هل تدخل نقابة الصحفيين المصرية “بيت الطاعة” الحكومي؟
2 يونيو، 2016
محمد جمال – إبوان24
أثارت حملة التصعيد العنيفة من جانب السلطات المصرية ضد نقابة الصحفيين، وحجز النقيب ووكيل النقابة وسكرتيرها في قسم شرطة بالقاهرة، لرفضهم دفع كفالة بعد اتهامهم بإيواء صحفيين مطلوبين للنيابة، تساؤلات حول الهدف من هذه التحركات الانتقامية من النقابة.
فبالتزامن مع حبس ثلاثي قيادات النقابة، ناقشت محكمتان مصريتان دعوات لفرض الحراسة على النقابة، وسعي صحفيون محسوبون على الأجهزة الحكومية لتقسيم الصحفيين عبر تشكيل ما سمي “لجنة تصحيح المهنة” بمقر صحيفة الاهرام، وطالب أخرون باستقالة مجلس النقابة.
ووجهت النيابة إلى قلاش والبلشي وعبد الرحيم تهمتي “إيواء أشخاص مطلوبين لدى الجهات القضائية ونشر أخبار كاذبة عن واقعة إلقاء القبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا للنقابة”، وهو ما نفاه الثلاثة ومحامي النقابة وطالبوا بقاضي يحقق في كل أزمة اقتحام النقابة فرفضت النيابة.
وقررت النيابة فجر أمس الاثنين، إخلاء سبيلهم بكفالة 10 آلاف جنيه لكل منهم، غير أنهم رفضوا دفع الكفالة، فتم نقلهم بسيارة ميكروباص لقسم شرطة قصر النيل ووضعهم في حجرة بعيدة الحجز، وسيعاد عرضهم اليوم على النيابة.
وبرغم انتقاد صحفيين لمجلس النقابة الحالي وتحميله مسئولية ما جري لأعضائه لأنهم تنازلوا عن مطالبته باستقالة وزير الداخلية واعتذار الرئيس عن اقتحام النقابة، وتراجعوا عن التصعيد للمطالبة بحقوق الصحفيين، فقد أثارت الخطوات التصعيدية الحكومية مخاوف من محاولات إدخال النقابة “بيت الطاعة” الحكومي، الذي ظلت به طوال تاريخها في العهود السابق قبل ثورة يناير.
وهناك توقع بتحريك قضية فرض الحراسة على النقابة وتعيين مجلس مؤقت والدعوة لانتخابات تم التجهيز لها بالدفع بتحويل أكبر عدد من الاعضاء تحت التمرين الى مشتغلين وقبول 300عضوا جديدا، في حالة فشلت خطة إجبار النقيب علي الاستقالة، وتوقع انشقاق في مجلس النقابة على المجلس الحالي.
ويبدو أن جرائم السلطة ضد الصحفيين المحسوبين على التيار الإسلامي وسط صمت النقابة التي يهيمن على مجلسها أعضاء يساريين وحكوميين، أغري الحكومة باستكمال الطريق للقضاء على أي صوت يرتفع ضد النظام.
وتصاعدت أزمة بين جموع الصحفيين ووزير الداخلية على إثر اقتحام قوة شرطية للنقابة والقبض على صحفيين اثنين، فيما نفت وزارة الداخلية الاقتحام وقالت إن إلقاء القبض عليهما جاء تنفيذا لأمر ضبط وإحضار من النيابة.
إكراه “الصحفيين”
ويصف حقوقيون التحقيق مع كل من نقيب الصحفيين، يحيى قلاش، ووكيل النقابة، جمال عبد الرحيم، ووكيل لجنة الحريات خالد البلشي، لما يزيد على الـ 12 ساعة وفرض كفالة عليهم لإطلاق سراحهم أو احتجازهم هي محاولة واضحة للتنكيل بالنقابة والصحفيين بعد تصعيدهم عقب اقتحامها أول مايو الجاري في سابقة لم تحدث من قبل.
واعتبروا التحقيق مع 3 من أعضاء مجلس النقابة هو محاولة للتصعيد ضد النقابة مرة أخري، وإرهاب الاعضاء بالتحقيق معهم واحتجازهم داخل قسم قصر النيل، اذ أن تلك هي المرة الأولي التي يحبس فيها نقيب الصحفيين وسكرتير عام النقابة ووكيل الحريات بالنقابة.
وقالوا إن السلطة تحاول التنكيل بالصحفيين وإرهابهم للتراجع عن موقفهم المتخذ من قبل الجمعية العمومية والتغطية على واقعة اقتحام الداخلية للنقابة لأول مرة في التاريخ.
وتقول “ياسمين حسام”، المحامية الحقوقية، ان ما حدث خلال التحقيق منذ بدايته كان غير قانوني، مشيرة إلى أن التحقيق كان ليلا واستمر لمدة 12 ساعة وطُرد المحامين من غرفة التحقيق.
ووصفت التحقيق بأنه “كان إكراها معنويا، وباطلا لعدم وجود محامين ومنعهم من الدخول”، وقالت: “الداخلية تصفي خلافاتها السياسية، مع كل الأصوات والأقلام”.
واعتبر سامح سمير، المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إن فض كفالة لإخلاء السبيل هي تدبير احترازي الغرض منه ضمان عدم إخلال المتهم بشروط إخلاء سبيله، وتطبق في حالة عدم وجود ضمان آخر كجهة العمل أو محل السكن، مستغربا فرضها على أعضاء مجلس إدارة نقابة الصحفيين ولا يوجد ضمان أكثر من هذا لهم، معتبرا أن مبلغ الكفالة كان الغرض من “كسر عينهم”.
ورفضت النيابة طلب نقيب الصحفيين، يحيى قلاش بندب قاضي تحقيق لاستكمال التحقيق معه، حسب طلبه مساء الاحد، بعد استدعاءه وجمال عبد الرحيم سكرتير عام النقابة وخالد البلشي وكيل النقابة، لسماع أقوالهم في التحقيقات التي تجريها بشأن واقعة القبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا من داخل مقر النقابة بعد صدور أمر ضبط وإحضار لهما من النيابة وتواجدهما داخل مبنى النقابة.
وقال خالد البلشي عضو مجلس نقابة الصحفيين، إن تواجد الصحفيين داخل مبنى النقابة، ليس هربا من أمر الضبط والإحضار، وإنما ضمانا لسلامتهم أثناء تنفيذ الإجراءات، وهو ما أكد عليه نقيب الصحفيين “يحيي قلاش” في تواصله مع الجهات القضائية.
كما أكد جمال عبد الرحيم سكرتير عام نقابة الصحفيين، في التحقيقات ما جاء على لسان خالد البلشي بأن النقابة لا تأوي هاربين من أحكام، ونقيب الصحفيين كان في تواصل مع الأمن لتسليم “بدر” و”السقا” إلى جهات التحقيق.
العفو الدولية: “قمع غير مسبوق“
وقد وصفت منظمة العفو الدولية، أمس الاثنين، احتجاز نقيب الصحفيين في مصر من قبل قوات الشرطة في أحد الاقسام لرفضه دفع كفالة 10 الاف جنيه لإطلاق سراحه بتهمة إيواء صحفيين هاربين وإصدار بيانات كاذبه بأنه “اجراء قمعي غير مسبوع تجاه حرية الصحافة”.
وقالت المنظمة في بيان لها إن ما جرى مع نقيب الصحفيين يحيى قلاش وعضوي مجلس النقابة خالد البلشي وجمال عبد الرحيم “انتكاسة مقلقة” لحرية التعبير، واصفه احتجاز النقيب ووكيل النقابة وسكرتير النقابة بأنه “الهجوم الأكثر وقاحة على الإعلام الذي تشهده البلاد منذ عقود”.
وقالت “ماجدولينا مغربي”، نائب المدير المؤقت لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة إن “القبض على رموز إعلامية رئيسية في نقابة الصحفيين مؤشرات على تصعيد خطير في حملة السلطات المصرية شديدة القسوة على حرية التعبير ويظهر الاجراءات المتشددة التي تجهزها السلطات بهدف تشديد قبضتها الحديدة على السلطة”.
وقالت “مغربي”: “بمحاكمة كبار أعضاء مجلس النقابة تحاول السلطات بشكل واضح معاقبتهم على انتقاد الحكومة وإرسال رسالة واضحة لتخويف الصحفيين حتى يصمتوا”.
عن ما لا يبدو أنه سينتهي
@khaledelbalshy #نقابة_الصحفيين#القانون pic.twitter.com/MUSy8a63I8— أيمن الصياد a_sayyad (@a_sayyad) May 30, 2016
وطالبت المنظمة بالإفراج الفوري عنهم وإسقاط التهم الموجهة إليهم، وقالت إن 20 صحفيا على الأقل يقبعون خلف القضبان لممارستهم عملهم الصحفي، بحسب نقابة الصحفيين.
وأشارت منظمة “العفو الدولية” إلى إن “الحكومات المصرية المتعاقبة حاولت السيطرة على الإعلام وفرض قيود على الصحفيين لكن في الأول من مايو اقتحم ما يصل إلى 40 من رجال الأمن الوطني المسلحين نقابة الصحفيين منذ تأسيسها في 1941″، بحسب البيان.
احتمالات تطور الازمة
وتبقي احتمالات الازمة تتأرجح حول ثلاثة توقعات:
(الأول): أن تكتفي الحكومة بقرص ودن مجلس النقابة بحبسهم وتوعز لأي جهة بدفع الكفالة لإطلاق سراحهم وانتهاء الازمة مؤقتا انتظارا لرد فعلهم، وهل سيدخلون بيت الطاعة أم يستمروا في التصعيد.
(الثاني): أن تستمر السلطة في “خطة” التصعيد التي بدأت للتخلص من مجلس النقابة الحالي والسعي للتحكم في المجلس المقبل على غرار ما كان يجري في عهد الرئيس الاسبق مبارك، وتحاكم النقيب وقد يتم الحكم عليه بالسجن فور انتهاء صفته كنقيب.
(الثالث): أن تؤدي قرارات حبس قيادات النقابة لتصعيد أكبر من قبل الصحفيين يزيد من حجم المواجهة بينهم وبين السلطة، ولكن حجم التصعيد سيتوقف على تكاتف الصحفيين الذين يعانون من انقسامات واغراءات حكومية، في ظل اتهامات للمجلس الحالي (والسابق) الذي يغلب عليه عناصر يسارية وحكومية، أنه تغاضي عن التنكيل بالصحفيين الاسلاميين، وغيرهم من المخالفين أيدلوجيا، وهو سر عدم التضامن الكبير معه من كل الصحفيين.