المصالحة التركية الإسرائيلية وتحالف الاستقرار في الشرق الأوسط
24 أغسطس، 2016
يعد تطبيع العلاقات بين تركيا و(إسرائيل)، إلى جانب تعاون أنقرة الوثيق مع قطر والمملكة العربية السعودية مؤشرًا على توازن القوى الجديد في الشرق الأوسط.
إذا كان يمكن تعريف العقد الماضي في الشرق الأوسط بكلمة واحدة، ستكون هي كلمة “اللااستقرار”، في مرحلة ما كان العراق هو أكبر المشاكل، ثم جاء البرنامج النووي الإيراني، والآن عين العالم ثابتة على سوريا، وهي بلد غير مستقر وتصدر عدم الاستقرار إلى أوروبا، لقد كان هناك دور لأزمة اللاجئين السوريين في انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
إن فراغ السلطة والحرب أهلية التي تبدو بلا نهاية في سوريا تعرض وضع الأمن القومي للقوى الإقليمية، بما في ذلك تركيا، للخطر، واليوم، يقيم في تركيا 3 ملايين لاجئ وتعتبر تركيا القوة المتزايدة لفرع حزب العمال الكردستاني في سوريا، حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، تهديدًا لمصالحها أيضًا.
وفي الوقت نفسه، فإن تنظيم الدولة يواصل العمل على عدم الاستقرار في العراق وسوريا، وأماكن أخرى، لخلق حالة من الفوضى، كما أن العدوان الطائفي الإيراني في سوريا والعراق واليمن، إلى جانب تدخل الكرملين في الحرب الأهلية السورية، يضيف إلى هذا التوتر.
في السنوات الأخيرة، وجدت عدد من الدول نفسها في بيئة متشابكة المشاكل الإقليمية مثل تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر و(إسرائيل)، وتحولت جميع البلدان الأربعة إلى الولايات المتحدة، التي هي تقليديًا أقرب حليف إليهم من أجل حمايتهم من الأزمات العاصفة، ليدركوا أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، كانت مشغولة جدًا في محاولة تكوين صداقات جديدة، وبدلاً من نزع فتيل التصعيد في سوريا، عزم البيت الأبيض على التوصل إلى اتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الراعي الرئيسي لبشار الأسد، وولد تركيز أوباما على تنظيم الدولة وحده شعورًا بالإحباط في وزارة الخارجية، وأدى دعم الولايات المتحدة لمسلحي حزب العمال الكردستاني في سوريا إلى توتر العلاقات مع أنقرة، وأخيرًا، أغضب الاتفاق النووي مع إيران المملكة العربية السعودية و(إسرائيل).
أجبرت التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط القوى الإقليمية أن تأخذ زمام الأمور بأيديها والعمل على إيجاد بديل عن الاعتماد على واشنطن.
ومن أجل إنهاء الأزمة السورية ومنع التوسع الإيراني، اتخذ حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة خطوات لتسوية المنازعات بينهم، حيث أجبرت حالة عدم الاستقرار واسعة النطاق القوى الإقليمية على التعاون بشكل أوثق من أجل إعادة الأمور إلى مسارها.
وتركيا وقطر والسعودية و(إسرائيل)، على وجه الخصوص، يتحركون ببطء لتشكيل تحالف من أجل الاستقرار في الشرق الأوسط.
وكانت تركيا وقطر حليفتين مقربتين على مدى العقد الماضي، حيث يجمعهما نفس الرأي حول الانقلاب العسكري في مصر والوضع في سوريا والتوسع الإيراني، وقد تعافت علاقات تركيا مع المملكة العربية السعودية بسرعة بعد التوترات الناجمة عن الخلافات الواسعة في الموقف حول الانقلاب العسكري في مصر 2013.
وبصيغته المنقحة، غير الملك سلمان في السياسة الخارجية لسلفه، وفي الوقت نفسه، استعادت تركيا والإمارات العربية المتحدة العلاقات الدبلوماسية بينهما بهدوء من خلال تعيين سفراء هذا العام، ولكن من الواضح تمامًا أن تغيير قواعد اللعبة الحقيقي في الشرق الأوسط سيكون جراء تطبيع العلاقات بين تركيا و(إسرائيل).
لقد عانت علاقات أنقرة مع تل أبيب من نكسات كبيرة في أعقاب الهجوم الإسرائيلي القاتل على متطوعي الإغاثة الإنسانية على متن سفينة مافي مرمرة، وبعد مفاوضات طويلة، وافقت (إسرائيل) على شروط تركيا، وعلى الرغم من عدم الإعلان الرسمي ذهبت أخبار التطبيع إلى الصحافة.
في عام 2013، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد اعتذر عن تصرفات بلاده بضغط من أوباما، وقد التقت تركيا و(إسرائيل) في روما للتوصل إلى اتفاق حول التعويضات التي سيتم تقديمها لأسر ضحايا مافي مرمرة، وأخيرًا، وجدت الحكومتان حلاً وسطًا للحصار المفروض على غزة لتأمين تدفق مستمر للمساعدات الإنسانية من تركيا إلى قطاع غزة.
تقدم الصفقة بين تركيا و(إسرائيل)غرضين: إسناد الاستعانة بمصادر خارجية لتأمين المساعدات، وفتح أنقرة لممر إنساني إلى غزة لإنجاز مهمة أسطول الحرية التاريخية.
يعد تطبيع العلاقات بين تركيا و(إسرائيل)، إلى جانب تعاون أنقرة الوثيق مع قطر والمملكة العربية السعودية، مؤشرًا على توازن جديد للقوى في الشرق الأوسط، ووفقًا لتقارير غير مؤكدة، فإن هناك مقعد محجوز على الطاولة لمصر، التي تثير تساؤلات حول مهارات السياسة الخارجية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ظل جرائمه ضد الديمقراطية والعداء الصريح والمستمر للدوحة وغيرها.
وفي الوقت الحالي سواء انضمت مصر أم لا فإنها ستنضم أخيرًا لتحالف الاستقرار ويبقى أن نرى ذلك.