

وتنص المادة رقم “511” في قانون الإجراءات الجنائية المصري علي كيفية تحصيل الغرامة التي لا يمكن للمحكومة دفعها عن طريق: “الإكراه البدني لتحصيل المبالغ الناشئة عن الجريمة المقضي بها للحكومة ضد مرتكب الجريمة، ويكون هذا الإكراه بالحبس البسيط وتقدر مدته باعتبار يوم واحد عن كل خمسة جنيهات أو أقل، ومع مواد الجنح والجنايات لا تزيد مدة الإكراه على ثلاثة أشهر للمصاريف وما يجب رده والتعويضات”.

ونصت المادة 19 من قانون التظاهر على عقوبة بين سنتين وخمس سنوات وغرامة بين خمسين ومائة ألف جنيه أو أحدهما في حالة الإخلال بالأمن العام ومصالح المواطنين أثناء التظاهر، وقضت المحكمة بالغرامة الأعلى وهي 100 ألف على 101 متهم بالقضية، منهم 47 حضوريًا والباقي غيابيًا.

ويؤكد محامون المتهمين أن عدد الذين يحاكمون بسبب تظاهرهم يبلغ قرابة 150 متظاهر، لو جري الحكم علي الباقين بنفس الحكم، فسوف يكون على الجميع دفع ما يعادل 1.5 مليار جنية أي حوالي (1.5 مليون دولار).

دعم خزينة الحكومة

الناشط السياسي “محمد عصمت سيف الدولة”، له راي أخر حيث يري أن الهدف هو دعم المعتقلين لخزينة الحكومة المفلسة، ويسخر من الحكم علي حسابه علي فيس بوك قائلا: “كده الصورة وضحت ونقدر نعمل اتفاق كويس مع السلطة والداخلية، فمع كل مظاهرة فيها ‫عشرة آلاف متظاهر، ومع احتمال اعتقال 1.5% منهم، نحط في خزينة الدولة 15 مليون جنيه بدل ما يقبضوا على الشباب، وكده نبقى بنتظاهر بفلوسنا وبمعدل 1500 جنيه لكل متظاهر، يأخذوها ويأجروا بيها 100 مواطن شريف (بلطجي) الواحد بـ 100 جنيه للواحد، يعنى عشرة آلاف جنيه، ويحطوا الباقي في جيبهم وكده يبقى الكل مبسوط وكسبان”.

ويصف المحامي طارق العوضي محامي المتظاهرين الكفالة العالية بأنها فدية” قائلا: “خطفوا الشباب والفدية 100 ألف جنيه على كل راس”.

189  مليون جنيه كفالات في عامين

ووفق تقارير حقوقية التي أعدتها جهات عدة، منها المرصد المصري للحقوق والحريات و”ويكي ثورة”، فقد سجلت الكفالات والغرامات التي تم فرضها على المعتقلين في آلاف القضايا حوالي 189 مليون جنيه (قرابة 19 مليون دولار) وذلك في الفترة من 3 يوليو 2013 حتى نهاية مارس 2015 فقط.

ويقول المحامي عبد المنعم عبد المقصود، إن تحديد الكفالة يتم وفق تقدير القاضي أو وكيل النيابة، وتكون الكفالة نقدية أو بضمان محل إقامة المتهم، وهي شرط لخروج المعتقل، وإذا لم يتم دفعها خلال 15 يومًا فيتم تجديد الحبس الاحتياطي وربما يستمر لأعوام.

وأشار إلى أنه خلال الفترة الأخيرة كانت أبرز كفالات المعتقلين تتراوح بين 50 ألف جنيه إلى 100 ألف جنيه، مضيفًا: “دفع الكفالة مهما كانت كبيرة أفضل للمعتقل حتى لا يتعرض للبقاء بالحبس مدة أطول”.

وأكد أن القانون يسمح للمعتقل باسترداد الكفالة مرة أخرى في حالة حفظ القضية، وهو ما يعني سقوط التهمة عن الشخص أو عدم كفاية الأدلة التي تدينه.

وقال معاذ غنيم، محاسب (خرج حديثًا بكفالة وصلت إلى 22 ألف جنيه) لجريدة “العربي” إن هناك مبالغة كبيرة في فرض الكفالات على المعتقلين، الذين يعد أغلبهم من معارضي النظام الحالي، وهي وسيلة من وسائل تمويل النظام الحالي؛ مضيفًا: “هناك ترتيب بين القضاة والأمن لأن أغلب المقتدرين تم فرض كفالات كبيرة عليهم”.

ويقول محمد صادق، الناشط الحقوقي بالتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، أن الكثير من المعتقلين عاجزون عن دفع الكفالة، وأن هناك معتقلين منذ أكثر من عام ونصف بسبب 500 جنيه لعدم قدرتهم على دفع الكفالة خلال 15 يومًا من فرضها وبعد جمعها بـ 6 أشهر تعنتت النيابة وترفض خروجهم.