هل تستعد المملكة العربية السعودية وتركيا للخيار العسكري في سوريا
27 مايو، 2016
نيوزويك –
بعد خمس سنوات من الصراع الذي يزداد تدهورا في سوريا، لازالت فرص تحقيق أي نتائج حاسمة قاتمة في أحسن الأحوال. ولازالت القوى العظمى وحلفاؤها عاجزين عن التوصل لقرار حاسم على طاولة المفاوضات، مما أدى إلى تفاقم النزاع ومعاناة ملايين السوريين.
الدولة تتمزق بشكل سريع. وقد لقي ما يقرب من 470000 سوريا حتفهم في الصراع، وفقا لآخر تقديرات المركز السوري لبحوث السياسات. ومع انهيار اتفاقية وقف إطلاق النار بسرعة في جميع أنحاء البلاد، تبدو آفاق المشهد السوري قاتمة.
ويكاد يكون تعقد الصراع في سوريا عصيا على الإلمام به. واليوم، هناك عشرات وعشرات من الجماعات المعارضة التي تقاتل النظام وداعميه. وتمتلك إيران قوات برية في سوريا، بالإضافة إلى آلاف العناصر الطائفية التي أرسلتها إلى البلد الذي مزقته الحرب. وفي الشمال، يسعى الأكراد السوريون للسيطرة على أجزاء من الدولة، مما أثار حفيظة كل من قوات النظام والمعارضة. وفي الوقت نفسه لازالت قوات داعش تسيطر على مناطق واسعة في وسط وشرق سوريا.
ولكن في ظل هذه الدوامة من التعقيد، أصبح محور المملكة العربية السعودية وتركيا محل الاهتمام. وبسبب الضجر المتزايد لعدم وجود نتائج على أرض الواقع، عزمت الدولتان على التدخل لتسوية الصراع إلى الأبد. ويقال إن الدولتين الحليفتين قد أجريتا أربع مناورات عسكرية مشتركة في غضون خمسة أشهر فقط.
ولكن في خضم هذه المناقشات، من المهم أن نفكر فيما إذا كان أي تدخل بقيادة الرياض وأنقرة يمكن أن ينتج تغييرات على الأرض من شأنها أن تضع حدا لسنوات طويلة من الجمود وتحقق سلاما دائما أم لا. هل تمتلك كلا الدولتين القوة المطلوبة، أو هل يمتلكان في الواقع الإرادة السياسية اللازمة للوصول بهذا الصراع إلى نهايته؟ وما الذي يستتبعه مثل هذا التدخل وما هي الأهداف والتكاليف والنتائج المحتملة لمثل هذا التدخل؟
ربما توفر الحملة العسكرية المستمرة في اليمن (حيث تتزعم المملكة العربية السعودية ائتلاف الدول التي تحارب التمرد الحوثي المدعوم من الرئيس السابق علي عبد الله صالح) بعض المؤشرات عن كيفية التدخل العسكري المحتمل في سوريا.
فقد قدم النزاع الطويل المستمر منذ 15 شهرا في اليمن بعض الدروس والخبرات المهمة لجيوش الخليج. حيث وفر نطاق الحرب في اليمن، بالإضافة إلى مجمل الخسائر البشرية التي وقعت على كلا الجانبين، للكثير من الوحدات التي تعمل على الحدود الجنوبية للمملكة وداخل اليمن خبرة كبيرة في هذا النوع من حروب العصابات. وعلى الرغم من أن عدد الضحايا كان مرتفعا، وخاصة في صفوف وحدات حرس الحدود والوحدات التي تم نقلها جوا إلى اليمن وكتائب مدفعية الحرس الوطني السعودي، إلا أنها قد أثبتت فعالية كبيرة. وبحسب المعايير الإقليمية، تمتلك المملكة العربية السعودية أحد أفضل القوات تجهيزا وهي أيضا ثاني أكبر مشغل لطائرات الأباتشي في العالم، والتي إذا ما تمت الاستفادة منها بشكل صحيح، فإنها توفر الدعم الجوي الفعال، بالإضافة إلى توجيه الضربات الدقيقة من علو مرتفع.
وفي نهاية المطاف، تم تعلم بعض الدروس الصعبة ،التي تشتد الحاجة إليها، خلال الأشهر الماضية للحرب. وفي حين أن الحملة الجوية على اليمن قد تعرضت للكثير من الانتقادات، كان أداء القوات البرية أفضل بكثير. وقد أثبتت قوات مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة قدرة فعالة في حرب العمليات المشتركة لاستعادة مدينة عدن في يوليو عام 2015. وعلاوة على ذلك، فإن التنسيق على الأرض بين قوات تحالف دول الخليج وبين القوات الموالية للرئيس هادي ، بما في ذلك المقاومة في الجنوب، أدى إلى التخلص بشكل فعال من قوات الحوثي وصالح الموجودة في المدينة بطريقة حاسمة.
ومع وجود بضعة آلاف فقط من القوات المتمركزة حاليا على الحدود اليمنية، تستطيع المملكة العربية السعودية ،على الأقل نظريا، القيام بعمليات عسكرية متواصلة على عدة جبهات. وكما هو الوضع في اليمن، يتطلب أي انتشار عسكري اعتمادا كبيرا على القوات الخاصة، مدعومة من قبل وحدات تكتيكية صغيرة من القوات الأخرى. ومع ذلك، يبدو معقولا في الوقت الحاضر أن نفترض أن القوات الخاصة السعودية ستعمل جنبا إلى جنب مع الوحدات التركية، وذلك باستخدام مرافق القيادة والمراقبة المتاحة حاليا في القواعد التركية في انجرليك وملطية وديار بكر لتنسيق الدعم الجوي القريب إذا لزم الأمر.
كما سبق أن أعلنت السعودية في العديد من المناسبات أن أي تدخل عسكري في سوريا سوف يكون هدفه الرئيسي هو استهداف داعش، على الرغم من تغير هذا الموقف في الآونة الأخيرة ليشمل “الخطة البديلة” للإطاحة المحتملة ببشار الأسد. وعلى الرغم من أن إمكانية تحقيق هذا الهدف من عدمه تعتبر أمرا مثيرا للجدل، إلا أنه ليس هناك شك في أن الخليج مازال يفكر في الخيار العسكري ضد الأسد.
وسوف تكون الأهداف الرئيسية الثلاثة والغاية المرجوة من التدخل العسكري السعودي-التركي في سوريا هي:
أولا: تحجيم دور روسيا وإيران، أو في الواقع أن يتم إجبارهم إما على التصعيد أو الدخول بجدية في المفاوضات بهدف وقف الصراع وإنقاذ الأرواح. ثانيا: هزيمة داعش أو إلحاق ضرر كبير بهم إلى الدرجة التي تجعلهم لا يشكلون تهديدا استراتيجيا كبيرا. ثالثا: خلق مساحة سياسية كافية ومزايا على أرض المعركة لجماعات المعارضة التي تدعمها كلتا الدولتين بحيث يكونوا قادرين على استعادة الأراضي المفقودة ولكي يضمنوا لهم موقفا تفاوضيا أقوى في أي مفاوضات مستقبلية.
ولكن المملكة العربية السعودية وتركيا بحاجة إلى التفكر بعناية في تكاليف تدخلهم المقترح في سوريا. بالنسبة للمملكة، سوف يكون انتصار إيران والأسد –وهو من وجهة نظر الرياض بقاء نظام الأسد وذلك بفضل وجود الجماعات العسكرية ووكلاء إيران في البلاد- بمنزلة ضربة خطيرة للأهداف الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية في المنطقة. وسوف يؤدي ذلك إلى دوران الحكومة السورية إلى الأبد في فلك إيران، وهو ما من شأنه أن يؤثر بدوره أيضا على المصالح السعودية في لبنان، وإضعاف هيكل التحالفات في جميع أنحاء المنطقة، وهو السيناريو الذي يجب أن يتم تجنبه بأي ثمن. ولكن تكاليف التدخل في سوريا تنطوي على خطر حدوث احتكاك مباشر مع أي من القوات الإيرانية، أو الروسية في أسوأ حال. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تصعيد خطير للصراع إلى الحرب بين الدول لا يمكن السيطرة عليه. وبالطبع لن ترحب الرياض ولا موسكو بمثل هذا التصعيد، ولذلك يمكن تدارك الموقف عن طريق الدبلوماسية. ولكن المخاطر كبيرة، وليس هناك ما يضمن عدم تصاعد التدخل المحدود ليتحول إلى حريق أكبر بكثير.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك صعوبات جمة بالنسبة للقوات السعودية والتركية حالما يدخلوا البلاد. فسوف يؤدي تنسيق العمليات العسكرية مع مختلف الميليشيات المتنافسة وأهدافهم العسكرية المختلفة إلى وقوع تعارض محتمل في المصالح. وسوف تكون هناك حاجة إلى وجود تحكم عسكري خارجي مباشر على جميع الجماعات التي تقاتل هناك. وعلاوة على ذلك إذا بدأت القوات التركية والسعودية بتلقي خسائر في المعارك السورية، فسوف يكون هناك مطالبات داخلية لا مفر منها من أجل الوضوح الاستراتيجي والنصر الذي قد يكون من الصعب تحقيقه.
وبالنسبة لتركيا، لعبت الجغرافيا دورا سيئا في الموقف التركي تجاه الأزمة السورية. حيث يضغط ملايين اللاجئين الفارين من الصراع على الموارد التركية ويستمر تدفق اللاجئين من خلال البلدان الأخرى التي تمارس الضغوط على السياسة التركية. وبالإضافة إلى مواجهة القصف المدفعي اليومي على بلدة كيلس الحدودية، اشترك الجيش التركي بالفعل في قصف مدفعي متبادل مع الجيش السوري، فضلا عن قوات وحدات حماية الشعب الكردية. وفي عام 2012 ، تم اسقاط طائرة تركية عن طريق الدفاعات الجوية السورية، بينما لازالت أنقرة تكابد العواقب السياسية لاسقاط المقاتلة الروسية في العام الماضي.
تركيا تدرك تكاليف التصعيد العسكري أفضل من أي دولة أخرى، ولازال الرهان على أنقرة أعلى منه بالنسبة للرياض. وفي الحقيقة، لم تعد هناك خيارات جيدة متاحة لتركيا على الطاولة. التصعيد العسكري محفوف بالمخاطر، ولكن ثمن عدم القيام بأي شيء سوف يورط تركيا في مخاطر أمنية لا تطاق سواء على الصعيدين الداخلي أو الخارجي. ومن الصعب أن تظل أنقرة تقف موقف المتفرج ولا تفعل شيئا لفترة أطول من ذلك.
ولكن التدخل العسكري في سوريا يجب أن يتم تحت أنظار الولايات المتحدة خلافا لما حدث في اليمن، على الرغم من أنه من المشكوك فيه أن تتلقى أي عملية عسكرية في سوريا لا تستهدف داعش أي مساعدة. وهذا على الرغم من النداءات المتكررة من حلفاء الولايات المتحدة في سوريا بأنهم لا يتلقون ما يكفي من المساعدات أو الدعم العسكري ليكونوا قادرين على القيام بعمليات فعالة.
ونظرا لموقف واشنطن المتباطئ، سوف يتحتم على كل من أنقرة والرياض أن يفكرا في الآثار المترتبة على العمل بدون دعم الولايات المتحدة في مسرح عمليات معقد للغاية، مما يقلل من جاذبية الانتشار العسكري على المدى الطويل.
ومع أخذ كل هذه الصعوبات في الاعتبار، من الجدير بالذكر أن ننوه إلى أن تكلفة عدم التدخل في سوريا لازالت مرتفعة. حيث سيستمر الأسد، الذي يمكث بأمان في دمشق، في المماطلة في المفاوضات إلى أجل غير مسمى، في حين يدعي أنه يحارب الإرهاب، ولكنه لا يفعل شيئا يذكر لمكافحة داعش، بل يشرف على المزيد من تدمير سوريا. تمتلك المملكة العربية السعودية وتركيا الخيار العسكري لإجبار الأسد على العودة الى طاولة المفاوضات، ولكنه خيار محفوف بالمخاطر ويحتمل أن يأتي بنتائج عكسية سيئة. وفي نهاية المطاف، قد يقتصر طموح الرياض وأنقرة في الوقت الحالي على نشر تشكيلات صغيرة حول شمال حلب، إلى حين اتخاذ قرار بتدخل عسكري مستقبلي.