‘هارون محمد يكتب: العشاء مع زلماي خليل زاده ليس دسما’

27 أيار (مايو - ماي)، 2016
6 minutes

هارون محمد

يخطئ بعض السياسيين السنة خارج العراق إذا اعتقدوا أن الأميركان باتوا الآن في حسرة وندم لأنهم سلموا الحكم في البلاد بعد الغزو إلى الأحزاب الشيعية التي أفسدت وفشلت في إدارة العراق، وأنهم، أي الأميركان، يخططون حاليا لصيغة جديدة تحقق توازنا سياسيا واجتماعيا لـ”إنقاذ” العراق من أزماته، وبالتالي لا بدّ من استثمار هذه الحسرة والندم لدفع السنّة نحو واشنطن والارتماء في أحضانها، كما فعل أقطاب الشيعة في السنوات التي سبقت الاحتلال، حتى أن هذا “البعض” يقع في دائرة الوهم أيضا، عندما يطالب السنة العرب بالتوجه إلى البيت الأبيض لعرض مظلوميتهم كما فعلها أحمد الجلبي ومحمد بحر العلوم وعبدالعزيز الحكيم وكنعان مكية وموفق الربيعي وإبراهيم الجعفري، والأخير كان يزور الولايات المتحدة بحجة اللقاء مع الجالية العراقية للتغطية على اجتماعاته السرية مع المسؤولين الأميركيين، دون أن يدرك البعض أن أميركا كانت وستبقى دولة استعمارية إمبريالية تآمرت وتظل تتآمر على العروبة والعرب كاستراتيجية ثابتة.

نقول هذا الكلام ونحن نرى ونسمع أن نشاطا يبذله السيد جمال الضاري لدعوة عدد من السفراء الأميركيين السابقين والجنرالات المتقاعدين ممن خدموا في العراق، إلى حضور مؤتمر يزمع عقده في باريس نهاية الشهر الجاري، حتى يقال إن ممثله في واشنطن وهو شاب من أسرة كريمة قبل أن يهاجر إلى أميركا ويَتَأَمْرَكَ ويتخذ اسم مارك له، تحرك وبذل جهودا كبيرة لاستقطاب بعض الأسماء مقابل المشاركة وحضور مؤتمره العتيد.

من حق جمال الضاري وهو جديد على السياسة ويتطلع إلى لعب دور فيها موظفا أمواله واستثماراته، في عقد صلات مع الأميركيين، شرط ألا يكونوا من محرضي العدوان على العراق ولم يتورطوا في قتل أبنائه، ومن حقه أن يُسوّق نفسه سياسيا ويروج لمنظمته التي لم تكمل عامها الأول بعد، ولكن عليه أن يعرف مسبقا أن السفراء السابقين والجنرالات المتقاعدين لا ينفعون بعد أن غادروا مواقعهم السابقة وتحولوا إلى تجار “شنطة” يحملون عقودا ومقاولات، كما يفعل السفير السابق زلماي خليل زاده والجنرال المتقاعد جاي غاردنر وغيرهما في إقليم كردستان، فمثل هؤلاء استهلكوا ولم يعد بإمكانهم التأثير على اتجاهات وسياسات واشنطن وثوابتها المصلحية، ومن الصعب عليهم حسب السياقات الأميركية السائدة العودة إلى لعب أدوارهم السابقة من جديد، خاصة وأن سجّل خدماتهم في العراق فيه الكثير من الجرائم والانتهاكات والأخطاء، وقد اعترفوا بها بملء أفواههم دون أن ينتقدوا أو يلوموا أنفسهم على مواقفهم المخزية، ومن قرأ مقال زلماي في مجلة نيويوركر (عدد يونيو 2014) لا بدّ أنه لاحظ كيف تباهى باختيار جواد المالكي قبل أن يصبح نوري رئيسا للوزراء في عام 2006. وكيف فاخر بنجاحه في فض الاشتباك بين حزب الدعوة ممثلا بإبراهيم الجعفري والمجلس الأعلى ومرشحه عادل عبدالمهدي، وأثبتت الأحداث والوقائع كم كان اختيار السفير الأميركي السابق خبيثا وكارثيا وأضرّ بالعراق كثيرا.

من حق جمال الضاري وهو يخوض بحر السياسة المتلاطم بالعراق أن يشق طريقه بحذر واتزان، بعيدا عن الخفة السياسية وتجنب السقوط في شرك الأوهام بأنه بات زعيما سياسيا بين يوم وليلة، لمجرد أنه يملك أموالا، هو حر في التصرف بها ولكن يفترض أن يستثمرها في ما يعزز العمل الوطني العراقي، لا أن يفتتح دكانا جديدا يضاف إلى سلسلة الدكاكين التي أفلست بعد أن عقدت مؤتمرا هنا أو اجتماعا هناك تحت عناوين وشعارات براقة في مظهرها وتفريقية في جوهرها، وإلا ما جدوى مؤتمره الباريسي الذي يحمل اسم “المشروع الوطني العراقي” بتمويل علني ودعم أجنبي خفي، دون أن تشارك فيه أحزاب وأطراف وشخصيات وقيادات دينية وسياسية وعسكرية وفكرية وعشائرية عراقية ذات حضور مؤثر وقواعد جماهيرية ومواقف مبدئية؟

ومرة أخرى من حقه أن يموّل مؤتمرات وينظم اجتماعات، ولكن عليه ألا يدخل في مناكفات مع هيئة العلماء المسلمين التي احتضنته سنوات طويلة، لمجرّد أنه لا ينسجم مع، ابن عمه، أمينها العام مثنى حارث الضاري لأسباب شخصية ومزاجية، وعليه أيضا ألا يندفع في معاداة حزب البعث في هذه المرحلة بالذات، رغم ملاحظاتنا الكثيرة على سياساته وممارساته خلال سنوات حكمه الطويلة، فنحن الذين عارضنا تفرد الحزب في السلطة والحكم وانتقدنا نظامه الشمولي، تُلزمنا الضرورات الوطنية والقومية الآن، أن نقدّر تضحياته في مواجهة الاحتلال ونتضامن مع قيادته الحالية، وعلى رأسها عزة الدوري، التي تتسم بالواقعية ونقد الذات ومغادرة سلبيات الماضي والتطلع إلى الأمام بتفاؤل وأمل، وشخصيا كتبت العشرات من المقالات وهي موثقة ومحفوظة، وأعتزّ بها، ضد الدوري ورفاقه في قيادة الحزب عندما كان في السلطة، ولكن الإنصاف يدعونا في هذا الوقت تحديدا، ألا نبخس حقه السياسي أو نشترك في التعريض به أو الإساءة إليه، حتى نُدخل الفرحة في قلوب المالكي والعبادي والجعفري وهادي العامري وآل الحكيم وقادة الحزب الإسلامي.

هل نصدّق أن زلماي خليل زاده تاب وعاد إلى جادة الصواب؟ وهو واحد من مهندسي غزو العراق وأحد رموز الاحتلال البغيض، والذاكرة العراقية الجماعية مازالت تحتفظ له بمواقف مروّعة ودمار وتخريب، وتكريس للمحاصصات الطائفية والعرقية، التي دفع السنّة والشيعة العرب ثمنها تقتيلا وتهجيرا ونزوحا، وبقية المصائب تأتي تباعا.

المصدر: العرب

هارون محمد يكتب: العشاء مع زلماي خليل زاده ليس دسما على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –

أخبار سوريا ميكرو سيريا