لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة الانسحاب من الشرق الأوسط؟


ذا ناشيونال –

واحدة من السمات الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية في أواخر عهد أوباما هي الأساطير السائدة بأنَّ جميع التدخلات العسكرية الأمريكية والغربية في الشرق الأوسط محكوم عليها بالفشل. وقال الرئيس أوباما الشيء نفسه، بهذا القدر من الحدّة، في سلسلة من المقابلات، ويبدو أنه هذا الأمر تطور ليصبح عقيدة داخل البيت الأبيض.

في محادثاته الأخيرة مع جيفري غولدبرغ بصحيفة “ذي أتلانتيك”، مدّد أوباما هذا المبدأ ليشمل تدخل روسيا في سوريا. وتحدث عن التكاليف الباهظة وادّعى أنَّ “الفكرة القائلة بأنَّ روسيا، بطريقة أو بأخرى، في موقف أقوى الآن في سوريا، هي سوء فهم جذري لطبيعة القوة في الشؤون الخارجية أو في العالم بصفة عامة. إنها مبالغ فيها. وأصرّ أنّهم “ينزفون هناك.”

لا الواقع ولا تقييمات المسؤولين تؤكّد آراء أوباما. ويبدو أنَّ روسيا حققت تأثيرًَا كبيرًا على الوضع الاستراتيجي على الأرض، لصالح نفسها وحلفائها، إيران وبشار الأسد، بتكلفة محدودة ودون الإفراط بشكل خاص، ناهيك عن النزيف كما يدّعي أوباما.

أوباما، على ما يبدو، يفترض أن هذه هي الحالة دون أي دليل حقيقي. ولكن لأنَّ جزء من عقيدة البيت الأبيض الحالية هو أن التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط محكوم عليه بالفشل، تمّ استنتاج أن أي تدخل روسي في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا، سيكون كارثة مماثلة.

وقد تجلى هذا التفكير في الآونة الأخيرة من خلال مقالة كتبها الصحفي ديفيد صامويلز من صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول الاتصالات في البيت الأبيض، بنيامين رودس. في هذه المقالة، يصرّ رودس: “لا أعتقد أنَّ الولايات المتحدة يمكن أن تجعل الأمور أفضل في سوريا من خلال تواجدها هناك.”

إنّه اعتقاد راسخ أكثر من كونه رأي مدروس من خبير حقيقي بشؤون الشرق الأوسط. وهذا ما يتضح من التعليق التالي: “لدينا سجل استدلالي على ما يحدث عندما نكون هناك، ما يقرب من عشر سنوات في العراق.” وسيكون هذا مناسبًا إذا كانت سوريا اليوم تشبه العراق في 2003. إنها فكرة مثيرة للسخرية.”

إنها حالة نماذجية على القفز إلى استنتاجات تستند إلى أدق المعرفة والفهم، والسماح للتحيزات والنفعية السياسية، بدلًا من الأحكام المدروسة بعناية، بفرض النتائج. في الواقع، هذا الاعتقاد الراسخ بأنَّ الانخراط في الشرق الأوسط محكوم عليه بالفشل من حيث المبدأ هو افتراض غير واقعي وغير تاريخي، يستند إلى مجموعة محدودة من سيناريوهات محددة وطارئة، وخاصة في العراق، وإلى حد ما، في ليبيا.

من أجل السياسة الخارجية الأمريكية، ومصالح شركائها الإقليميين، لابُدّ من تحطيم هذه الأسطورة قبل أن تبدأ الإدارة القادمة في صياغة سياساتها الخاصة، خشية أن تقع ضحية لهذه العقيدة غير المبرّرة.

أصبح فريدريك هوف، مدير مركز رفيق الحريري في منطقة الشرق الأوسط، المستشار الخاص السابق للرئيس الاميركي باراك اوباما في عملية انتقال السلطة في سوريا، أحد أكبر منتقديه الآن. في مقالة نُشرت الأسبوع الماضي على موقع المجلس الأطلسي بعنوان “The Non-Option of Disengagement from the Middle East “، يدحض هوف الإنكار المنافي للعقل الذي ضلّل نهج الإدارة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة.  

ويشير هوف إلى أنَّ جميع الحالات التي استشهد بها أنصار أساطير أن التدخل الأمريكي محكوم عليه بالفشل كانت لأسباب محددة ومن محللين بعينهم. وقال: “لم تنتج أي حالة من إجماع معيب من” مؤسسة السياسة الخارجية.” وهذه نقطة محورية في فهم التدخلات الأمريكية في الشرق الأوسط.

وأوضح: “ولا تدل أي منها على الفشل المحتوم للعمليات العسكرية الأمريكية، في ظلّ أنَّ تحرير الكويت عام 1991 تضمن التفوق الدبلوماسي والعسكري، وكان بمثابة مثال مضاد تمّ تجاهله.”

الحل هو تقييم دقيق، وتخطيط مناسب، وخاصة لتحقيق الاستقرار بعد الصراع، بدلًا من التفكير الحالم الذي إما أن يكون عدوانيًا أو سلبيًا للغاية. يحدّد هوف “الأهمية الحيوية للاقتصاد العالمي، وبالتالي للاقتصاد الأمريكي، من موارد الطاقة التي تمر عبر مضيق هرمز”، وتهديد الإرهاب وعوامل أخرى عديدة تعزز المركزية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط.

وعلاوة على ذلك، حتى لو كانت الولايات المتحدة تتمحور نحو آسيا، كما يدعو أوباما، فإن ذلك لا يقلّل، بل يزيد من الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط. كما أشار الباحث كريستيان كوتس في مؤتمر عُقد بمعهد دول الخليج العربي في واشنطن: “إنَّ دول الخليج متمحورة بالفعل نحو آسيا.”

ونظرًا للاعتماد المطلق من الاقتصادات الآسيوية على موارد الطاقة في منطقة الخليج، فإنَّ أي محور أمريكي إلى آسيا يعزز ولا يقوّض الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية للمنطقة.

كما يلاحظ هوف أنَّ الولايات المتحدة ليس لديها “قلعة أو خندق أو جسر متحرك”. وستظلّ منخرطة بعمق في الشرق الأوسط، شئنا أم أبينا، طالما أنها ترغب في البقاء كقوة عالمية. ولذلك، سيتوجب عليها اتخاذ إجراءات من وقت لآخر، وضمان النجاح. وحتى لو لم تقم الإدارة المقبلة بتعيين هوف في منصب كبير داخل دوائر صنع السياسة الخارجية الأمريكية، فإنها بحاجة، على الأقل، للاستماع إلى نصائحه البسيطة والحكيمة.