كيف أدت الانتخابات المثيرة عام 1968 إلى تغيير السياسة الأمريكية؟
27 مايو، 2016
واشنطن بوست –
في هذا الموسم الانتخابي، كان هناك عدد من المقارنات بين انتخابات عام 2016 وعام 1968. كتاب مايكل كوهين الجديد تحت عنوان: “American Maelstrom: The Election of 1968 and the Politics of Division“، أو “غضب أمريكي: انتخابات عام 1968 وسياسة التقسيم”، يحكي قصة عام 1968. وفي حوار مع المؤلف، أجاب كوهين عن بعض الأسئلة حول الكتاب من أستاذ العلوم السياسية توم شالر وجون سايدس. وفيما يلي نص الحوار.
لماذا تؤلف كتابًا عن انتخابات عام 1968 الآن؟ ما الذي جذبك لهذه الانتخابات بالذات؟
مايكل كوهين: أولًا وقبل كل شيء، كانت هذه الانتخابات مذهلة مع مجموعة من المواهب السياسية لم يسبق لها مثيل في السياسة الأمريكية مثل ليندون جونسون وريتشارد نيكسون ورونالد ريغان، وبوبي كينيدي، وهيوبرت همفري، ونيلسون روكفلر، وجورج رومني وجورج والاس. هؤلاء هم الرجال الذين عرّفوا السياسة الأمريكية منذ فترة الخمسينات وحتى الثمانينات، وفي قصصهم والسباقات الانتخابية التي خاضوها في عام 1968، هناك إرث سياسي خاص.
وكان هناك أيضًا الكثير من الأحداث التي لا تُصدق في تلك السنة: هجوم التيت، وانتصار يوجين مكارثي على ليندون جونسون في نيو هامشاير، وتحدي روبرت كينيدي لليندون جونسون للترشيح، وتراجع ليندون جونسون بعد بضعة أسابيع، واغتيال روبرت كينيدي ومارتن لوثر كينغ جونيور، وأعمال الشغب خارج مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو.
ولكن القضية الكبرى هي أنَّ عام 1968 يمثل نقطة تحوّل واضحة في السياسة الأمريكية. المتابعون للسياسة على دراية بالقصة التقليدية لعام 1968 التي تقول بأنَّ هذا العام مثّل نهاية تحالف الصفقة الجديدة والإجماع الليبرالي في مرحلة ما بعد الحرب، وبدأ التحوّل السياسي في البلاد نحو اليمين. لكنَّ عام 1968 كان أيضًا نقطة تحوّل كبيرة لكلا الحزبين.
على الجانب الجمهوري، أكّد هذا العام صعود اليمين المحافظ؛ وهو أمر استخف به العديد من المراقبين بعد خسارة باري غولدووتر في عام 1964.
وبالنسبة للديمقراطيين، كان هذا العام انفصالًا حاسمًا عن سياسات الحرب الباردة من جونسون وهمفري إلى منظور أكثر ليبرالية للسياسة الخارجية ومزيد من التقدير لقضايا العدالة الاجتماعية على حساب قضايا العدالة الاقتصادية.
وعلاوة على ذلك، فإنَّ تحول كلا الحزبين تجاه أجنحة سياسية أكثر ليبرالية ومحافظة (خاصة الجمهوريين) لم تبدأ في عام 1968. لطالما كان إجماع الليبراليين مبالغًا فيه بعض الشيء، ولكن ثمة واقعية لفكرة أن كلا الحزبين توافقا في الخمسينات والستينات بشأن مجموعة معينة من الأفكار حول السياسة الداخلية والخارجية، وبشكل خاص بشأن السياسات الخارجية التي بدأت في نهاية عام 1968. لذلك، فإنَّ هذه الانتخابات، في نواح كثيرة، حفّزت عملية الاستقطاب السياسي الذي نتعامل معه اليوم.
بخلاف ذلك، لقد شهدنا في عام 1968 إنشاء سردية سياسية ولغة جديدة عن السياسة. ويرجع الفضل في الكثير من هذه التحولات إلى جورج والاس، الشخصية المهضوم حقها في عام 1968. لقد سك والاس مصطلح السياسة المحافظة المناهضة للحكومة، ولكن على عكس غولدووتر أو غيره من المحافظين الأكثر مذهبية، أضفى على المصطلح شعورًا أكثر شعبويّة. كان والاس مناهضًا للنخبويّة، ركّز رسالته حول الطبقة العاملة في أمريكا (وإن كانت لطبقة العاملة من الأمريكان البيض)، وبحث في قلق البيض والاستياء من الحقوق المدنية والاندماج المجتمعيّ. لكنه لم يكن محافظًا صغيرًا، بل على العكس تمامًا. في الواقع، كان والاس ليبراليًا من أنصار الصفقة الجديدة، باستثناء فيما يتعلق بالعرق.
لقد كان التحوّل في عام 1968 تحولًا في السياسة بقدر ما كان تحوّل سياسيًا. بعد عام 1968، الجمهوريون وبخاصة نيكسون اكتشفوا كيفية استغلال المخاوف بشأن الجريمة والاندماج المجتمعيّ والقلق الاقتصادي لترسيخ أنفسهم باعتبارهم الحزب السياسي المهيمن في البلاد.
هل كان الجمهوريون هم الحزب السياسي المهيمن بعد عام 1968؟ لقد سيطر الديمقراطيون على مجلس النواب ومجلس الشيوخ في كثير من الأحيان لسنوات عديدة بعد ذلك. وتأرجح البيت الأبيض ذهابًا وإيابًا – ثماني سنوات في قبضة حزب، وثماني سنوات في قبضة حزب آخر – مع استثناءات في فترة كارتر وجورج بوش الأب. ويبدو أنَّ القصة لا تتعلق بالحزب المهيمن حينها بقدر ماهية تلك الأحزاب؟
مايكل كوهين: أود الإجابة عن هذا السؤال بطريقتين. بالتأكيد، أصبح الجمهوريون أكثر هيمنة في الانتخابات الرئاسية، حيث فازوا في أربعة من أصل خمسة انتخابات، وأنا أميل إلى رؤية عام 1976 كحالة استثنائية بسبب فضيحة ووترغيت.
هذا التحوّل السياسي، أعتقد أنّه حدث بسبب مرحلة ما بعد عام 1968، وخاصة تصوّر ما بعد عام 1972 بأنَّ الجمهوريين كانوا أفضل استعدادًا للتعامل مع السياسة الخارجية والاتحاد السوفياتي. ولا أعتقد أنّه من قبيل المصادفة أن ترشحهم باعتبارهم الحزب الرئاسي في البلاد انتهى في عام 1992، بعد عام من انتهاء الحرب الباردة.
ولكن أنت محق بالتأكيد في أنَّ الديمقراطيين مازالوا يهيمنون على الكونغرس وعلى مستوى الولايات، وذلك جزئيًا بسبب استمرار توفقهم في الجنوب، الامر الذي لم يتلاشى بشكل كبير حتى فترة التسعينات.
لكني أعتقد أنَّ هيمنة الحزب الجمهوري في مرحلة ما بعد 1968 تتعلق بالسردية أكثر من السياسة. ما يسمى الإجماع الليبرالي في الخمسينات والستينات (مزيج من معاداة الشيوعية في الخارج والنشاط الحكومي في الداخل) كان دائمًا مبالغًا فيه بعض الشيء، ولكن أعتقد أنّه من الإنصاف القول بأنَّ معظم السياسيين ومعظم الجمهوريين اعتقدوا بوجود إجماع ليبرالي وحكموا وفقًا لذلك.
بعد عام 1968، كانت السردية الجديدة سردية محافظة وشعوبيّة مناهضة للحكومة والحزب الجمهوري. وكانت جاذبية تلك الرسالة الشعبويّة مبالغًا فيها أيضًا، ولكن الساسة، وخاصة الديمقراطيين، اعتقدوا أنها نالت إعجاب الناخبين. وإذا نظرت إلى طبقة الكونغرس الديمقراطية لعام 1974 والحملة الانتخابية الرئاسية لجيمي كارتر عام 1976، ستجد أنّه من الواضح أنَّ الحزب الديمقراطي تحوّل إلى اليمين بشأن القضايا الاقتصادية، وتبني رفع القيود، وتمرير التخفيضات الضريبية الملائمة للأعمال التجارية وإنهاء دعمه الطويل للعمّال.
لقد أضفى الديمقراطيون الهمّة والنشاط إلى السياسة الداخلية في الستينات لكنها بدأت تتلاشى بعد عام 1968، وكان الحزب في موقف دفاعيّ بشأن هذه القضايا. كان الحزب حينها لا يزال ليبراليًا فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والسياسة الخارجية، ولكن تلك المواقف لعبت في مصلحة الحزب الجمهوري.
لذلك أعتقد أن هيمنة الجمهوريين أدهى وأعمق من نتائج الانتخابات فقط. لكنه من المؤكد أيضًا أنه في حين حدثت المناقشات السياسية في البلاد في الملعب المحافظ، لم يُترجم ذلك بالضرورة إلى مكاسب سياسية كبرى.
الفكرة الرئيسية في الكتاب هي أنَّ 1968 ساعد على تغيير السياسة بطرق معينة، ولكن بطرق أخرى، لم يفعل ذلك. دعنا نتحدث أولًا عن التغييرات. برأيك، ما هي الاتجاهات الهامّة التي أنتجتها أو ساعدت في إنتاجها هذه الانتخابات؟
مايكل كوهين: أكبر فجوة في عام 1968 لم تكن حرب فيتنام، بل العنصرية والقلق الأبيض المتزايد حول الثمن الذي سيتعين عليهم دفعه مقابل التكامل والاندماج المجتمعيّ. وقد تجسّد ذلك في عدد من الطرق: المخاوف بشأن ما الذي يعنيه تقدّم السود لقيمة العقارات، ونوعية مدارس الأطفال والأمن في مكان العمل. ولكن التأثير الأكثر دراماتيكية كان في الجريمة. ثمة شيء واحد لم أقدّره تمامًا عندما بدأت العمل على هذا الكتاب وهو إلى أي مدى ارتفع معدل الجريمة في الستينات. إنّه أمر مذهل إلى حد ما لدرجة أنَّ الديمقراطيين لم يعرفوا كيفية مواجهته.
وكان جزءًا منه سياسيًا. لم يريدوا التعامل بحزم مع هذه المسألة خوفًا من تنفير الناخبين السود والليبراليين. ولكنَّ هذا يعود أيضًا إلى حرب فيتنام والتركيز قصير النظر من البيت الأبيض على الحرب على حساب القضايا الداخلية. وقد خلق ذلك فراغًا سياسيًا لدرجة أنَّ الجمهوريين كانوا أكثر حرصًا لسد هذا الفراغ الذي عمل إلى جانب المخاوف بشأن التكامل، حيث أن الجريمة لها وجه أسود بحسب الكثير من الناخبين البيض. بعض المحللين انتقد الممارسات العنصرية للحزب الجمهوري، مع التركيز على القانون والنظام، ولكن لم يكن الأمر وكأنهم يختلقون هذه المسألة.
مع مرور الوقت، اندمجت الجريمة والتكامل مع الحكومة الكبيرة. وجادل جمهوريون بأنَّ البيروقراطيين الليبراليين فرضوا التكامل على البيض من الطبقة الوسطى، وموّلوا برامج مكافحة الفقر من أموال دافعي الضرائب من الناخبين البيض، وفي الوقت نفسه تدليل المجرمين. انتشر صدى هذه الحُجة على نطاق واسع، ولا سيما في الجنوب، الذي لطالما كان معقل الناخبين الديمقراطيين.
لذلك، بطرق عديدة، على الأقل من الناحية السياسية، كانت أكبر الآثار المترتبة على عام 1968 هي إنشاء انقسام عرقي واضح بين الحزبين، وإعطاء “الحكومة الكبيرة” اسم سيئ. طوال فترتيّ الخمسينات والستينات، تشكّك الأمريكيون في دولة الرفاه، ولكنهم قدّروا فوائدها. بعد عام 1968، شرعوا في رؤية الحكومة على أنها أكثر اهتمامًا بمساعدة الأقليات الفقيرة منهم. وهذا منح الجمهوريين انفتاحًا سياسيًا كبيرًا.
إذن، ما الذي لم يتغيّر؟
مايكل كوهين: حتى في ظلّ تحوّل الخطاب السياسي نحو اليمين، كانت التحوّلات في السياسة غير واضحة تمامًا. لم تتراجع دولة الرفاه بعد عام 1968، بل توسّعت.
نيكسون، على وجه الخصوص، حكم كديمقراطي من أنصار الصفقة الجديدة. وكان هذا بدافع الضرورة وليس الأيديولوجية، فهو لديه كونغرس ديمقراطي، على الرغم من أنه لم يكن بالتأكيد سياسيًا محافظًا. اهتم نيكسون بالسياسة وخلق أغلبية جمهورية جديدة، وأدرك أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك إذا شعر الناخبون الديمقراطيون بالقلق من أنّه سيوقف الضمان الاجتماعي أو ينهي البرامج الحكومية التي يفضلونها.
وعلى الرغم من أن ريغان تحدث عن تقلص الحكومة، إلّا أنّه ابتع مسارًا مماثلًا. لقد خفض الضرائب، وزاد ميزانية الدفاع، وخفض التنظيم (على الرغم من أنَّ الديمقراطيين دعموا رفع القيود إلى حد كبير) لكنه حافظ على الأمن الاجتماعي، وزاد الضرائب لخفض العجز، ولم يبذل الكثير من الجهد لخفض الإنفاق الحكومي.
وكانت النتيجة أنَّ السياسة الأمريكية أصبحت أكثر تحفظًا أيديولوجيًا وظلّت ليبرالية عمليًا. لقد خلق ذلك ما أسميه “تشعب كبير.” فمن جهة، تشكّك الشعب الأمريكي من الحكومة بدرجة أكبر مما كانت عليه في الخمسينات والستينات، لكن دعمهم للتأمينات الاجتماعية، والرعاية الطبية، والتعليم العام، والبرامج البيئية والأنفاق لم يتراجع على الإطلاق.
شعار “أبقوا الحكومة خارج الرعاية الطبية” يجسّد تناقض الناخبين حول دور الحكومة. الأمريكيون يريدون مساعدة الحكومة الكبيرة. وهذا يشجع الجمهوريين لتقديم أي توسّع في الحكومة بوصفه شيئًا سيؤذي الأمريكيين والفوائد التي يعتمدون عليها، في حين يدافع الحزب الديمقراطي عن برامج محددة يحبها الشعب.
لقد خلق عام 1968 ديناميكية سياسية كره من خلالها الشعب الأمريكي الحكومة الكبيرة بصورة مجردة ولكنهم أحبوا التفاصيل. وهذا جعل من الصعب العثور على أي أرضية مشتركة بين الحزبين، كما رأينا على مدى السنوات السبع الماضية.
في عام 2016، نحن نشهد الكثير من التشبيهات بعام 1968. متمرد ليبرالي ديموقراطي تهزمه المؤسسة. وجمهوري يقول أشياء مثيرة للجدل حول العِرق ويهدّد بالترشح كمستقل. هل تعتقد أن هذه التشبيهات ملائمة؟
مايكل كوهين: ترامب يشبه والاس إلى حد كبير في كيفية استغلاله للمخاوف العنصرية. رسالة ترامب في هذا الصدد تتناسب مع عدد السياسيين الجمهوريين الذين تحدثوا عن القضايا العرقية منذ عام 1968.
يختلف ترامب مع معظم السياسيين الجمهورين اليوم – وهنا يشبه والاس مرة أخرى – في أنه ليس محافظًا مذهبيًا. لقد تحدث عن حماية التأمينات الاجتماعية والمساعدات الطبية. وانتقد اتفاقيات التجارة الحرة. وتحدث – خطابيًا، على الأقل – عن زيادة الضرائب على الأغنياء. بطريقة ما، اتبع ترامب قواعد اللعبة التي مارسها والاس وكذلك نيكسون، الذي لم يكن محافظًا أيديولوجيًا. لقد ترشح ترامب كسياسيّ شعبويّ، وهذا وصفًا مثاليًا لوالاس في عام 1968.
ماذا عن الجانب الديمقراطي؟
مايكل كوهين: صعود ساندرز يتسق بالتأكيد مع الروح المضادة للنظام في حملة يوجين مكارثي عام 1968 وحملة ماكجفرن في عام 1972. قواعد اللعبة متشابهة: رشح نفسك كمرشح مستقل، واعتمد على الناشطين الليبراليين والدعم الشعبي، ومثل مكارثي على وجه الخصوص، حاول جذب المزيد من النخبة البيض والقليل من الأقليات. (في عام 1968، كنا الفضل في نجاح روبرت كينيدي مستمدًا من الدعم القوي من الناخبين السود وذوي الأصول اللاتينية).
ولكن الأمر المثير للاهتمام حقًا حول ساندرز هو رد الفعل على رد فعل الحزب الديمقراطي في عام 1968. بعد تلك الانتخابات، أصبح الحزب الديمقراطي أكثر ليبرالية بشأن السياسة الخارجية والقضايا الاجتماعية. وربما رأيتَ ذلك في عام 1972، وهي الانتخابات التي فاز فيها ماكجفرن بترشح الحزب بسبب قوة معارضته لحرب فيتنام. رد فعل الديمقراطيين، ويا للسخرية، كان تبني مواقفه في السياسة الخارجية، والحقوق المدنية، وقضايا الجندر، والقضايا الاجتماعية والقضايا العملية مثل إصلاح تمويل الحملات الانتخابية والاجهاض وعقوبة الإعدام.
ولكن فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية، كان هناك شعور بين الديمقراطيين أنَّ الحزب قد أُحرق من قِبل فكرة المجتمع العظيم التي قدّمها جونسون. وكان هناك أيضًا الاستياء تجاه العمّال بسبب دعمهم لحرب فيتنام والعداء تجاه الإصلاحيين الديمقراطيين. ونتيجة لذلك، ابتعد الديمقراطيون، لا سيما في الكونغرس، عن هذا النوع من الليبرالية الاقتصادية، حتى الشعبويّة الاقتصادية التي حدّدت هوية الحزب منذ عقود. وأعتقد أنَّ هذا ساعد الجمهوريين في استمالة الناخبين بشأن القضايا الاقتصادية.
ظاهرة ساندرز هي رد فعل على هذا الابتعاد عن الليبرالية الاقتصادية، والتبني المصاحب للتجارة الدولية وما يسمى حلول “النيوليبرالية” لتحديات السياسة. يحظى ساندرز بالكثير من الدعم بين الليبراليين البيض، لكنه يتمتع بشعبية كبيرة بين الطبقة العاملة من الناخبين البيض، الذين أعتقد أنهم يرون الحزب الديمقراطي بمثابة وول ستريت، مع تركيز كبير على التجارة الدولية وعدم الاهتمام بالتحديات التي يواجهها. وترجع جذور تلك إلى عام 1968.
حتى لو كان، كما تُحاجج، كثيرًا من فهمنا للسياسة اليوم يمكن إرجاعه إلى عام 1968، فإنَّ البلاد مختلفة تمامًا اليوم. كيف يمكن للكتاب أن يتنبأ ببعض التغييرات مثل التحوّل العنصري والانقسامات بين الحضر والريف التي تحدد السياسة اليوم؟
مايكل كوهين: بشأن العنصرية، فإنّه من الصعب أن نصدق ذلك الآن، ولكن نيكسون حصل على نحو 30 بالمئة من أصوات السود في عام 1960. وفي عام 1968، حصل على نحو 10 بالمئة. أعتقد أنَّ الجمهوريين اتخذوا قرارًا مشتركًا بعد عام 1968 بأن مكاسبهم ستكون أقل من خلال محاولة استمالة الناخبين السود وبدلًا من ذلك يمكنهم تحقيق مكاسب أكبر من خلال اللعب على مخاوف البيض من تقدم السود. من منظور سياسي، كانت هذه حركة ذكية، ولكن اللعب على استياء وقلق البيض أصبح النهج الانتخابي للحزب الجمهوري، وفي ظلّ تغيّر التركيبة السكانية في البلاد جعل هذا النهج من الصعب على الجمهوريين كسب تأييد الناخبين السود، أو أي من الناخبين غير البيض.
بالإضافة إلى ذلك، تبنى الجمهوريون لهجة أكثر تشددًا تجاه الديمقراطيين – وبخاصة الليبراليين – بعد عام 1968. تمّ وصف الليبراليين بأنهم يعكسون قيمًا غريبة، وخاصة في القضايا الاجتماعية مثل الإجهاض والرعاية الطبية، وحقوق المثليين. أصبح الديمقراطيون حزب الضعف والترضية في السياسة الخارجية، ومنح الهبات إلى الأقليات في السياسات المحلية والفاسدين في السياسة الاجتماعية. قدّم خطاب الحزب الجمهوري أجندة ليبرالية أضرّت بالطبقة العاملة الأمريكية و”القيم العائلية”. ورد الديمقراطيون بخطاب نزع الشرعية.
لذلك، إذا نظرت إلى انقسام النخب الداخلية بين الريف والمدينة والنخب الدينية العلمانية والساحلية بشأن السياسة الأمريكية الحديثة، ستجد أنَّ العديد من أسلافهم انبثقوا من عام 1968.
بالنظر إلى أنَّ سن الاقتراع كان 21 عامًا في عام 1968، أي أمريكا يحق لهم التصويت في عام 1968 كان لا بُدّ أن يُولد في أو قبل عام 1947، أي قبل بداية الطفرة الاقتصادية بعد الحرب. هذه الطفرة تتناقض بشكل حاد مع ما يحدث اليوم، حيث الأجور الثابتة وتزايد عدم لسنوات. كيف يمكننا تأطير السياسة في عام 1968 للناخبين اليوم؟
مايكل كوهين: كما تعلم فإنَّ العقدين بعد الحرب العالمية الثانية شهدا ازدهارًا استثنائيًا في الاقتصاد؛ حيث انخفاض البطالة والنمو الاقتصادي القوي ودولة الرفاه والاتجاه نحو مساعدة الشعب الأمريكي في حماية المكاسب التي حققوها. بدأ هذا الازدهار في التلاشي في نفس اللحظة عندما أصبح لدى الشعب الأمريكي الكثير من الشكوك إزاء الحلول الحكومية لمواجهة التحديات الاقتصادية في البلاد. في الواقع، على الرغم من أن الاقتصاد كان في حالة جيدة في عام 1968، كان هناك بالفعل مؤشرات واضحة بأن الشعب الأمريكي سيصبح أكثر قلقًا.
وهذه كانت إحدى أسباب هيمنة الجمهوريين على الحياة السياسية في مرحلة ما بعد عام 1968. كان لديهم رسالة اقتصادية أكثر جاذبية: من خلال جعل الحكومة أصغر وخفض الضرائب، والإنفاق والتنظيم، سيتحقق الازدهار. ولكن القلق الاقتصادي كان حقيقيًا؛ فقد كان تكوين النقابات في انخفاض، والمنافسة الأجنبية تهدد الصناعات التي كانت محمية منذ فترة طويلة، وأثار الصدمات النفطية تزيد من معدل التضخم، كما شهدت الطبقة الوسطى تراجع الأجور والأمن الوظيفي.
عندما تسمع أنَّ ترامب يتحدث عن جعل أمريكا دولة عظيمة مرة أخرى، فهو يستغل شعور منتشر بين جيل كبار السن من الأمريكيين، هذا الشعور ينتشر أيضًا بين الأجيال الشابة – بأن الأمور ستكون أفضل للطبقة المتوسطة في هذا البلد. وبطبيعة الحال، في قول ترامب، يقع اللوم على الهجرة، في حين أن قبل ظهور ترامب كان الهدف هو استفادة الفقراء السود من العمل الشاق للأمريكيين من الطبقة الوسطى. لكن الأمور أصبحت أسوأ بالنسبة للطبقة الوسطى البيضاء والطبقة العاملة البيضاء منذ عام 1968. وبالنسبة لكثير من الناخبين، عندما يقول ترامب إنه سيجعل أمريكا دولة عظيمة مرة أخرى، فهو يريد أن يُصدقه الشعب الأمريكي.