كم تبلغ فاتورة تعذيب الحكومات العربية لمواطنيها؟

28 مايو، 2016

محمد جمال –

الحديث عن “التعذيب” الذي تقوم به الأجهزة الامنية العربية المختلفة ضد معارضيها، لا يتوقف، وغالبا ما ينجو القائمين عليه من العقاب، إلا قليلا، ولكن أحدا لم يسأل عن فاتورة قضايا “تعويضات التعذيب” التي ينجح عدد قليل من الأبرياء في إثبات تعرضهم له، والتي تبلغ ملايين الدولارات، ومن يدفعها؟

وبرغم أن التعذيب جريمة دولية لا تسقط بالتقادم في قوانين غالبية دول العالم، إلا أنه فاتورة تعويضات التعذيب لم تعرف سوي في مصر وتونس، ولا توجد معلومات عنها في بقية الدولة العربية سواء الخليجية أو المشرقية والمغربية.

وتشكو منظمات حقوقية تونسية من أنه برغم ثورة الياسمين، فلا يزال التعذيب في تونس، جريمة تتغذّى من ثقافة الإفلات من العقاب، ولا تزال قضايا التعويضات قليلة ويفلت أغلب الضباط من العقاب.

وأضيفت جريمة التعذيب كجريمة ضد الإنسانية في اتفاقية روما الخاصة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية الصادرة في عام 1998 والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2002.

ومع تراكم تقارير حقوقية محلية وعالمية عن حالات تعذيب في دول خليجية وأخري مشرقية ومغربية، فلا يزال ملف التعويضات الذي يحصل على الذين تعرضوا لهذه الجريمة اللاإنسانية غير واضح، ولا تعرف حالات محددة حوكم فيها ضباط أو شرطيون مارسوا هذا العمل اللاأخلاقي البشع.

تعويضات التعذيب في مصر

ولأن مصر من الدول التي تشتهر بالتعذيب في سجونها، فهي تشهد آلاف الدعاوى القضائية التي تنظرها دوائر التعويضات بالمحاكم المدنية ضد وزير الداخلية للمطالبة بالتعويض المادي في وقائع تعذيب واعتقال وإصابة بأمراض مزمنة وعاهات مستديمة أثناء الاحتجاز، وهذه التعويضات انتشرت في عهد الرئيس السابق مبارك ولاحقا عقب إجهاض ثورة 25 يناير التي قامت لمنع التعذيب.

والفارق بين قضايا تعويض عن جرائم التعذيب قبل وبعد ثورة يناير، يكمن في القيمة المالية للتعويضات، حيث كانت تتراوح بين 200 و700 جنيه (20 و70 دولارا) قبل عام 2011، لكنها زادت لتصل إلى 30 و50 و70 و100 ألف جنيه (ما بين 3 إلى 10 الاف دولار).

وتشمل قضايا التعويض التي يرفعها محامون على وزارة الداخلية ويطالبون فيها بتعويضات مالية بعشرات الملايين حوادث الوفاة جراء التعذيب، وفترات الاعتقال والاحتجاز بالمخالفة للقانون، والإصابة بأمراض مزمنة وعاهات مستديمة خلال فترات الاحتجاز، وغيرها من انتهاكات بعض أفراد الشرطة ضد مواطنين.

كما عدد قضايا التعذيب؟

عدد قضايا التعذيب وقيمة التعويضات المدفوعة للمواطنين “يصعب حصرها”، كما يقول مسؤول أمني بوزارة الداخلية، لموقع “أصوات مصرية”، ولكن محمد زارع، المحامي بالنقض ورئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، يقول إن المحاكم المصرية تنظر “آلاف الدعاوى القضائية ضد وزير الداخلية”.

ويقول المسؤول الأمني بوزارة الداخلية إن وزارته تلتزم بجميع الأحكام التى تصدر ضدها في قضايا تعويضات التعذيب والأضرار التي لحقت بالمواطنين، رافضا إعلان قيمة التعويضات التي دفعتها الوزارة بعد ثورة يناير وحتى الآن.

ولدي المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، وحدها 238 قضية بأحكام نهائية تقضي بصرف تعويضات تقدر بنحو 7 ملايين جنيه، وأنها “في انتظار توفير مخصصات مالية لوزارة الداخلية لدفع التعويضات المستحقة لأصحابها”.

ويؤكد “زارع” أن وزارة الداخلية صرفت نحو 15 مليون جنيه لضحايا تعذيب حصلوا على أحكام نهائية رفعها محامون بالمنظمة العربية للإصلاح الجنائي خلال أعوام 2012 و2013 و2014 و2015.

ورغم أن كل المحاكم المدنية المصرية يمكنها نظر قضايا التعويضات ضد وزير الداخلية، إلا أن الدائرة العاشرة تعويضات بمحكمة جنوب القاهرة، هي الدائرة الأبرز في نظر تلك الدعاوى القضائية نظرا لوقوعها في الحيز الجغرافي السابق لوزارة الداخلية قبل نقل مقرها إلى القاهرة الجديدة.

70 قضية تعذيب في شهرين

وقد نظرت تلك الدائرة العاشرة وحدها حوالي 70 دعوى قضائية بالتعويض ضد وزير الداخلية منذ مارس الماضي، معظمها مُقام من ورثة متوفيين يطالبون بدفع تعويضات مناسبة لضحايا التعذيب والاحتجاز والإصابة بأمراض مزمنة وعاهات مستديمة أثناء فترة الاعتقال.

وهذه الدعاوى القضائية التي نظرتها هذه الدائرة منذ مارس وحتى نهاية مايو، والتي يرجع بعضها إلى عام 2013 مرورا بأعوام 2014 و2015 و2016، كما تحجز المحكمة حوالي 10 دعاوى بتعويضات ضد وزير الداخلية للنطق بالحكم في جلسة 30 مايو الجاري، وبعضها يستمر 4 سنوات حتى الحكم فيها.

مليون جنيه لممثلة تعرض للتعذيب

وكانت المنظمة العربية للإصلاح الجنائي حصلت على أكبر قيمة تعويض عن التعذيب في تاريخ مصر عام 2012، عندما قضت محكمة الاستئناف بإلزام وزير الداخلية بدفع مليون جنيه تعويض للممثلة حبيبة بعد اتهامها بقتل زوجها القطري وتعذيبها للإدلاء باعترافات أدت إلى ادانتها وقضائها 5 سنوات خلف قضبان السجن.

وقُتل زوج الممثلة حبيبة في عام 1998 واتهمتها الشرطة بقتله، وبعد خمس سنوات على الجريمة أراد أحد الجناة الحقيقيين بيع ساعة ذهبية كانت خاصة بزوجها، ما أدى إلى إعادة فتح القضية وتبرأتها من جريمة القتل. وصرفت حبيبة قيمة التعويض بالفعل.

ومعظم الأحكام تدرج على قوائم الانتظار داخل وزارة الداخلية حتى يتم صرف قيمة التعويضات إذا ما توافرت المخصصات المالية لذلك.

التعويض يدفعه من نفذوا التعذيب

قبل ثورة يناير 2011 كانت وزارة الداخلية هي التي تتحمل دفع فواتير تعويضات التعذيب، ولكن محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، قضت في يناير الماضي 2016، بأن يكون التعويض ضد ضباط الشرطة في جرائم التعذيب “مدفوعا من مالهم الخاص وليس أموال وزارة الداخلية”.

وأمرت المحكمة بإلزام وزير الداخلية بإحالة من يثبت في حقه ارتكاب هذه الجريمة إلى مجلس تأديب، وقرارات محكمة القضاء الإداري ملزمة وواجبة النفاذ.

وقالت المحكمة، إن “التعذيب جريمة وخطأ شخصي جسيم للضابط يتجاوز حدود المخاطر العادية للوظيفة بصورة بشعة يستوجب التعويض من ماله الخاص وليس من مال الوزارة لخرقه أحكام الدستور فضلا عن محاكمته جنائيا”، مؤكدة أن “التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمان لمخالفتها حقوق الإنسان”.

ويقول مصدر أمنى أنه حال وقوع ضرر من ضباط أو أفراد شرطة تجاه مواطن ويكون هذا الضرر غير متعمد مثل قتل سائق سيارة المطافئ الذي يحاول الوصول إلى الحريق مواطن بالخطأ أو الاصطدام في سيارة أخرى، تلتزم وزارة الداخلية بسداد هذا المبلغ دون الرجوع إلى الضابط أو فرد الشرطة المتسبب في الحادث.

أما إذا وقع ضرر من ضابط أو فرد شرطة ضد مواطن مثل التعذيب، فإنه حال إقامة الضحية دعوى تعويض وحصوله على حكم ضد وزارة الداخلية، تلتزم الوزارة بسداد هذا المبلغ ثم تعود به على الضابط أو فرد الشرطة المتسبب في هذا الأمر ليسدده كاملاً، فضلاً عن العقوبة الجنائية من جهات التحقيق والعقوبة الادارية من الوزارة.

وتشير تقارير صحفية مصرية لأن الكثير من الضباط يفلتون من العقاب، وأن عددا من ضباط جهاز أمن الدولة المنحل في عهد الرئيس السابق مبارك، لم يدفعوا فاتورة ما ارتكبوه من جرائم في حق الإنسانية بل إن بعضهم ما زال يتمتع بكامل صلاحياته وسلطاته في ذات الجهاز المسمى “الأمن الوطني” بعد ثورة يناير.

28 مايو، 2016