‘منار الرشواني يكتب: الفلوجة تلخص المشهد’

28 أيار (مايو - ماي)، 2016
4 minutes

منار الرشواني

بعد أيام من المعارك التي يُفترض أن يكون هدفها “تحرير الفلوجة” من سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي؛ يكاد يغيب التنظيم عن المشهد تماماً، فقط بفضل بروز حضور إيران ومليشياتها المشهود بطائفيتها بأدلة قاطعة كثيرة جداً. بعبارة أخرى، شديدة الوضوح، يتحول، أو تحول فعلاً “تحرير الفلوجة”، في الإدراك العربي، شعبياً على وجه الخصوص، إلى معركة طائفية جديدة ضد السُنّة، وبحيث لا تقتصر تداعياتها وتجلياتها على العراق فحسب، بل تشمل المنطقة ككل، وأبعد منها.
وليس صحيحاً أبداً الرد على الحقيقة السابقة (أو أقلها الانطباع، وإن كان أهم في مفعوله من الحقيقة ذاتها) بانحياز مواقع التواصل الاجتماعي “لوغاريتمياً”، في ما يسمى “فقاعة الفلتر”؛ أو أن وسائل الإعلام العربية الكبرى تتبع أجندات دولها المعادية حتماً لإيران ودورها في العالم العربي. فكل ذلك يغدو أمراً ثانوياً إلى أبعد حد، بل ونتيجة فحسب للحقيقة الأخرى المتمثلة في أن المصدر الأول والأساس لإبراز دور نظام الملالي ومليشياته في معركة الفلوجة، أكان دوراً حقيقياً أم مضخماً، ليس إلا طهران ذاتها، وبشكل يعبر عن سياسة مقصودة تماماً، وشديدة الوعي بنتائجها. وهو ما دفع وسائل إعلام غربية أيضاً، وليس عربية فحسب، إلى التحذير من صراع طائفي في الفلوجة وما بعدها.
إذ مبكراً، ظهر بلا أدنى لبس حرص إيران على التأكيد على إشراف قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، على العمليات العسكرية في الفلوجة، من خلال ضخ صوره متوسطاً قادة “الحشد الشعبي” الخاضع لطهران. وهي رسالة لا يمكن أن تكون لواشنطن التي توفر الغطاء الجوي لسليماني ومليشياته عن سابق معرفة؛ وإنما هي رسالة للعالم العربي، تلخص السياسة الإيرانية تجاهه.
إذ تقوم هذه السياسة على “دعشنة” السُنّة؛ بالتنكيل بهم وإقصائهم جماعياً. وليس ضرورياً أن ينضموا فعلاً إلى “داعش” وأشباهه، بل يكفي إشاعة هكذا اتهام بحقهم، تماماً كما يجري في العراق وسورية خصوصاً؛ بما يبرر الجرائم الجماعية بحق الطائفة. وهذا الأمر يضمن، بدوره، عداء مستفحلاً مع مواطنيهم الشيعة (والعلويين)، والذين سيبقون بشكل طبيعي في حالة تأهب لمواجهة الإرهاب “السُني” القادم من بين ظهرانيهم، واستمرار اعتمادهم بالتالي على طهران للانتصار أو حتى النجاة في معركة الوجود الطائفية التي لا يعرفون الخروج منها بعد أن ضمنت إيران تحولها إلى حلقة شر مفرغة.
لكن إيران لا تكتفي بترسيخ الشرخ الطائفي السُني-الشيعي. هي تعمد، أيضاً، إلى خلق شرخ داخل الطوائف نفسها، كما بات جلياً اليوم في العراق، بالصراع الشيعي-الشيعي الذي يزيد ضمانات أن لا تقوم لبلاد الرافدين قائمة، دولة مستقرة قوية. لأن الهدف هو تكرار نموذج لبنان وحزب الله؛ مليشيات تسيطر على بلد في حالة شلل تام إن خرج عن الأوامر الإيرانية؛ رغم وجود جيش، وحكومة، وبرلمان، ومؤسسات أخرى!
لا يستطيع أحد أن يجادل في كون إيران المسؤول الأول -ولو بشكل غير مباشر، بافتراض منتهى حسن النية حد السذاجة- عن ظهور “داعش”؛ في العراق ابتداء، قبل توسعه إلى سورية وسواها. وهي حتماً ليست صاحبة مصلحة أبداً بالتصدي له، إلا في إطار استراتيجية السيطرة الكاملة على العراق وسورية.. حتى الآن.

المصدر: الغد

منار الرشواني يكتب: الفلوجة تلخص المشهد على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –

أخبار سوريا ميكرو سيريا