مدعومة بمواقف موحدة.. البحرين تُصفي بقايا أذرع إيران


برزت المملكة البحرينية، مؤخراً، في فوهة الخلاف الخليجي الإيراني، الذي قاد إليه نشاط طهران في المنطقة وتدخلاتها السافرة.

فقد بدت قرارات وتحركات عديدة صدرت حديثاً، انطلاقة لمرحلة جديدة من تدهور العلاقة مع طهران خليجياً وعربياً، في وقت تقوم فيه الآلة الإيرانية بتمويل جماعات في كل من اليمن وسوريا والعراق ولبنان، علناً، وتسهم بتحريك الشارع الخليجي وتجنيد شبابه بشكل خفي.

أسباب التصعيد

كان لإسقاط وزارة الداخلية البحرينية، في 20 يونيو/حزيران، الجنسية البحرينية عن رجل الدين الشيعي عيسى أحمد قاسم؛ لأسباب تتعلق بتشجيعه على “الطائفية والعنف”، انعكاساته على التصريحات العدوانية الواضحة، التي صدرت من أطراف شيعية انطلقت من إيران، وسُمع صداها في العراق ولبنان.

ففي أكثر من مناسبة وفي صور متعددة، عمل قاسم “على ضرب مفهوم حكم القانون، وخاصة السيطرة على الانتخابات بالفتاوى من حيث المشاركة والمقاطعة وخيارات الناخبين، ورهن المشاركة السياسية بالمنبر الديني، وقد امتد ذلك إلى جميع نواحي الشأن العام، دون مراعاة لأية ضوابط قانونية، متخطياً بذلك الأعراف التي استقر عليها مجتمع البحرين، كذلك قام المذكور بتحشيد كثير من الجماعات لتعطيل إصدار القسم الثاني من قانون أحكام الأسرة (الشق الجعفري)”، بحسب السلطات البحرينية.

وكان وجود قاسم وأمثاله، دافعاً للمنامة لإصدار قانون سبق سحب الجنسية عنه، يمنع الجمع بين المنبر الديني والعمل السياسي.

وذكرت وكالة الأنباء البحرينية، في 11 يونيو/حزيران، أن العاهل البحريني أصدر قانوناً جديداً “يحظر على أعضاء الجمعيات السياسية وقياداتها الجمع بين العمل السياسي واعتلاء المنبر الديني، أو الاشتغال بالوعظ والإرشاد والخطابة، ولو بدون أجر”.

وقد قابل القرار البحريني، وعود وتهديدات صدر أبرزها من قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، الذي قال: إن “آل خليفة يعرفون جيداً أن التعرض لحرمة آية الله الشيخ عيسى قاسم هو خط أحمر لدى الشعب، يشعل تجاوزه النار في البحرين والمنطقة بأسرها”.

دعم خليجي وعربي

وكما دعمت البحرين ودول الخليج والدول العربية كافة السعودية، بعد الحملة الإيرانية عليها عقب إعدام الشيعي نمر النمر، انطلق الدعم لقرار البحرين من دول خليجية وجهات عربية.

إذ أكد مجلس الوزراء السعودي، دعم بلاده للإجراءات القضائية كافة التي تتخذها مملكة البحرين “لمحاربة التطرف والإرهاب بكل صوره وأشكاله، وتضامنها ووقوفها إلى جانب البحرين فيما تتخذه من إجراءات للحفاظ على أمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها، وبما يصون وحدتها ونسيجها الاجتماعي”.

بدوره، عبر الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، عن دعمه للإجراءات القضائية التي اتخذتها البحرين بشأن تنظيم عمل الجمعيات والتنظيمات الأهلية لديها، بما يتوافق مع القوانين، ويحفظ أمن واستقرار المملكة، ويصون وحدتها الوطنية. كما عبرت الخارجية المصرية في بيان عن دعمها الكامل للإجراءات التي اتخذتها البحرين مؤخراً في مواجهة محاولات زعزعة استقرارها الداخلي وسلامها الاجتماعي.

من جهتها، طالبت منظمة التعاون الإسلامي، جميع الأطراف الخارجية (لم تسمها) بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، على خلفية تنديد بإسقاط الجنسية عن قاسم صدر من وزارة الخارجية الإيرانية.

وأشارت المنظمة إلى أنها “تتابع بارتياح جهود حكومة مملكة البحرين في إرساء المؤسسات، وسلطة القانون، وتعزيز ممارسة مواطني البحرين لكافة حقوقهم المشروعة”.

تشديد الخناق

وسبق سحب الجنسية من المعمم الشيعي، أن أصدرت المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة في البحرين، منتصف يونيو/حزيران، أحكاماً صارمة بحق مؤسسي جماعة إرهابية أطلقوا عليها اسم “حزب الله البحريني”، وراوحت الأحكام بين السجن والغرامة المالية وإسقاط الجنسية.

وشملت هذه الأحكام: السجن لمدة 15 سنة على المتهمين من الأول حتى الثامن، وتغريم المتهمين الثاني والسابع مبلغ 200 ألف دينار لكل منهما، وبمعاقبة المتهمين الـ9 والـ10 بالحبس ثلاث سنوات، وتغريمهما مبلغ 500 دينار، ومصادرة المضبوطات، كما قضت المحكمة بإسقاط الجنسية عن المتهم الـ10.

وفي اليوم نفسه، أصدر القضاء البحريني قراراً بغلق مقار جمعية الوفاق الوطني؛ استجابة لدعوى تقدمت بها وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف البحرينية، وصدر حكم قضائي- بصفة مستعجلة- بغلق المقار، والتحفظ على أموال الجمعية، وتعليق نشاطها، لحين الفصل في الدعوى الموضوعية.

واتهمت الجمعية التابعة للتيار الشيعي في البحرين، “بتوفير بيئة حاضنة للإرهاب والتطرف والعنف، فضلاً عن استدعاء التدخلات الخارجية في الشأن الوطني الداخلي”، في إشارة إلى تشجيع التدخلات الإيرانية المستمرة.

أما زعيم الجمعية علي سلمان، فقد شددت محكمة الاستئناف البحرينية، في 30 مايو/أيار، عقوبة السجن بحقه من أربعة أعوام إلى تسعة.

وقد بدأ شهر يونيو/حزيران، بأكبر عملية منظمة حاولت من خلالها خلية تتبع طهران، تهريب 8 مطلوبين محكوم عليهم في قضايا إرهابية، باستخدام طراد كان متجهاً إلى إيران.

وجاء ذلك بعد أن كانت وزارة الداخلية البحرينية قد أعلنت في وقت سابق من نفس اليوم، هروب عدد من الموقوفين بمركز الحبس الاحتياطي بمنطقة الحوض الجاف شمال شرقي البلاد، في حين عادت وأعلنت في وقت لاحق القبض على عدد منهم.

وجاء الموقف الخليجي والعربي لخطوات البحرين، مؤيداً ومناصراً، حيث أعربت دول مجلس التعاون الخليجي عن دعمها للإجراءات القضائية البحرينية “لحماية أمنها واستقرارها، وتحقيق سيادة القانون، ومكافحة التطرف، ومحاربة الأفكار والممارسات الرامية إلى المساس بالوحدة الوطنية والتعايش السلمي”.

وأكد الأمين العام للمجلس، عبد اللطيف الزياني، أن دول المجلس تعرب عن تضامنها مع البحرين، “وهي تعزز نهج الديمقراطية والعمل السياسي والانفتاح، في إطار المشروع الإصلاحي لملك البحرين بعيداً عن أية تدخلات خارجية أو مرجعيات سياسية أو دينية خارجية، وبما يحفظ الوحدة الوطنية، ويصون أمن البحرين واستقرارها”، داعياً الدول والمنظمات الأجنبية إلى احترام سيادة البحرين ودستورها وقوانينها وسلطتها القضائية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

ويتضح من المواقف البحرينية، عزم سلطاتها على إنهاء المد الإيراني المستمر بمنطقة الخليج، والذي يكثر في البحرين بحكم النسبة العالية من الشيعة في البلاد، والذين تستقطبهم إيران بحجج دينية تطالبهم فيها باتباع منهج ولاية الفقيه ومبدأ تصدير الثورة الإيرانية، فيما يكشف الدعم الخليجي والعربي لمواقف البحرين، رغبة مماثلة لقطع أذرع إيران بالمنطقة، خصوصاً بعد التراخي الأمريكي والغربي بعد توقيعه الاتفاق النووي مع طهران.