الانعدام الخطير لسلطة الدولة في العراق


ميدل إيست بريفينج –

بدأت بالفعل معركة تحرير الفلوجة من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية. وتقدر قوات الأمن العراقية عدد مقاتلي الدولة الإسلامية الموجودين في المدينة بـ 700 مقاتلا فقط. بينما يتراوح عدد المدنيين في الفلوجة بين 60000 إلى 70000 مدنيا. بينما يقدر عدد القوات المشتركة في هذه العملية 25000 مقاتلا. ولكن تحرير الفلوجة لن يكون سهلا أو سريعا. فقد قامت الدولة الإسلامية بنصب الفخاخ في جميع الطرق الرئيسية المؤدية إلى المدينة بالإضافة إلى مئات المباني، وهي عازمة على إحداث أكبر قدر ممكن من الضرر لقوات الأمن العراقية. ومن المهم العمل على فتح مسارات آمنة للمدنيين في الفلوجة وحماية هذه المسارات بشكل كامل من أجل تقليل الخسائر في صفوف المدنيين.

ونشرت وكالة مهر للأنباء التي تصدر في إيران تقريرا في 25 مايو حول دور قاسم سليماني “في قيادة معركة الفلوجة”. وتداولت أذرع الإعلام العسكرية في العراق صورة لاجتماع سليماني مع القادة العسكريين في المقر التشغيلي لحملة تحرير الفلوجة. وفي يوم 25 مايو، وصفت وسائل الاعلام العراقية دور سليماني على النحو التالي: “سليماني يقود معركة الفلوجة “. ولكن مدينة الفلوجة تقع في العراق، أليس كذلك؟

وقال سليماني إن وجود إيران في معركة الفلوجة هو رد على الدور الأمريكي في العراق. “لقد كان الأمريكان هم السبب في كل هذا. فهم يدركون أن ثورتنا تلهم جميع بلدان العالم “.

وسوف تقع مسؤولية أي هجمات طائفية على المدنيين السنة في الفلوجة على عاتق سليماني وحلفائه في قوات الحشد الشعبي. وقد تدفع الهجمات الطائفية الشيعية السكان السنة إلى الانحياز إلى جانب الدولة الإسلامية في أماكن أخرى مثل الموصل. وسوف يتردد صدى الفظائع التي سترتكب ضد سنة الفلوجة في كل مكان في وسط العراق. وبالفعل، أصدرت عشائر الانبار بيانا في يوم 24 مايو يعارض أي قرار لبغداد يمكّن قوات الحشد الشعبي من دخول الفلوجة.

منع قوات الحشد الشعبي من لعب دور بارز في تحرير الفلوجة وإرسال عناصر منضبطة من قوات الأمن العراقية لتحرير المدينة سوف يكون مفيدا. ولكن مشاكل العراق قد تفاقمت بشكل أكثر تعقيدا خلال العام الماضي. والأسوأ من ذلك هو أنه لا يوجد طريقة سهلة لاستعادة النظام واتمام المرحلة الحرجة الحالية بأمان.

ربما يعطي تحرير الفلوجة من الجماعة الإرهابية دفعة يحتاجها العبادي. ومع ذلك، لن يتم تدارك التشققات السياسية والاجتماعية المتزايدة في العراق عن طريق الانتصار في الفلوجة أو عن طريق قرض صندوق النقد الدولي الذي تم توقيعه مع بغداد في 19 مايو بقيمة 5.4 مليار دولار. واستمرار التوجه الحالي للأوضاع، حتى مع تحقيق انتصارات ضد الدولة الإسلامية هنا وهناك، من شأنه أن يؤدي بالتأكيد إلى دولة فاشلة يُعطل فيها الحكم ويتقاتل فيها الجميع.

وفي حالة الفوضى، يزداد عدد المنتسبين إلى الدولة الإسلامية، كما رأينا في ليبيا. والتركيز على هزيمة الدولة الإسلامية مع بقاء المتغيرات الأخرى دون تغيير لن يؤدي إلى معالجة الأوضاع إلا مؤقتا وبطريقة ثانوية كمحاولة إصلاح الشقوق في قارب يغرق. وفي نهاية المطاف، ليس هناك الكثير مما يمكن للمجتمع الدولي أن يقوم به لإنقاذ العراق. ومع ذلك، ينبغي القيام بمحاولة صادقة وذلك أن الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحمل دولة فاشلة أخرى. وفي حين أن العراق ليست دولة فاشلة بعد، إلا أنها تسير بثبات في هذا الاتجاه.

وقد تناولنا بالفعل معالجة الدعوة إلى إعادة ترسيم حدود سايكس بيكو في الشرق الأوسط. وجادلنا بأنه على الرغم من أن الاتفاقية الاستعمارية التاريخية تعد أحد مصادر المشاكل في المنطقة، إلا أنها تأتي في ذيل القائمة. ففي حالة العراق، نحن نرى الآن الشيعة وهم يقاتلون الشيعة. وهذا يشبه ما رأيناه في ليبيا حيث يحارب السنة السنة. واقتراحات تقسيم دول المنطقة على أساس الهوية الطائفية أو القبلية لا تعد حلولا، لإنها تعالج المشاكل الثانوية. وعلاوة على ذلك، وكما يشهد الوضع في العراق وليبيا بذلك، سوف يستتبع التقسيم مزيد من التقسيمات من جهة ومزيد من الحروب من جهة أخرى.

وفي يوم 20 مايو شهدت بغداد موقفا آخر يكشف عن عمق الأزمة. فقد اقتحم أنصار مقتدى الصدر المنطقة الخضراء للمرة الثانية في غضون ثلاثة أسابيع. وينبغي أن تفهم هذه الخطوة في سياق سياسي للصراع السياسي الشيعي-الشيعي. حيث يزداد الصراع الداخلي بين الشيعة بشكل مخيف.

حتى الإيرانيين، الذين يمتلكون نفوذا كبيرا على عدة كتل سياسية شيعية رئيسية في العراق، يبدو وكأنهم مرتبكون في خضم الاضطرابات. ففي بغداد وحدها، هناك أكثر من 40 ميليشيا مسلحة.

ومع ذلك، وفي ظل الأزمة الطائفية والسياسية في العراق،  فنحن نرى أن نقطة البداية ينبغي أن تكون الدولة القومية. وعلى الرغم من أننا أقل تأكدا اليوم من فعالية الدولة القومية، إلا أننا نعتقد أنه يجب طرق جميع السبل قبل التخلي عن هذا الخيار. وما يجعلنا نعوّل على هذا الخيار هو أن غالبية العراقيين لازالوا  يؤمنون بعراق موحد.

والدول العربية السنية ليس لها علاقة بالأزمة الحالية في بغداد. ولم يتسببوا فيها. ولا يمتلكون النفوذ اللازم لإنهائها. ومع ذلك، فهم لديهم مصلحة في الحفاظ على النظام في العراق بشكل عام. حيث تهددهم الدولة الإسلامية السنية، فما بالنا بوجود دولة إسلامية شيعية.

وقد تصاعد الخلاف الداخلي بين الشيعة إلى حد تبادل الاتهامات بالتعاون مع الدولة الإسلامية السنية. فقد ادعى حاكم الزاملي، عضو التيار الصدري، أن حزب الدعوة (الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الحالي والسابق)  هو المسؤول عن الهجمات الإرهابية الأخيرة في مدينة الصدر في بغداد. وهذه هي المرة الأولى التي يتهم فيها سياسي شيعي ميليشيات المالكي بالتواطؤ مع الدولة الإسلامية. وهذا احتمال مستبعد  بالتأكيد.

وقال الصدر إنه لم يكن يعلم بتحرك أنصاره نحو المنطقة الخضراء في مايو 20. ومن الصعب تصديق ذلك بطبيعة الحال. ويعتقد الصدر أن طهران تفضل جماعات أخرى، كما يحتاج في نفس الوقت إلى إثبات استقلاليته. ومع ذلك، فإن رجل الدين الشيعي يدرك أنه يجب أن ينكر صلته بالأمر بعد دعوته إلى قم وتوصيات آيات الله بتهدئة أتباعه في بغداد.

وهذا يخبرنا أمرين: أولا، أن الوضع في العاصمة العراقية يخرج عن سيطرة ايران، وثانيا، أن الصراع السياسي يتحرك على غير هدى وبلا أهداف مشتركة. وبعبارة أخرى، يرجع ضعف العبادي إلى الحقيقة القائلة بأن كرسيه يستقر على نظام سياسي ضعيف، وأنه من الصعب على أي حال إيجاد مسار آمن في ظل التوترات الموجودة في بغداد الآن.

وفي الوقت الحاضر، تجنب العبادي الفراغ الأمني ​​الذي حدث في المنطقة الخضراء الذي أسفر عن توغل التيار الصدري عن طريق نشر وحدات خاصة من قوات الامن العراقية. وفي الوقت نفسه، فإنه ليس من الواضح بعد ما اذا كان آية الله السيستاني على استعداد للتحرك بجرأة ضد الكتل السياسية التي لا يمكن السيطرة عليها أم لا.

كما لا يقل تأثير الدور الهدام الذي يضطلع به المالكي الآن عما كان عليه عندما كان في السلطة. وخلال السنوات التي قضاها رئيسا للوزراء، خسر العراق مساحات واسعة من أراضيه لصالح الدولة الإسلامية، وتم إفراغ الخزينة العامة للدولة، واستشرى الفساد، وتم إضعاف قوات الأمن. وفي حين أن هذه الأفعال كفيلة بإنهاء الحياة السياسية لأي سياسي في أي مكان آخر في العالم، إلا أن المالكي لازال في المشهد.

ويحاول المالكي الآن، بعد ضغوط مكثفة من طهران، بذل الجهود من أجل إعادة انعقاد البرلمان. ويختلف هذا الدور عن تحركاته السابقة للاطاحة بالعبادي واستبداله بأحد برجاله. ويستبعد المالكي مقتدى الصدر من اتصالاته من أجل إعادة انعقاد البرلمان، في إشارة إلى غضب طهران على رجل الدين الشاب. وهذه الإشارة ليست مشجعة لإن الصدر يمكن أن يعود إلى دوره المخرب في أي وقت.

ولم يكن الانفصال بين المجتمع المدني والنخبة السياسية في بغداد واضحا إلى حد كبير. إذ أنه من المدهش أن نرى سياسي فاسد مثل المالكي متهم من قبل معظم العراقيين بتدمير البلاد، لازال يتمتع  بهذا التأثير الكبير في المشهد السياسي حتى بعد دوره في تدمير العراق. وقد تدخلت طهران بقوة لمنع العبادي من محاكمة ​​المالكي بتهمة الفساد.

ما الذي ينبغي القيام به؟

في حين أنه من الطبيعي أن نفكر في السيستاني أو طهران للمساعدة في تمكين العبادي، إلا أنه من الممكن ألا يكونا قادرين على إنهاء حالة الفوضى الحالية. حيث يريد السيستاني الحفاظ على حياديته كما أن رد فعله بطيء. كما يتم غالبا تضخيم نفوذ ايران بين الشيعة العراقيين بشكل عام. فمن وجهة نظر شيعة العراق، تعتير وحدة الأرض، والقومية، والاستقلال عناصر رئيسية في نظرتهم الأيديولوجية.

ومع ذلك، ينبغي النظر إلى المشهد العراقي باعتباره صورة واحدة تعكس الفجوة الواسعة بين مختلف الجماعات المنظمة، سواء كانت الميليشيات المسلحة أو الكتل السياسية، أو الشعب بوجه عام. ويعني ضعف المجتمع المدني في العراق اتساع هذه الفجوة، وينبغي النظر إلى الاحتجاجات الشعبية الحالية كنتيجة طبيعية لهذه الحقيقة. ولكن حتى عندما يقوم الشعب بتنظيم الاحتجاجات، سرعان ما يتم اختطافها من قبل القادة السياسيين مثل الصدر.

وقد أدت هذه الفجوة دائما إلى وجود صورة مكبرة من النفوذ الإيراني في العراق. على الرغم من أن نفوذ إيران يقتصر في المقام الأول على بعض الميليشيات الشيعية والجماعات السياسية القوية.

وربما تكمن الطريقة المباشرة للخروج من الفوضى الحالية في بغداد في اجتماع أكبر عدد ممكن من القوات حول خارطة طريق محددة يمكنها أن تساعد في نزع فتيل التوتر. ويجب أن تبدأ خارطة الطريق من إعادة انعقاد البرلمان، وتدخل أكثر وضوحا من قبل السيستاني لصالح تنفيذ إصلاحات العبادي، وإشارات  واضحة لدعم العبادي من قبل جميع القوى الإقليمية، ووضع الانتصارات ضد الدولة الإسلامية في صالح العبادي، وقوات الأمن العراقية بدلا عن الحشد الشعبي.

ويمكن أن يكون هذا مفيدا على المدى القصير. وعلى المدى الطويل، ينبغي تشجيع المزيد من التفكير الجذري للمساعدة في ايجاد وسيلة للخروج من المشاكل المزمنة التي تهدد مستقبل العراق.

ما نراه في بغداد ليس مجرد صورة سيئة للمعركة السياسية المعتادة. فالنظام لا يمتلك دعائم قوية لإبقائه في الحكم. وسلطة الحكومة ضعيفة جدا على أقل تقدير. بينما يساعد ضعف المجتمع المدني على منع أي محاولات لإصلاح النظام. ويوفر هذا الضعف المزدوج مساحة كافية للميليشيات لتنمو دون حساب  كما نرى الآن. والكتلة السياسية الشيعية تعاني من انقسام عميق وتميل  إلى استخدام العنف ضد بعضها البعض.

قد تمر هذه الأزمة. ولكن الأرض سوف تكون مهيئة بالفعل لنشوء أزمة أخرى. والخلل الحالي في بغداد لا يمكن تحمله.