‘روبرت ماكورميك: الإرهاب يستثمر قمع الحكومات للأفراد لإذكاء العنف’
2 حزيران (يونيو - جوان)، 2016
أصدر مركز بيو للدراسات استطلاع رأي في أبريل الماضي تحت عنوان “الفجوة حول الإسلام و القوانين الوطنية.. تباين الآراء حول ما إذا كان القرآن يؤثر على القوانين في البلدان” والذي تم فيه استطلاع رأي العامة في أكثر من عشر دول عربية وإسلامية منها الأردن ولبنان والباكستان وإندونيسيا وماليزيا وتركيا وغيرها من الدول في أفريقيا مثل نيجيريا والسنغال وبوركينا فاسو.
أظهرت نتائج التقرير وجود تباين في الآراء حول إذا ما كان القرآن يؤثر على القوانين. ففي كل من باكستان والأراضي الفلسطينية والأردن وماليزيا والسنغال، والتي أغلبية سكانها من المسلمين، لا يرى من استطلعت آراؤهم مانعاً من أن تكون القوانين تابعة وبشكل ملتزم بتعاليم القرآن.
وأظهرت النسب أن في باكستان 78 بالمئة يرون أن القوانين يجب أن تستوحى من القرآن، بينما في الأراضي الفلسطينية وصلت النسبة إلى 65 بالمئة، وهذه النسبة في تزايد عن عام 2011 فقد كانت في حدود الـ36 بالمئة فقط. أما في الأردن الذي يقوم فيه نظام ملكي دستوري، فيوافق 54 بالمئة من المستطلعين على أن يكون قانون الأردن تابعاً للقرآن وتشريعه، بينما يرى 38 بالمئة أن القوانين الأردنية يجب أن تتبع “القيم والمبادئ الإسلامية”.
الشريعة والسياسة
ويُبيّن استطلاع الرأي العكس في كلّ من تركيا ولبنان وإندونيسيا وبوركينا فاسو، حيث لا يرى اللبنانيون أنه يجب على القانون أن يكون متأثراً بالقرآن، علماً أن أغلبيتهم من المسيحيين فجاءت النسبة بـ59 بالمئة، في مقابل 37 بالمئة من سنّة لبنان الذين يؤكدون أنه لا ينبغي على القرآن أن يشرّع القوانين السياسية.
بالمقابل 34 بالمئة من السنة اللبنانيين يقولون إنه ينبغي على القوانين أن تعكس ببساطة القيم الإسلامية. أما بالنسبة إلى شيعة لبنان فأظهر الاستطلاع أن 56 بالمئة منهم يريدون من القوانين أن تتبع مبادئ “الشريعة الإسلامية” ولكن ليس بشكل صارم.
في تركيا والتي تعد من الدول الإقليمية التي تأسست كدولة ديمقراطية علمانية في عام 1923، يوضح استطلاع بيو أن 36 بالمئة من الأتراك يرون أن القانون لا ينبغي أن يتأثر بالقرآن، مقارنة مع 27 بالمئة يريدون للقوانين أن تنبثق من القيم الاسلامية و13 بالمئة فقط متمسكون بأن تكون الشريعة الإسلامية هي القانون الحاكم. أما في الكثير من البلدان المستطلعة والتي لا تعد الأكثرية من السكان من غير المسلمين لديهم خلافات قوية بين الجماعات الدينية الرئيسية حول هذه القضية.
إيران واضطهاد السنة
الهيئة الأميركية للحرية الدينية في العالم رئيسها هو البروفيسور روبرت جورج ماكورميك الأستاذ في التشريع القانوني ومدير برنامج جيمس ماديسون في مؤسسات القيم الأميركية في جامعة برينستون وهي الأعرق في الولايات المتحدة، ويعمل ماكورميك أستاذاً زائراً في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، وباحثا في معهد هوفر في جامعة ستانفورد علاوة على كونه عضواً في لجنة اليونسكو العالمية لأخلاقيات العلمية والتكنولوجيا “كوميست”.
كما حصل ماكورميك على درجة الماجستير في علم اللاهوت من جامعة هارفارد ودرجة الدكتوراه في فلسفة القانون من جامعة أكسفورد وعلى الدكتوراه الفخرية في القانون، والرسائل والعلوم والأخلاق واللاهوت والقانون المدني والعلوم القضائية.
والهيئة الأميركية للحرية الدينية في العالم هي هيئة تُدعم من قبل الكونغرس وتعمل بموجب قانون “الحرية الدينية للعام 1993” والذي صادق عليه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون والكونغرس الأميركي.
كما أن الهيئة الأميركية للحرية الدينية في العالم هيئة حكومية غير حزبية تضم أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، تأسست في عام 1998 بهدف مراقبة حرية ممارسة الأديان والمعتقد في أكثر من ثلاثين دولة مسلمة وغير مسلمة. وتقوم هذه الهيئة بإصدار تقرير سنوي شامل حول هذه القضية وتقدم أيضاً توصيات وتساعد على رسم السياسات لكل من الرئيس الأميركي المنتخب ووزارة الخارجية الأميركية والكونغرس.
وتعتمد الهيئة على معايير قانونية وأخلاقية عالمية وترصد انتهاكات الحريات الدينية والمعتقد في الدول التي تعمل بها. يعيّن أعضاؤها من قبل الرئيس وزعماء الكونغرس من كلا الحزبين السياسيين، وهي هيئة منفصلة عن وزارة الخارجية، رغم أن “السفير المتجول للحرية الدينية الدولية” التابع للإدارة يعتبر عضوا غير مصوّت فيها.
أصدرت الهيئة الأميركية للحرية الدينية في العالم لعام 2016 تقريراً يوضح انتهاكات حرية ممارسة الأديان في عدد من الدول المسلمة وغير المسلمة، بالإضافة إلى عدد من التوصيات للإدارة الأميركية للتعاطي مع هكذا قضية.
وفي لقاء “العرب” مع رئيس الهيئة ماكورميك حول حرية ممارسة الأديان في ظل توسع التنظيمات الإرهابية، قال إن أحد الطرق الهامة لمحاربة التطرف والإرهاب تتمثل في العمل على دعم حرية ممارسة الأديان والتخفيف من الانتهاكات والاضطهاد الديني من ناحية، ومن ناحية أخرى النمو الاقتصادي والاستقرار وتمكين المرأة.
كل هذه العوامل تساعد على القضاء على التربة الخصبة التي تساعد على التطرف. لذلك تطالب الهيئة الأميركية للحرية الدينية في العالم باحترام الحرية الدينية لأنه سيتم استخدامها من قبل الإرهابيين والمتطرفين للقيام بأعمال العنف.
إيران من الدول التي رصدت الهيئة انتهاكها للدين وحرية ممارسته، حيث أوضح التقرير كيف أن حرية ممارسة الأديان في إيران في حالة تدهور كبير خلال العام الماضي، رغم تسلّم الاصلاحيين سدة الحكم. هذه الانتهاكات طالت عدداً من الأقليات الدينية كالأهوازيين السنة والبهائيين ومعتنقي الدين المسيحي الجدد والشيعة أنفسهم.
وأوضح التقرير كيف يتعرض الصوفيون الشيعية المعارضون للحكم في إيران للمضايقات والاعتقالات والسجن بشكل دائم. ومنذ انتخاب الرئيس حسن روحاني في عام 2013، تزايد عدد الاعتقالات وخاصة بين صفوف الأقليات الدينية. وأسباب تلك الاعتقالات تعود لاعتقادهم الديني فقط.
وعلى الرغم من أن الحكومة قامت بالإفراج عن بعض السجناء، إلا أنه في أكتوبر من عام 2015، حكمت المحكمة الجنائية الإيرانية على رجل الدين السني شهرام أحادي بالإعدام بعد توقيفه لأكثر من ستة أعوام بتهمة زعزعة الأمن والاستقرار في إيران.
ورصد التقرير انتهاكات الحكومة الإيرانية على السنة وفرض القيود على ممارسة شعائرهم الدينية على نطاق واسع وتعرض رجال الدين لخطر الاعتقال أو الاختفاء وفرض حظر على التعاليم السنية في المدارس العامة.
أما بالنسبة إلى الطائفة البهائية، والتي تعد من أكبر الأقليات الدينية غير المسلمة في إيران وتقدر بثلاثمئة ألف نسمة على الأقل، فتتعرض ولفترة طويلة لانتهاكات كبيرة وشديدة بحق أبنائها، وبشكل مبرمج من قبل حكومة المرشد الأعلى للثورة التي تصنّف البهائية على أنها طائفة “زنديقة” و”كافرة” وبالتالي باتت تواجه الكثير من القمع بتهمة “الردة”.
أما السعودية التي تعد الدولة الأكبر التي تمثل السنة في العالم العربي، فقد ذكر التقرير تعرض المملكة إلى عدد من الهجمات الارهابية التي طالت الأقليات الشيعية فيها وعلى يد التنظيم الإرهابي “داعش”.
ورغم تنديد الحكومة السعودية بمثل هكذا أعمال، إلا أن الهيئة زعمت أن الأقلية الشيعية في السعودية تواجه بعض الصعوبات في ممارسات شعائرها، فقد قامت الحكومة مؤخراً بإعدام الشيخ نمر النمر والذي أعلن مبايعته لنظام الوليّ الفقيه في إيران وهاجم الحكم السعودي، فتم توقيفه ومحاكمته واتهم بإثارة النعرات الطائفية وزعزعة أمن السعودية.
وذكر التقرير وضع حرية ممارسة الأديان في باكستان وارتكابها بعض الانتهاكات وكيف أن حكومة إسلام أباد في عام 2015 واصلت تجاوزاتها الممنهجة في حق الحرية الدينية والتمييز الديني مستندة في ذلك إلى الأحكام الدستورية والتشريعات والقوانين مثل قانون الردة أو قانون الكفر و”معاداة الأحمدية” والتي يعاقب عليها بالسجن أو الإعدام.
لم تغب قضية مسلمي الروهينجا وانتهاكات دولة بورما والــــــحرب المـــــمنهــــجة على نطاق واسع والــتي اتخذت طابـــعاً وحشياً ضد المسلمين وصلت إلى درجة استخدامــهــا كعامل تسويقي في الحملات الانتخابية لدى الحكومة في بورماـميانمار.
الالتزامات الدولية
أكد ماكورميك لـ”العرب” أنه وعلى الرغم من اعتماد الهيئة في إصدار تقاريرها على معايير أخلاقية وقانونية ورصد دراسات مراكز أبحاث كبيرة، إلا أنها لا تدخل في الجدال الديني أو أيّ حوار يتعلق بالتفسيرات الدينية أو الشرعية للكتب المقدسة، وما إذا كان على الدين أن يؤثر على قوانين البلاد التي تعمل فيها، مؤكداً أن الهيئة وأعضاءها يطالبون باحترام الأفراد وحرية الممارسة الدينية والاعتقاد، بما في ذلك تغيير المعتقد واعتناق دين آخر، منطلقا من قوانين حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية وقانون الحريات المدنية.
و أشار ماكورميك إلى الانتهاكات بحق مسلمي الروهينجا على سبيل المثال، واعترف بأنه على الأنظمة الحكومية أن تحترم حرية ممارسة الشعائر الدينية وأنه يجب على حكومة بورما-ميانمار التوقف عن ممارستها، والعمل على تعزيز التسامح وتمكين المواطنة. والأمر ذاته ينطبق على باكستان، حيث اعتبر ماكورميك أن “قانون التجديف” لا يتمتع بتأييد شعبي واسع من الأغلبية المسلمة.
وأن هذا القانون لا يعتبر قانوناً إنسانياً أو حتى شرعياً، خاصة وأن باكستان كانت قد وقّعت على التزامات واتفاقيات دولية في ما يتعلق بحقوق الإنسان واحترام الحرية الدينية.
داعش والقاعدة
لم يغفل تقرير الهيئة الأميركية للحرية الدينية في العالم التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش والنصرة في كل من العراق وسوريا وتوسعهما يعد أمراً مقلقاً ومخيفاً. الأمر الذي يشكل خطراً على الأقليات والأكثرية معاً.
شرح ماكورميك أنه يصعب العمل على تعزيز الحرية الدينية، وخاصة في الحروب الأهلية وفي ظلّ الدول الفاشلة. وأنه في الحالة السورية يوجد تزايد في الانتهاكات الشديدة للحرية الدينية من قبل النظام السوري وداعش على حدّ سواء. وأن توصيات الهيئة الأميركية للحرية الدينية لا تنحاز إلى أيّ طرف من أطراف النزاع، ولكن مهمتها إدانة ورصد كل الانتهاكات المرتكبة من أيّ طرف من الأطراف وضد جميع الطوائف كما يحصل في سوريا والعراق.
و شدد ماكورميك على أن حماية الاقليات تأتي من قبل السلطة الحاكمة في البلاد، وهذا ما تصر عليه الهيئة في توصياتها عند رصد الانتهاكات في كل من سوريا وإيران وباكستان ومصر وغيرها من الدول المسلمة وغير المسلمة التي تعد الأقليات جزءاً من مكوّنها الاجتماعي.
إسرائيل خارج اهتمام الهيئة
مجموعة الأزمات الدولية كانت قد نشرت وعداً قطعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في نوفمبر من العام 2014، بعد اندلاع العديد من الاضطرابات في كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية. تعهد نتنياهو آنذاك أنه سيسمح للعرب بدخول المسجد الأقصى دون وضع أيّ قيود على الجنس و العمر، بالإضافة إلى منع أيّ نشاط استفزازي من قبل المتشددين والمستوطنين اليهود داخل الحرم.
و في سؤال لـ”العرب” عن عدم تغطية الهيئة الأميركية للحرية الدينية في العالم لانتهاكات إسرائيل للحرية الدينية ومنعها دخول العرب الفلسطينيين إلى المناطق المقدسة سواء من المسلمين والمسحيين، قال ماكورميك إن الهيئة لا تعمل على تغطية كل بلاد العالم، بل ترصد ثلاثين دولة فقط. وأنه ليس على علم فيما إذا كانت القوانين في إسرائيل تمنع دخول العرب إلى الأماكن المقدسة، بسبب الأمن، واحترازاً من شن عمليات إرهابية، أو أن ذلك يتم بدافع اضطهاد المواطنين. وأضاف إنه لا يستطيع الكشف عن النوايا، ولا يمكنه التعليق على هذا الموضوع بسبب عدم امتلاكه أيّ معلومات حول هذا القضية بسبب عدم رصد الهيئة لأيّ نشاط في الحكومة الإسرائيلية أو السلطة الفلسطينية.