طرد "ليليان لاندور" من بي بي سي وتحميلها مسؤولية انحياز القسم العربي

ثلاثة نماذج من التحليلات الصحفية غطت خبر  إقالة "ليليان لاندور" مديرة الخدمة العالمية لشبكة "بي بي سي" البريطانية والتي تندرج تحت إطارها أكثر من ٢٨ خدمة صحفية ما بين مواقع وراديو وتلفزيون بلغات مختلفة، النموذج الأول، والذي قد لا يكون مستغرباً على خدمة الـ"بي بي سي عربي"، يقدم الخبر دون شرح وباختصار غير متقن. خبر الـ"بي بي سي عربي" يتحدث عن مغادرة "ليليان لاندور" لمنصبها فقط، أما خبر جريدة الـ"غارديان" البريطانية فكان "تمجيدياً" يصف "لاندور" ببطلة التنوع ويقدم الأمر على أن خسارة كبيرة لـ"بي بي سي"، أما بعض وسائل الإعلام العربية ومنها "القدس العربي"، فربطت كل الأحداث التي جرت مؤخراً والانتقادات العنيفة التي سيقت للخدمة العالمية لـ"بي بي سي"، خاصة الخدمة العربية، باستبعاد "لاندور" كأولى الخطوات للتجاوب مع الشكاوى المتعددة حول تغطيتها الإخبارية المتحيزة في المنطقة العربية. التقاطعات ما بين الأخبار الثلاثة  المشترك الوحيد ما بين النماذج الثلاث هو إقالة "ليليان لاندور"، وخبر الـ"بي بي سي" لا يفيد بشيء، إنما "ويا للسخرية"، فإن الخدمة الصحفية الأعرق في العالم تناولت الخبر كما كان لوكالة مثل "سانا" أن تتناوله، وربما يذكر ذلك بالنكتة القديمة بين طلاب الصحافة في جامعة دمشق عندما كانوا يتندورن على سانا بالقول: نقلت سانا عن رويتز حصول انفجار في وكالة سانا. لهذا من أراد أن يعرف  التفاصيل عليه أن يتجاهل خبر البي بي سي ويقاطع ما بين الغارديان وبين القدس العربي. إن حيّدنا لمسة الغارديان العاطفية تجاه لاندور، "بطلة التنوع" بنظرها والتي على ما يبدو أن كاتب المقالة يرتكز فيها على معرفة أو صداقة شخصية مع لاندور، نجد أن الوقائع في الغارديان تتحدث عن خلاف بين لاندور والإدارة العليا حول الخط التحريري وتوجهات الخدمة العالمية، ولم يستطع الطرفان حلها فتم التوافق على مغادرة ليليان . هذا الخلاف في خبر القدس العربي تم التعبير عنه بشكل أكثر تفصيلاً، بدون الجرعة العاطفية التي وردت في خبر الغارديان، وبالاعتماد على مصادر داخل البي بي سي العالمية، ونظراً إلى كون الخدمة العربية هي الأكبر فيها فيبدو أن التفاصيل في القدس العربي تعكس حقيقة ما جرى بشكل أدق٫ خاصة وإن الإقالة جاءت بعد فترة وجيزة من موجة احتجاجات عارمة ضد بي بي سي عربي، حيث كان هذا عنواناً لانتقادات صارخة لدى الجمهور العربي، وخاصة السوري، الذي وجد في تغطية البي بي سي عربي انحيازاً فاضحاً للنظام السوري. السوريون أطاحوا بليليان لاندور    تعددت الانتقادات بسبب انحياز  البي سي سي عربي، خاصة في الخبر العراقي والمصري والسوري، إلا أن الانتقادات الأعلى صوتاً تجاه الخدمة العالمية، بشقها العربي، جاءت من النشطاء السوريين، وبعد سلسلة من الأخطاء التي تكررت، وبتكرارها تنتفي صفة الخطأ عنها، وكان آخرها نشر صور لقتلى وقصف في مناطق المعارضة في حلب على أنها صور في مناطق النظام، ما أثار موجة غضب عارمة لدى السوريين  أجبرت البي بي سي عربي على الاعتذار الذي أتى باهتاً على موقع "توتير"، فما كان إلا أن زاد الطين بلة. ومن الجدير بالذكر أن هذا الخبر لربما كان الشعرة الأخيرة، فكأس المشاهد السوري المعارض للبي بي سي امتلأ، على مدى السنوات الأخيرة، من انتهاكات قامت بها الخدمة العربية خلال نقل الخبر السوري بما يصب بمصلحة النظام السوري، والاعتماد الكلي على مصادر النظام بشكل أعمى، حيث باتت الكليشة التي ترد في سانا عن ملاحقة العصابات المسلحة واستهداف أوكار المسلحين لازمة في كل أخبار البي بي سي، وكأن الذي يكتب، أو يحرر الخبر، لا يرى لا يسمع ولكنه يتكلم بلسان النظام. إضافة لهذا، كان السؤال المحق الذي لم توجد له إجابة، لماذا الامتياز الوحيد بوجود مراسل لقناة أجنبية في سوريا كان من نصيب البي بي سي، بعد أن غادرت كل القنوات دمشق مرغمة من قبل النظام السوري؟ ما الاتفاق الذي تم بين النظام والبي بي سي ليستمر مراسل القناة بالعمل  في سوريا، تحديداً حصراً في مناطق سيطرة النظام، مع غياب كامل لبي بي سي في مناطق المعارضة. هل هناك أمل بالإصلاح  مع خمسة وثمانين مليون جنيه استرليني قررت الحكومة البريطانية دعم الخدمة العالمية، لما تقول إنه دور مهم تقوم به هذه الخدمة خاصة في منطقة الشرق، وبذلك يسحبون الذريعة التي كانت لاندور تختبئ وراءها، إذ كانت تعتبر أن مشكلة القسم العربي تكمن في قلة الموارد، بينما يرى كثير من العاملين  في الخدمة العربية أن المشكلة تكمن في الاتجاه الإداري والتحريري، إضافة إلى الشكوى من المحسوبيات داخل القسم والتي يتم التعامل معها بإجراءات بيروقراطية لا ينتج عنها شيءٌ غالباً، ولكن وجهة نظر أخرى تشخص المشكلة في البي بي سي وترجعها إلى عشرات السنين حيث منحت الأقليات في العالم العربي أفضلية في التوظيف، لميل غربي عام لا يقتصر على  البي بي سي بل معظم الشركات والمنظمات العامة والخاصة. في البي بي سي عربي معظم المناصب القيادية تحتلها أقليات متنوعة من مختلف أنحاء العالم العربي، وهذا ما يفسر لدي البعض غلبة وجهة نظر الأقلية في العالم العربي على رواية الغالبية علي اختلاف البلاد والاختلاف الأخبار، إضافة إلى نظرة استشراقية للعالم العربي تفرض إيقاعها في نقل ما يجري وتفسيره، رغم أنه من المفترض، بمؤسسة عريقة كالبي بي سي أن يكون في كوادرها صحفيون قارئون للخبر وليس مترجمين يلهثون وراء أخبار تبثها وكالات كرويترز وغيرها. وأخيراً فغن ما سبق ذكره يظهر أن الأمل بإصلاح  الخدمة العالمية لبي بي سي مشوار مشكوك بأمره.